الإنتلجنسيا العربية
مشعل أبا الودع
بعيداً عن حروب التسميات ومحاولات الحصول على اتفاق يخدم كل الأطراف حول أصل الإنتلجنسيا و أين ظهر هذا المصطلح لأول مرة، سنكتفي بالرجوع إلى تاريخ ظهوره في العالم العربي و نمضي على هذا المقام محاولين التطرق إلى الموضوع من وجهة نظر عربية محضة…
ظهر مصطلح الإنتلجنسيا في الدول العربية في عشرينيات أو ثلاثينيات القرن الماضي، و اقترن مفهومه بأصحاب النخبة المثقفة من الكتاب و الأدباء و الشعراء، و طبعاً اشترط من حيث تعريفه أن يكون هذا المثقف مفكراً بشكل مستقل بعيداً عن الفكر السائد الذي يروج له عموما…
اعتلت هذه الفئة مرتبة مهمة داخل المجتمع و أصبح اسمها مصاحباً للفكر الحر و المتمرد، و الرؤية العميقة للأمور المجتمعية و السياسية و الدينية. غير أنه مع مرور السنوات ورغم ما منادات حرية في التفكير و حرية الرأي و المعتقد، ظل فكر هذه النخبة معلقاً بطاولات المقاهي والجلسات المغلقة، و لحدود الساعة الراهنة لم يوضح مكانه و ظل بين البينين…
في ظل وضع حريات التعبير أمام كل واحد حاول أن يطير خارج السرب بفكره المتفرد و الحر، يستحيل أن تمضي الأمم العربية نحو التغيير الذي تطمح إليه…
و حقيقة هذه الإنتلجنسيا تعني التقدم وفقا لمبادئ تتأسس على حرية التعبير بكل أنواعه. سواء في السرد أو الشعر أو الرسم أو النحت أو الغناء، للتعبير عن رسالة تحمل قضية معينة وبشكل يرتقي بالمستوى الثقافي العام للمجتمع…
الفئة المثقفة داخل كل مجتمع هي التي من المفترض أن يكون لها تأثير في الحياة السياسية و الاجتماعية، بشكل يسود فيه التناغم بين كل فئات المجتمع وروح التقبل وقبول رأي الآخر وتوجهاته تحت كل المسميات، دينية كانت أو أخلاقية…
في واقع الأمر، قبل زمن الكولونيالية كان لهذه الفئة رابطاً وثيقا مع الشعب، و كان هذا الأخير يقدرها ويحترمها، فقد كانت هي من تحاول جاهدة أن ترد له الاعتبار و تطالب بحقوقه. بينما في زمن ما بعد الكولونيالية انقلبت أدوار هذه الفئة و ملاحظ جدا أنه بعد الاستعمار الفكري و الثقافي أصبح المثقف العربي يرتدي جلدة المادية الغربية مستثنيا حاجيات الثقافة العربية حقيقة…
و يكون بذلك قد أغفل جانباً مهماً، و هو أن ثقافة العرب و احتياجاتها لا تتوافق البتة مع الثقافة الغربية، و من المستحيل أن تمتزج هذه العناصر مع بعضها البعض، و إن حدث فسيكون ذلك انصهار للثقافة الأم لمصلحة الأخرى…
على سبيل الختم يمكننا أن نجزم بأن مثقفي الأمة العربية بنو حاجزاً متينا بينهم و بين عقلية الجماهير، و أصبح من الصعب تغيير هذا المسار اليوم، و لو فقط يعود بنا الزمان لنخبره بما صنعته اليوم هذا الفئة، التي تنعت نفسها بالمثقفة، بالأمة العربية و كيف ساهمت في تأزمها…