جاسم الصحيح بين خيانتين: الجسد واللحن..
محمد منصور
اهتمام الصحافة الثقافية في المملكة بالعارض الصحي الذي مر به الشاعر جاسم الصحيح؛ يُشير إلى مكانة الشاعر وموقعه من المشهد الثقافي السعودي. فضلًا عن ذلك؛ فإن هذا العارض لم يكن ليمرَّ بالشاعر دون أن يستوقفه شعرًا أيضًا.
وكعادة جاسم الصحيح المسكون بالشعر في كل ذراته فجرت الحادثة الصحية لديه قصيدة بعنوان: “مضغةٌ منكَ خانتك”.
وإن يكن المرض آذى جسد الصحيح “فشلٌ في الكِلى.. وثَمَّةَ تُرسانِ في آلةِ العُمرِ قد عُطِّلا.. فمن يُصلِحُ العَطَلَ الصعبَ؟!”.
فإنه لم يستطع المساس بروحه “خللٌ في العناصرِ؟.. عيبٌ بماهيَّةِ الخلقِ؟.. أم غدرةُ الطينِ بالطينِ؟”.
كذلك نجد القصيدة كما صاحبها آذاها المرض في مبناها، رغم عجزه عن التسلل لمعناها، فنجد الشاعر تائها بين بحرين عروضيين، فتارة يمتطي تفعيلة المتدارك (فاعلن) وتارة يمتطي تفعيلة المتقارب (فعولن). والتفعيلتان متماثلتان في الزمن، حيث تتألف كل تفعيلة من ثلاثة متحركات وساكنين. وهما مختلفتان من حيث الانتظام في الحركة والسكون. فتفعيلة المتدارك (فاعلن) عبارة عن: متحرك، ساكن، متحركين، ساكن. أما تفعيلة المتقارب (فعولن) فعبارة عن: متحركين، ساكن، متحرك، ساكن.
والقارئ للقصيدة لن يستطيع أن يلحظ هذا الاختلاف في بنية النص إلا حين يرهف السمع، أو يلجأ للتقطيع العروضي للنص.
ونظرا لطول القصيدة سأكتفي منها بذكر مقطعين فقط.
يقول جاسم الصحيح في هذا المقطع على تفعيلة المتدارك (فاعلن):
“فشلٌ في الكِلى
هكذا رنَّ صوتُ الطبيبِ
كقنبلةٍ في دمي انشطرتْ
واستدار إلى وجهِ حاسوبهِ
وانثنَى (يقرأ المقتلا):”.
ويقول جاسم الصحيح في هذا المقطع على تفعيلة المتقارب (فعولن)، باستثناء السطر الأول الذي جاء على تفعيلة المتدارك (فاعلن):
“فشلٌ في الكِلى
وثمَّةَ تُرسانِ في آلةِ العمرِ قد عُطِّلا
فمنْ يُصلِحُ العَطَلَ الصعبَ؟!
كيما تعودَ مصافي الحياةِ
لدورتِها في الوريدِ
تعيدُ لطاقتِهِ، المَعمَلا”.
ونختتم بهذا المقطع لجاسم الصحيح، مع الإشارة لتفعيلة البحر في أسطره. يقول جاسم:
فشلٌ في الكِلى (المتدارك/ فاعلن)
وأنا الآنَ في عزلتي
إنَّما لم أكنْ أعزلا (المتدارك/ فاعلن)
معي صوتُ أمي
يزمِّلني في سكينتهِ كلَّما بسملا (المتقارب/ فعولن)
غرفةٌ في أعالي الطوابقِ
لكنَّها
غرفةٌ من سكونٍ عميقٍ يسافرُ بي أسفلا (المتدارك/ فاعلن)
سُكوتي القبوريُّ
يحضنُني كالسريرِ
وفيما تجيءُ الحياةُ مُكمَّمةً
تطرقُ البابَ حينًا
وحينًا تُباغتُني مدخلا (المتقارب/ فعولن).
اقرأ أيضاً