6 خطط للإنقاذ.. نبات الشورى بين الوجود والدمار
د. حسن بن أحمد عنبر
نبات الشورى والسياحة البيئية
أولاً يجب أن نتحدث عن السياحة البيئية التي هي عبارة عن نوع من أنواع السياحة القائمة على مبدأ الاستدامة أو ما يعرف عالمياً بـ”السياحة المستدامة” وهي ترتكز بشكل أولي على عناصر الطبيعية وبشكل ثانوي على العنصر الاجتماعي لسكان المنطقة المراد زيارتها. وتجدر الإشارة هنا أن فكرة “السياحة البيئية” بدأت في عام 1983م عندما تنبه متزعمي حركة المحافظة على البيئة لإمكانات الدمج ما بين اهتمام الأفراد بالبيئة وحرصهم عليها، خاصة وأن هذه الفكرة تطورت خلال السنوات الماضية بناء على رد فعل السياحة الجماعية من جهة والاهتمام بالتنوع البيئي من جهة أخرى. وفي عام 2002 ميلادي في مدينة كيبيك بكندا، تم الإعلان عن “إعلان السياحة البيئية” والذي اتفق فيه المشاركون على دعم السياحة البيئية والحفاظ على استدامتها والعديد من الشروط التي تتطلبها.
ماذا يعني نبات الشورى للبيئة البحرية؟
إن أهمية نبات الشورى تكمن في مقدرتها على النمو في أماكن ميتة لا يمكن أن تنمو فيها أية أنواع أخرى من الأشجار. ولعل الكثير منا لم يسمع عن غابات نباتات الشورى الموجودة في السعودية، إذ ليس هناك اهتمام اعلامي حقيقي بهذه الغابات فقبل ثلاثة عقود أو أكثر، كانت أشجار الشورى تشكل غابات تحاذي سواحل المدن السعودية في المنطقة الشرقية؛ مثل الجبيل، والدمام، وسيهات، والقطيف، وصفوى وصولاً إلى رأس تنورة. وفي الساحل الغربي أيضاً، مثل جزر فرسان، وجازان، والقنفذة، والليث، وينبع وجدة. يظن البعض أن أشجار نباتات الشورى المنتشرة في بعض المناطق على طوال سواحل المملكة العربية السعودية والدول المجاورة في البحر الأحمر والخليج العربي ليس لها أي فوائد تذكر، والحقيقة العلمية تثبت العكس تماماً ولها فوائد عديدة منها؛ أنها تعد ملجاً آمناً لصغار جميع الأحياء البحرية المختلفة والطيور، وتقلل التلوث الجوي عن طريق امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، وتعزَّز المخازن السمكية، وتحمي الشواطئ من التآكل وتساعد على استقرار أتربة البيئة الشاطئية، وتزيد نسبة الأكسجين في الغلاف الجوي، كما تثبت التربة الساحلية من الانجراف، وتعد ذات قيمة اقتصادية، لكونها مصدرًا للأعلاف، فضلًا عن تكوين متنزهات بحرية، بالإضافة إلى توفير مصدر لعديد من الصناعات والصبغات ومستحضرات التجميل، وهي بيئة قوية لحجز الملوثات الكيميائية والمعادن في التربة، ولهذا السبب تم استزراعها في هذه المناطق القريبة من المنشآت الصناعية والنفطية.
ووفقاً لبعض الدراسات المتخصصة في هذا المجال اتضح أن نباتات الشورى لها قدرة فائقة من خلال جذورها الهوائية على التخلص من الأملاح العالية الموجودة حولها والتعامل مع البيئة الطينية عديمة التهوية بشكل عجيب، وأن الجذور الهوائية تحتوي على خلايا خاصة تخزن فيها الهواء الذي تستخدمه عندما تكون مغمورة بالماء أثناء المد.
تجدر الإشارة إلى أن نبات الشورى من الأشجار الدائمة الخضرة والمعمرة حيث تنمو في المستنقعات ذات المياه المالحة والحلوة كما تنمو كذلك قرب شواطئ البحار بحيث تغمر المياه مجموعه الجذري بشكل دائم أو في أوقات معينة. ويتكاثر هذا النبات بواسطة بذور مغزلية الشكل تنتقل محمولة بواسطة التيارات المائية من منطقة لأخرى، حيث يخرج من تلك البذور جذر قوي ينغرز في التربة بشكل مشابه تقريبًا للطريقة التي ينمو بها جوز الهند.
أثر تدمير نبات الشورى
رغم أهمية نبات الشورى في البيئة الشاطئية فهي من أكثر البيئات البحرية المهددة بالانقراض وبدأت بالتلاشي من العديد من المناطق حول العالم نظراً لجهل الغير مختصين وأصحاب القرار بأهميتها البيئية وكثر عمليات الردم العشوائية في المناطق الشاطئية. ومن أشد الأعداء لهذه البيئات البحرية الهامة المنشأت الصناعية والنفطية التي تستغل بيئاتها المستقرة لإنشاء مدن صناعية ومصافي ضخمة، تعجز البيئة على العودة لحالتها السابقة.
وليس سراً أن العديد من بيئات نباتات الشورى دمرت وجرفت بطرق عشوائية، وفي الماضي ردمت العديد من الشواطئ من أجل مدن صناعية أو مصافي أو انشاء كباري وجسور بدون النظر إلى القيمة البيئية التي توفرها هذه النباتات الدائمة الخضرة في معظم شواطئ المملكة.
ومن الملفت للنظر أن عمليات الردم ما زالت مستمرة رغم إصدار قوانين بيئية كثيرة، وذلك لتجاهل بعض الشركات الكبيرة للبيئة ونظراً إلى كون تلك المناطق مغلقة وفي داخل السياج الأمني لبعض المنشآت الصناعية والنفطية والتي تعتقد أنها يجب أن تتوسع في المناطق المجاورة للسواحل متناسية دور هذه البيئات على المدى الطويل للمنشأة.
ومن أهم المسببات التي تدمر نبات الشورى التلوث البحري بما في ذلك الأكياس البلاستيكية، والتلوث النفطي والكرات النفطية التي تلتصق بالجذور الهوائية أثناء المد والجزر، وتنتشر على بعض الشواطئ بطرق مزعجة بيئيا من مصادر مجهولة. لذلك يخشى صيادو الأسماك والمهتمون بالبيئة البحرية أن تتسبب عمليات الردم هذه في القضاء على النظم البيئية الثرية، وتراجع إنتاج الثروة السمكية، خصوصاً من “الروبيان”.
اقتراحات وتوصيات للحفاظ على نبات الشورى
وقف مصادر التلوث والتغيرات البيئية والردم العشوائي والتوسع العمراني على حساب البيئة البحرية، وذلك بتطبيق القوانين البيئة الصارمة، بالإضافة إلى إيجاد الوعي الكافي حول أهمية نبات الشورى ومخاطر التلوث البحري وإرباك الطبيعة.
لكي نحصل على توازن بيئي واستدامة للحفاظ على ما تبقى من بيئاتنا البحرية ونبات الشورى بالتحديد، فمعادلة الاستثمار لدينا في المشاريع البحرية والمنشآت الصناعية والنفطية يجب أن تتغير وتكون أكثر استدامه وفائدة للبيئة، بمعنى يجب أن يكون مع كل مشروع صناعي على السواحل، فرض بالمقابل، مشروع أو منتزه بيئي متكامل للمجتمع أو للمدينة التي يقوم فيها المشروع، وبمبلغ يوازي 20-30% من قيمة المشروع أو المصنع أو المحطة المقامة أو المستحدثة.
وقف “التدمير المُمنهج للبيئة البحرية” بشتى الطرق وعمل إستراتيجية وطنية طويلة الأمد للحفاظ على بيئتنا البحرية من التلوث والانقراض والدمار بما في ذلك بيئات نبات الشورى.
وضع خطة علمية وعملية لاستزراع أشجار نبات الشورى في جميع السواحل وفرض القوانين الصارمة للحفاظ عليها، ووضع خطة ميدانية للتوعية بأهمية نبات الشورى والمحافظة عليها من الدمار وعلى النظم البيئية المختلفة في المناطق الساحلية.
على الهيئة العامة للترفيه ووزارة السياحة ووزارة البيئة والمياه والزراعة العمل سوياً لإنشاء منتجعات ومنتزهات بحرية منظمة وفق أعلى المعايير البيئية حول بيئات وغابات نباتات الشورى.
مشاريع ومنشآت شركة أرامكو كثيرة ومتنوعة على طول البحر الأحمر والخليج العربي ولها من العمر أكثر من 85 عام، وهذه المنشآت والمصافي والموانئ تسبب بلا أدنى شك ضغط بيئي طويل الأمد على السواحل والشواطئ على طول البحر الأحمر والخليج العربي رغم ما قدم من دراسات وأبحاث تنافي ذلك، ونتطلع إلى وجود خارطة طريق واضحة لإقامة مشاريع بيئية للمجتمع، مماثلة لمنتزه غابة نبات الشورى بمدينة صفوى في جميع مدن ومناطق المملكة التي تتواجد فيها منشآت شركة أرامكو، وشركة الكهرباء، ومحطات التحلية، والمشاريع الاستثمارية العملاقة البحرية.
اقرأ أيضاً
الدكتور حسن رجل متخصص وله اهتمامات بيئية بدافع وطني. واضيف الي ما اقترحه الدكتور حسن ان تكون مناطق غابات الشورى الحالية محميات طبيعية يمنع استغلالها بأي شكل وان تسن قوانين صارمة تعاقب من يعبث بتلك المحميات اسوة بالمحميات الطبيعية المختلفة