فقيرات في القطيف لا يطرقن أبواب الجمعيات أرملة تفضل غرفة بمساحة 12 متراً على شقة مجهزة من "كافل اليتيم"
يتيمة عملت "حارسة أمن" في قصر أفراح لتحمي كرامتها من الحاجة
القطيف: ليلى العوامي
لم يكن منزلاً، بل غرفة واحدة مساحتها 3 أمتار في 4. وفي هذه المساحة تنام الأسرة، وتطبخ، وتجلس.. حياة كاملة في مساحة غرفة. حياة كاملة لأم و 4 أطفال. ومع ذلك؛ لم يعلم بهذا المستوى من الفاقة إلا الله.
بهذه القصة بدأت أسماء العيد حديثها عن الأسر المتعففة. العيد باحثة في لجنة كافلة اليتيم بخيرية القطيف، وخلاصة تجربتها في البحث في حالات الجمعية، انتهت بها إلى قناعة دقيقة في مسألة الفقر في مجتمعنا المحلي.
لا يسألون الناس
رغم فقرهم وجوعهم؛ لا يطرقون أبواب الجمعيات، ولا يسألون الناس إلحافاً. أُسر فقدت عائليها، وعاشت عند خطّ الفقر، وخنقتها الحاجة. لكنّهم أصرّوا على ألا تُذلهم ظروفهم، ولا يشرحوا أحوالهم لأحد، ولا يستعطفوا حتى قلوب من يمكنه مساعدتهم.
وحين طرقت الجمعيات أبوابهم؛ وقفت على عمق الحاجة المحمية بالكرامة، وتكشّف للباحثات ما كان يجب أن تعرفه الجمعيات الخيرية ولجانها.
وتقول أسماء العيد “كنت يوما في زيارة استطلاعية لأحد المنازل الواقعة ضمن نطاق لجنة كافل اليتيم.. دخلت ذلك الزقاق الضيق كي أصل إلى المنزل المقصود.. وإذا بي أفاجأ بمنزل طوله 4 وعرضه 3 أمتار، وهو للنوم والجلوس والطبخ ومرفق صحي.. ذُهلت.. ولكني تمالكت نفسي.. وجلست أتحدث مع الأم.
سألتها: لم المرتبة على الأرض وانت ومعك اربعة أطفال..؟ هل تنامون جميعكم عليه..؟
قالت الأم: لو وضعت أسرة لأطفال لما استطعت العبور والجلوس. في الليل “أبسطهم” على الأرض كي ننام، وفي النهار أسندهم على هذا الجدار حتى نستطيع العبور والجلوس.
وحين طلبنا من الأم أن تخرج من المنزل للسكن بإحدى شقق “كافل اليتيم” أجابت: هذا منزل أبو أولادي الله يرحمه وهو ملكنا، ولا أريد أن أرحل منه مع أولادي فهو منزل والدهم”.
أبكتني
قصة أخرى تسردها العيد “خرجنا لإحدى الأسر بحكم وفاة رب الأسرة. جلسنا مع الأم التي كان لديها طفلان صغيران، وطفلة ثالثة عمرها ثمان سنوات.
سألناها عن الأطفال..
قالت: الصغيران ابناي، والطفلة ابنة زوجي وابنة أختي. ثم شرحت: تزوجتُ زوجي بعد وفاة أختي بالسرطان. تزوجته وأنجبت منه هذين الطفلين، أحدهما تسعة أشهر والأخر سنة ونصف السنة. لكنه لحق بأختي واختاره الله”.
وتعلق السيدة العيد “موقف أبكاني.. منزلهم صغير جداً جداً.. مثل هذه الحالات تكشف عن عائلات في مجتمعنا بحاجة إلى بحث وتقصٍّ. إنهم لا يأتون إليك.. لديهم عزة نفس”.
لم يكسرها اليُتم
“يتيمة في المرحلة الثانوية تستفيد من برنامج “كافل اليتيم”. إلا أنها تعمل في الإجازات الأسبوعية في وظيفة مؤقتة لا تتجاوز الحراسة الأمنية في بعض قاعات الأفراح النسائية.
سألناها لماذا تعملين..؟ وبرنامج “كافل اليتيم” يؤمن احتياجاتك..؟
فقالت: أنا أريد أن أعمل وأشتغل كي أعيش وأمي تعيش.
فتاة بهذه الروح المسكونة بالكدح أثارت إعجاب القائمين على البرنامج. لذلك سعى البرنامج لإلحاقها ببرنامج السفر إلى بريطانيا، من خلال متبرع من خارج اللجنة. ثم تخرجت وعادت، ومازالت مثابرة عصامية لم تعتمد فقط على “كافل اليتيم”، وإنما انطلقت لتبني نفسها بنفسها.