الشيخ علي الفرج وثمن التفكير الحر..!
حبيب محمود
ربّما يمثّل الشيخ علي الفرج واحداً من أقليّةٍ تحوم حولهم تساؤلاتٌ ـ ربما ـ حادّة من قبل أنصار العقل الجمعي. المعمّم الذي دخل عقده السادس؛ يتمتّع بحس نقدي استقلالي، وهدوءٍ صَبُور، حتى على ما يسمّيه أسلافنا “جنَفاً” وجفاءً. وليس هذا بجديد عليه؛ فحين كان طالبَ علمٍ في قُمٍّ، قبل سنواتٍ طويلة، لحقت به بعض وشاياتٍ تمسّ تعاطفه مع المرجع اللبناني السيد محمد فضل الله، وكاد يلحق به بعض الأذى، لكنّه التزم “واصبر على ما يقولون”، ومضى في طريقه.. بل وصمت وسامح الواشي به نفسه..!
شاعرية حالمة
في أواسط 1993؛ نشرتُ مقالاً مطوَّلاً في “اليوم”، تحت عنوان “علي الفرج.. شاعريةٌ حالمة في ثياب رجلِ دين”. ومن أسَفٍ أن الرقيب ـ وقتها ـ شطب “في ثياب رجل دين” من العنوان. كان المقال يستعرض نتاجَ شاعرٍ شاب حيِّ اللغة حالمِها، على ما كان عليه من انغماسٍ وتفرُّغٍ للدراسة الحوزوية التي بدأها بعد الثانوية أواخر الثمانينيات، امتداداً لميولٍ دينية، أعرفها شخصياً، منذ منتصف ذلك العقد.
مُفارقة
في المقال؛ شغلتني المفارقة. المعمّمون لا يكتبون الشعرَ إلا مثقلاً بما تعلّموه في حلقات الدرس، لكن شعر “علي الفرج/ الشيخ”؛ كان أرقَّ من “قطر الندى”. كان نسيجاً من مرايا شفافة، تُذكّر بشفّافية شعر السيد محمد حسين فضل الله في شبابه، وبعض إيحاءات محمد سعيد الحبُّوبي.
بعد سنواتٍ من ذلك المقال؛ أخذت صورة الشيخ المُصرّ على طلب العلم “الحوزوي”؛ تنفرز، أكثر، بين المعمّمين، بالذات الذين التحقوا بموجة “طلب العلم” في آخر عقدين من الألفية الفائتة.
مرايا
ربما كان من أوائل الشعراء السعوديين الذين أسسوا مواقع على شبكة الإنترنت، في بداية الألفية. وكان “نسيج المرايا” أشبه بثيمةٍ تطعّمت بها نصوصه العمودية والتفعيلية، حتى أن بعض الأصدقاء أشار إليه بـ “شاعر المرايا”، وشملت الإشارة أخويه أيضاً: السيدة أمل ومحمداً اللذين كتبا الشعر أيضاً، وبكثرة تردّدت كلمة “المرايا” فيما يكتبه الثلاثة من الشعر:
نزيف في المرايا من يسدُّ جراحها الحُبلى
ومن يَعِدِ القرنفل أن يعيد لوجهه فصْلا
سيلبسُ لونَك الكونُ الكبيرُ ولونك الأحلى
شفاهُك تجلدُ العطش الحريق وتجلد الرَّملا
ووسط الظهر تفتح فوق وجهك للندى حقلا
ويبتلُّ الدعا بصداك واسمك آية تتلى
آخُوْنْديّة
على أن المهمّ ـ هنا ـ هو الهمس الشفيف في شعر “شيخ”. والأهمّ أن هذه الزاوية من شخصيته؛ تُشير إلى تفتُّحٍ أوسعَ مما يبدو. ربّما تأثر الشيخ بمصاحبة الشاعر العراقي جواد جميل في دمشق، كما أشار الصديق حسن المصطفى في مقالةٍ منشورة قديمة.
وأُضيف من عندي، أيضاً، مصاحبة السيد مصطفى جمال الدين المعروف بانفتاحه وحداثة تفكيره. لكن التأثير مهما بلغ؛ فإنه لا بدّ له من استعداد ذاتيٍّ لاستقباله في الأصل. المقصود؛ هو أن الفرج مؤسَّسٌ على فهمٍ مختلفٍ عن ذلك الذي نعرفه عن “الآخُوْنْدية” المتحذلقين بتقاليد المجاملات المكرورة..!
حداثة حوزوي
قبل بلوغه الثلاثين؛ نشر مجموعتَي شعر، وكتابين. أحد الكتابين “تكوين البلاغة”، حاول فيه إعادة قراءة التراث البلاغي من منظور حديثٍ. والآخر “كائن اللغة” درس فيه الظاهرة اللغوية بوصفها كائناً حيّاً. وكلا الكتابين اللّسانيين؛ يُبشّر برؤيةٍ حداثية جداً، قياساً ببيئة الدراسة المحسوب عليها. بل يُبشّر، أيضاً، باستقلالٍ في التفكير، اتّسعَ، أكثر، في جوانب أُخرى من المناقشات العلمية والثقافية في بيئة زملائه الطلبة.
كسر التابو
ما كان لطالب علمٍ أن يخرج عن السياق الذي يجمعه بمحيطه، لا في الرأي، ولا في التعبير عن الرأي. هذا “التابو” جرّ عليه جَورَ معمّمين لم يُرحهم استقلاله واحترامه لعقله. وصل الإيذاء إلى حدّ الاستقواء عليه ومحاولة تشويهه واستصدار فتوى ضدّ أفكاره، بل ضدّ شخصه. وعلى الرغم من عمق الأذى والتجريح؛ حافظ على رقيّه حتى في مواجهة المشنّعين عليه..!
وما أشدّ غباء المكر السيء وفشله؛ فكلّما شُنِّع عليه؛ ازداد الناس التفافاً حوله وإجلالاً له، واحتراماً لرأيه. وما موجة التهويل التي استهدفته في شخصه، على خلفية كتابه “العباس بن علي.. بين الأسطورة والواقع”؛ إلا واحدة من “مراجل” جرّب ما هو أشدّ منها غلياناً، دون أن تفعل شيئاً غير إنضاج تجربته وخبرته.
مراجعات
يبدو أن كتاب “العباس”، لن يكون الأخير في سلسلة الإضاءات والمراجعات التي يعكف عليها الشيخ الفرج، فهناك سلسلة من المقالات التي نشرها في العامين الأخيرين، وربما في الأعوام الآتية تتحوّل ـ هي وغيرها ـ إلى أطروحات موسعة في مراجعات البحث التاريخي وعلاقته بالتفكير الاجتماعي، واتخاذ موقف مواجهة علمية وهادئة ومحترمة.
عقلية صافية تماماً، لا تُعكّرها عصبية، ولا تضع نفسها حاكماً على الناس، بل متصالحة مع من حولها، ومع نفسها من قبل.
سيرة ذاتية
- ـ علي عبدالله علي الفرج.
- ـ مولود في القديح 1391هـ، 1971م.
- ـ أنهى الثانوية في القديح، ثم التحق بالدراسة الدينية في النجف ودمشق وقم.
- ـ نُشر له:
1 ـ أصداء النغم المسافر، شعر 1417.
2 – نسيج المرايا، شعر، 1420.
3 ـ تكوين البلاغة: نحو إعادة صياغة للتراث البلاغي العربي.
4 ـ كائن اللغة.
5 ـ العباس بن علي.. بين الأسطورة والواقع.
اقرأ أيضا
محمد العلي: علي الفرج شاعر ومؤلف كبير.. غيّر في الشعر وفي النظر إلى اللغة
لا اعتقد ان المحمود قصد اظهار خصائص سماحة الشيخ وما اكثرها بقدر ما اراد الطعن في الحوزة وعلماء الدين
والا بربك كم عدد الذين تعصبوا في مواجهة الشيخ وهل هم حالة او افراد او ظاهرة او تيار حتى يحتاج الى هذا الكم من المفردات المهاجمة
ثانيا اليس المحمود ممن يمتدح سماحة الشيخ بانفتاحه فلماذا تدعوا الاخرين الى عدم مناقشة ما يطرحه سماحة الشيخ فلكل مذهبه في النقد والمجال مفتوح للجميع
ثالثا ادعى الكاتب ان سماحة الشيخ علي يعتبر استثناءا في الموضوعات التي يتناولها بشعره وانه خرج على مألوف الحوزة العلمية مع ان لدينا مراجع كتبوا شعرا ونثرا في موضوعات كانوا فيها جريئين للغاية
ولكن المحمود ربما لم يطلع عليها اذا احسنا الظن
شكرا لكم أستاذنا الغالي أستاذ حبيب
عموما:
مقال احتفائي يليق بجناب الشيخ المثقف
سيما منك شخصيا وأنت بحسب معرفتي الضئيلة ممن واكب وشهد بزوغ أول إشراق لهذا الضوء القديحي.. والشيخ يكن لك كبير الاحترام كما تبادله أنت ذلك.
وأما بعض الخصوصيات:
اولا:
“اليوم” عندها أجندتها ورؤيتها التي تخضع لها كأي صحيفة ف
حتى أنت في صبرتك الفتية-مد الله في عمريكما- لديك تحيزاتك وأجندتك في السعي لإيصال فكرة ما بمنظوركم الخاص وهذا هو واقع العمل الصحفي..
ثانيا:
كانت أصداء كتاب العباس أصداء إيجابية
وكانت الردود و التناول بشكل جميل ممن هم محسوبون على المشهد العلمائي
ودع عنك بعض الأصوات الشاذة هنا أو هناك؛ لأنها لم تشكل ظاهرة
والشيخ الشاعر يحظى بالاحترام من العلماء كما هو المثقفين الحقيقين.. دع عنك بعض المتثيقفين الذين يرون أنفسهم أكثر مدنية ومركزية ويزدرون الأطراف أو أبناء القرى
وبشكل عام
أدعو جنابك أستاذنا الكريم لإعادة النظر في عنونة كثير مما يكتب في صبرة حيث أنها صارخة لحد النشاز
فلو يتم التخفيف من حدتها والهدوء قليلا ليكون الوضع ألطف.. ولكم جزيل الشكر والتقدير ودعاؤنا لكم بمزيد من التوفيق
الشيخ علي ذلك الإنسان الذي لا يُرى إلا ساعيًا في طريق الكمال
حين تراه يضّيف الضيوف بحبات قلبه و هذا يكفي و يغني…
أتذكر أني سألته عن كتابه كائن اللغة و إذا كان متوفرًا في المكتبات فما كان منه إلا أن أهداني النسخة الخاصة بمكتبته
و أما ديوانه نسيج المرايا فقام بطبعه لتوزيعه على المهتمين و الشعراء ، و مانذهب له إلا و يتحفنا بجديده و يهدينا من كتبه و نتاجه
فله الشكر الجزيل
ونتمنى له المزيد من التوفيق و المعرفة و السعادة