اركض.. لكن ببطء!
محمد رضا نصر الله* |
بعد إطلاق أول عرض سينمائي في الرياض، أطلق المستشار بالديوان الملكي الأستاذ سعود القحطاني، تغريدة تؤكد اتفاق الرأي العام على فعاليات برامج التحول الوطني، منتقداً من يرى في انفتاح الدولة على الأفق الثقافي العالمي فرصة لتغريب المجتمع، والتمظهر بسلوكيات تخرج على العرف العام، خاصة أن العرض الاحتفالي الأول لمشاهدة السينما، استثمره المنتج استثماراً غير موفق، بعرض فتاة ترتدي فستاناً أحمر، يمتد على طول المدخل المؤدي إلى صالة العرض.
إن قرارات الدولة الأخيرة بتمكين المرأة، وغيرها من إجراءات تصب في مجرى توجه الدولة الحثيث للحاق بالركب العالمي، لا يعني قط التلاعب بهوية الأمة ومسخ موروثها الثقافي.
شاهدت بعد تغريدة الأخ سعود برنامجاً على القناة الألمانية، يعرض تجربة روائية سعودية مبتهجة بما يجري في المملكة من تغيير، حيث ذهبتْ هذا العام إلى معرض الرياض الدولي للكتاب، وهي تكشف وجهها موقعة للجمهور على آخر إصداراتها الروائية. إلا أنها ظلت محتفظة بسمتها السعودي، بل إن د. زينب الخضيري حين دخلت في بيتها الكاميرا الألمانية، لم تخف حقيقتها وهي تقوم بأداء فرض الصلاة حين حان وقتها.
لم تتغرب زينب رغم أنها تستلهم في رواياتها أحدث تقنيات الكتابة، عبر تفاعلها مع التجارب الروائية العالمية المترجمة.
هذا يذكرني بما لحظه أحد المراقبين الأميركان للشأن السعودي، وهو يرى الطالب السعودي بعد خروجه من الدرس الجامعي، كيف يفرش سجادته لأداء الصلاة بكل خشوع..
المحافظة على هوية المجتمع وموروث الأمة الثقافي، لم يمنع لي كوان يو -باني نهضة سنغافورا- الذي حول أرخبيل سنغافورة المتناثر في المحيط الهادي، من مستنقعات للبعوض، إلى نموذج تنموي تفوق في الصناعات الدقيقة واقتصاد الخدمات، ما أجبر جاره الصيني الضخم التعلم في مدرسته النهضوية.. يو هذا جعل من اللغة الإنجليزية مقرراً مفروضاً في منهج التربية والتعليم، لكنه في الوقت نفسه حمى أخلاق مجتمعه السنغافوري المتعدد، من اكتساح الغرب المنفتح عليه، فراح يحمل راية الاهتمام بالأخلاق الآسيوية.
جاك لانغ أشهر وزير ثقافة في فرنسا بعد أندريه مالرو، حين بدأت عواصف العولمة بشركاتها المتعدية الجنسية بخصوصيات الشعوب، وقف في مؤتمر اليونسكو المنعقد في المكسيك سنة 1982م منتقداً بكل جرأة طوابع الأمركة التي غزت المطبخ الفرنسي والأزياء الفرنسية، مشدداً على خصوصيات الشعوب الثقافية، مع التفاعل مع فوائض الثورة المعرفية والمعلوماتية، التي يتسم بها عصر الموجة الثالثة بل الرابعة، الذي فتح أمام العقل البشري آفاقاً علمية بلا أبعاد، هو ما تعمل رؤية 2030 الإفادة من فوائضها في كل مجال، لكن من يرجع لتصفح الرؤية سوف يجد أنها تركز على ضرورة الاهتمام بالثقافة الوطنية وتعزيز هوية الأمة، بإطلاق الفعاليات الثقافية وإقامة المتاحف، وفتح كنوز المملكة الآثارية أمام السياحة العالمية.
قبل أيام اعتمد مجلس الوزراء اللغةَ العربيةَ لغةً رسميّة في المؤتمرات والندوات في المملكة، مطالباً المشاركين المتحدثين باللغة العربية التقيّد باستخدامها، مع إمكانية استخدام لغات أخرى في المؤتمرات والندوات الفنيّة والتخصُّصيّة التي تستلزم ذلك.
إنها أبلغ رسالة للمتغربين المنسلخين من جلدهم.
لهؤلاء أذكرهم بمقولة لي كوان يو وهو يقود مجتمعه للانفتاح على العالم، اركض.. لكن ببطء! وهذا ما يعمل عليه اليوم محمد بن سلمان في مملكتنا المتحولة المتجددة، وأكد عليه سموه في كل أحاديثه الصحفية والتلفازية.
____________
*صحيفة الرياض، الخميس 10 شعبان 1439هـ – 26 إبريل 2018م