الثقافة حق تشريعي للمواطن 1/2
محمد رضا نصر الله* |
لم يرد مصطلح التنمية الثقافية في خطط التنمية منذ انطلاقها بداية السبعينات الميلادية إلا مؤخراً، حين كان أمرها موكولاً للهيئة المركزية للتخطيط، هذه التي تعرضت وقتذاك لسجال نخبوي حول تحريرها من وهم الأيديولوجيا المهيمنة في الفضاء العام، وذلك في حلقات النقاش المغلقة التي كان يديرها رئيسها الراحل الأستاذ هشام ناظر بين فريق استدعاه من معهد ستانفورد الأميركي، وفرق من النخبة الوطنية التي عادت للبلاد بعد تخرج معظمها في الجامعات الأميركية، حيث تم التركيز على إنشاء البنية التحتية الكبرى للتنمية، دون مراعاة للفجوة الثقافية التي فغرت فاها بعد ذاك، بين فعاليات مشروعات التنمية وسكونية المجتمع.
أتذكر هنا مقالات كتبتها د. فاتن شاكر أستاذة الاجتماع بجامعة الملك عبدالعزيز وأول رئيسة لتحرير مجلة سيدتي، حول ما قام به المتنزهون من المواطنين حول مطار الملك خالد قبل افتتاحه، من العبث بأجهزة المطار الحديثة، وكأنه تمرد لا شعوري على ما فاجأ المجتمع السعودي، دون تهيئة ذهنية ومشاركة اجتماعية.
كنت من بين من تناول ضرورة اهتمام وزارة التخطيط، وقد أصبح هذا مسماها في حكومة الدكاترة سنة 1975م بالتنمية الثقافية، مشاغباً الوزير ناظر مرات عدة حول هذا الموضوع، داعياً إلى إضفاء البعد الإنساني والثقافي في الخطة.
بعدها أتذكر أنه هاتفني في أحد أيام سنة 1982م، طالباً مني إعداد قائمة بأسماء أبرز الأكاديميين والمثقفين والأدباء، لدعوتهم إلى اجتماع في مكتبه وقد انتهى إلى غداء عمل استشاري معهم في بيته بحي الورود، إذ استخلص منه الأفكار الواردة بعد ذلك في خطة التنمية الرابعة تحت عنوان التنمية الثقافية.
والأمر العجب أن استمرت هذه الأفكار التجريدية، متكررة في الأهداف العامة لخطط التنمية حتى العاشرة منها، فهي كسابقاتها ركزت على الجانب المادي، بوصفه محركاً للتنمية، حتى في بعدها المعرفي.. كما جاء في هدفها الثاني.. المتعلق بالتحول نحو الاقتصاد القائم على المعرفة ومجتمع المعرفة.. فماذا يعني مجتمع المعرفة؟
يعني كما يعرّفه المختصون أنه مجموعة من الناس ذوي الاهتمامات المتقاربة، ممن يحاولون توظيف معارفهم وخبراتهم في المجالات التي يعملون بها.. وقد ارتبط مجتمع المعرفة باقتصاد المعرفة ومجتمع المعلومات والاتصالات، بما يعني أن المعرفة ببعدها الاجتماعي والاقتصادي والاتصالي والمعلوماتي، ذات طبيعة وظيفية.. لذلك يعتبر مجتمع المعرفة واقتصادها، من أهم مكونات رأس المال في عصر العولمة، مما يعني أن التحول إليه هو تشييء للإنسان وتنميط للمجتمع.. فلا يساعد على وجود مفكرين ومبدعين، بقدر ما يعمل على وجود خبراء وموظفين.. لذلك فالهدف الثاني من هذه الخطة بعيد عن اعتبار المعرفة أو الثقافة قيمة روحية، تعمل دول كبرى وصاعدة هذه الأيام، على استثمارها في مواطنيها عبر تفجير طاقاتهم الخلاقة، في إنتاج الأفكار وإبداع الفنون في جو حر من التعبير وفق تنمية ثقافية، لتحقيق تنمية مستدامة، تقوم على القيم الدينية، والمخزون التراثي الفصيح والشعبي، وتعزيز هوية المجتمع، وتفعيل المجتمع المدني، وحماية التنوع الثقافي وتعددية الآراء.
____________
*صحيفة الرياض، الجمعة 4 شعبان 1439هـ – 20 إبريل 2018م