“ناصفة” القطيف في 80 سنة.. كل شيء تغيّر.. إلا “السّبال” ذاكرة الجيل القديم تتحدث عن انقراض "القنّاطيْ" واختفاء "الجباية"
3 أسماء للفول السوداني: سَبال، سكسبال، كسببال...!
القطيف، القديح، حلة محيش، أم الحمام، الجارودية: نرجس الخباز، آيات مرار، بشرى الأمرد، فاطمة المرهون، هدى آل ضيف
كل شيء تغيّر في احتفاليات الناصفة؛ إلا “السّبال” الذي ما زال ثابتاً جيلاً بعد جيل في الخليج. سَبَال، سكسبال، كسببال.. تعدد شكل الكلمة، والمعنى واحد: الفول السودانيّ النيئ في غلافه.
عاشت هذه الثمرة المستوردة من الشام ومصر جيلاً بعد جيل، لتصبح رمزاً طقسياً خاصاً بالأطفال، في ليلتين من السنة: الخامسة عشرة من شعبان ونظيرتها من رمضان، حيث يخرج الأطفال في جولات بين المنازل، فيُعطون “السَّبال” مخلوطاً بالحلويات.
الحاجة النصر: خدمة “المُلّاية” منعتني من “الناصفة” في سن الـ 12
قبل 80 سنة
الحاجة فاطمة عبدالله النصر، عاشت 89 سنة. والدها من “طواويش” سيهات المعروفين. لكنها نشأت وعاشت في قلعة القطيف. وحين خرجت في “الناصفة” أول مرة؛ كانت في سن السابعة. خرجت برفقة امرأة من البيت لتحميها، وطافت بها ساباط القلعة وأحياءها.. تقول “كانت المرأة تأخذ بيدنا من العصر حتى المساء. توقفت عن “المناصف” في سن 12″. فقد “صرتُ في خدمة “الملاّية” التي تعلمنا القرآن”. تضيف “كنا نخرج مع الجدة لتحمينا وتحمل أكياس الناصفة ونبدأ من فريق السدرة الذي كنت أسكنه، ونمر بفريق الوارش وفريق الخان ورجية “مغيبوه” و “رجية” الجبلة وبراحة الحليب، وإذا جاء الليل أضيئت الفوانيس في “ساباط الظلمي”، وكانت البلدية مسؤولة عنها طوال السنة”.
وعندما سألناها عن الفرق في الناصفة بين الأمس واليوم؛ “قالت: ليس هناك فرق في أجواء الفرح والاستعداد إلا في بعض المظاهر البسيطة التي أضيفت على مراسم الاحتفال”.
أضافت “بالأمس يوزّع “الكسببال” فقط. أما الآن؛ فهناك الحلويات واللعب. بالإضافة إلى أن الناصفة بالأمس كانت في العصر والليل.. الآن اختُصرت في الليل فقط”.
لكن الحاجة النصر تشير إلى عادة اختفت تماماً من الناصفة.. “وكان عندنا الجباية وهن نساء تطرقن الأبواب وتحمل كل منهن “طاسة” من المعدن تطرق عليها، ثم يضع الناس لها الناصفة أو الطحين والسكر”. تشرح السيدة النصر “ليست من الفقراء وإنما تطلب حاجة معنوية على سبيل البركة”.
الحاج فندم: عائلة الصايغ كانوا يوزعون “شاكليت” في الشريعة
لم تتغير الأهزوجة
أهزوجة الناصفة لم تتغيّر أيضاً.. ما زالت كما هي “ناصفة حلاوة كريكشون، حلًّوا الكيس واعطونا واعطونا، الله يسلم ولداتكم سالمين غانمين، ناصفة”. هكذا كان الحاج سعود احمد شعبان يردد أراجيز الناصفة، منذ شارك وهو في السادسة، عابراً “زرانيق” أحياء: الجراري، وباب الساب، وباب الشمال، والبستان، والقلعة، والمدارس.
أول ناصفة له كانت في القلعة. لكنه يقول إنه مارسها بعد الإنجاب مع أولاده، حين بلغ سن الـ 30. ويبلغ الآن الـ 75، وأصبح يتلقى “الناصفة” من أولاده. وحسب رأيه؛ فإن ناصفة جيله لم تتغير عن ناصفة جيل اليوم.. كانوا يوزعون “الكسببال والحلاوة والشموع وأجواء الفرح تنتشر في المنطقة وتزداد الحركة في كل مكان.. لم يكن هنالك ما يخيفنا أو يردعنا عن الخروج ليلاً لـ “المناصَف” وما زال هذا الشعور بالأمان إلى الآن كما نرى من تهيئة واستعداد للاحتفال والخروج من المنازل والتجول حول البيوت”.
الحاج شعبان: ناصفة الأمس لم تتغير عن ناصفة اليوم
في الشريعة
الحاج حبيب محمد فندم يبلغ من العمر 81. سكن حي الشريعة.. وحين “ناصف” أول مرة تمسك بيد والدته، لتتجول معه وهو يمشي “مثل الفرخ الصغير”، على حد تعبيره. حين بلغ الـ 5 بدأ يشارك الأطفال من فريق الى فريق مرددين “قريقشون ناصفة حلاوة.. عطونا من مالكم الله يخلي عيالكم”.
طاف أزقة الشريعة، حيث تقع محلات الذهب الآن. وهناك عائلة الصائغ الذين يوزعون “الشاكليت”. ومن حي الشريعة الى مياس إلى القلعة. لكن “حبيب الصغير” توقف عن “المناصف” حين بلغ الـ 11″. عندها صار يعمل”. ومما يتذكره باحترام هو التعامل مع الفتيات بحشمة.. يقول “قد تتم خطبة الفتاة وهي في سن “المناصف”، في عمر 10 و11 سنة”. لكن الحاج حبيب يؤكد وجود “الكسكبال”.
في حلة محيش
فرحه الصغير والكبير. “قروشان حلاوة. اعطونا الله يعطيكم”. هدا ما قالته الحاجة أسماء كاظم قو احمد. سردت القصه بكل عفويه.. “كنا نلبس الدرّاعه. والبخنك الذي تعددت ألوانه احمر واخضر واسود. وهنالك ما يسمى “البريسم”، وهناك كيس ابيض خالٍ من أي لون، كنا نضع “السكسبال” في “زبيل/ زنبيل”، ونوزع البركة.. أيضا هناك نوع من الحلاوة القديمة يُسمّى “القنَاطي”، وهو كرات سكرية محشوة بحمّص هش.
أما شريفة سيد حسن الشعله، فتقول “كان بيتنا من جذوع النخل، ويضيؤه الفانوس. نذهب إلى العين للاستحمام في ليلة النصف، قبل أن ترتدي كل منا نحن الفتيات “النفنوف” و “البخنك”، وتحمل كيساً و “تحوم” به بين البيوت لجمع “البركة”. وبعض البيوت تقدم مبالغ بسيطة، من “القروش”.
حفنة سكسبال
مدينة حسين العبد الله (68 سنة)، بدأت حديثها بالأهزوجة الشعبية المعروفة في الجارودية:
ناصفة حلاوة.. على النبي صلاوة
أعطونا من مالكم.. اللهْ يخلي عيالكم
هلّ وعاد.. على الأجواد
أعطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم
ثم دخلت في صلب الذكريات “كان عمري 6سنوات، حين شاركت في “الناصفة”. وكان يوزع في ذلك الوقت “السكسبال”. يُعدى “چف واحد باليد”، معه قليلٌ من “القنّاطي” والحلاوة.
وأشادت بقولها ان ذلك الزمن الجميل لا توجد أية مخاوف تذكر ابداً كان أمان والأمان بالله، والأماكن قريبة لا نحتاج إلى أية وسيلة مواصلات.
وواصلت قولها: كنتُ أتجول في الجارودية في ديرتي ديرة الحبايب في حي الديرة ولا يوجد إلا هذا الحي لأنها قرية صغيرة وكانت الأحياء الأول مبنية من الطين وسعف النخيل.
وتابعت قولها إنها توقفت عن الخروج في الناصفة عندما تزوجت وكان عمرها 15 عاماً.
وعن الفرق بين زمنهم وهذا الزمن، قالـت: في زمنا كانوا يوزعون “السكسبال” والقليل من “القناطي” والحلاوة ونحمل كيسَ قماش أو “خيشة”. أما اليوم فكثرت المصاريف والتوزيعات أشكال وأنواع من السبال والشيبسات والحلويات والكيك والمكسرات والفلوس.
الحاج الشبيب: تزوجت في الـ 13 فتوقفت عن الخروج
ثم تزوجت
عندما بلغت الـ 13؛ تزوجت و توقفت عن الذهاب للبيوت ليلة الناصفة، كان ذلك قبل أكثر من ٥ عقود. هذا ما ذكره الحاج ابراهيم مكي الشبيب من بلدة ام الحمام عندما سألناه. وقال انه منذ طفولته واجواء الناصفة لم تتغير فكانت تتسم بالأريحيه حيث كان الناس مطمئنين ويشعرون بالامان حيث كان يتجولون ليلاً في الازقه وبين المزارع.
ومن وجهه نظره فإن الناصفة في يومنا الحالي افضل مما كانت عليه سابقا،ً وذلك لزيادة عدد المنازل التي تقوم بتوزيع ما يُعرف بـ “البركة”. وعن اهم الاحياء التي كان يتجول فيها بأم الحمام ذكر انها: الجبلة، الزويچة، القوع، الديرة.