عين المحارق.. ركد الماء.. واختفت “قرابين” الجنّ…! "خسيف" مهملة وجد فيها المصورون "قِبلة" فوتوغرافية
القطيف: صُبرة، مشاركة: معصومة الزاهر
لم تسلم عين “المحارق” الجوفية من العاصفة التي داهمت محافظة القطيف في الأيام الفائتة. انكسرت نخلة صلبة بفعل ضغط العاصفة، وسقط جذعها ورأسها وسط العين. ومؤخراً ظهرت شائعات لا أساس لها عن أن العين سوف تُدفن..!
العين خسيف.. ماؤها راكد منذ أكثر من ربع قرن.. ولا حياة فيها سوى ما يظهر في دائرتها التي تُشبه دائرة منفضة السجائر..!
عين تاريخية نعم، عين طبيعية كانت نعم.. عين لها قصة.. بل حولها قصص، بدءاً من التاريخ المدوّن، وانتهاء بالخرافة الشعبية غير المكتوبة.. كلُّ ذلك في هذا التقرير…!
يفسّر بعض المجتهدين تاريخياً حصول اسم عين “المحارق” على اسمها من حادثة تاريخية وقعت سنة 283هـ، حين هجم جيش القائد القرمطي أبو سعيد الجنابي على مدينة “الزارة” التاريخية، فأحرقها، وألحق بها دماراً شاملاً. استمرّت الحرائق أياماً، فلم تقم للمدينة قائمة حتى يومنا هذا.
“الزارة” هي عاصمة بلاد البحرين القديمة. وبعد ذلك بقرابة قرنين؛ نشأت قرية مجاورة هي “العوامية” المعروفة الآن، حسبما يذكره المؤرخ الراحل محمد سعيد المسلم.
موقع العين كان يقع ضمن المدينة التاريخية، وبسبب استمرار الحرائق سُمّيت العين بـ “المحارق”. ويبدو ذلك تفسيراً منطقياً، لكنه في حاجة إلى أدلّة أكثر عمقاً. وسواءً أكان سبب التسمية صحيحاً، أو تفسيراً عاماً؛ لا شُبهة في كون العين واحدة من العيون الجوفية التاريخية الواقعة فيما يُعرف بـ “وادي المياه” الجوفي، بين بلدتي القديح والعوامية، وتنبع من الوادي قائمة طويلة من العيون.
عينٌ نبّاعة.. تتدفق منها المياه باندفاع شديد وغزير، إلى حدّ أنها تروي مساحة هائلة من بساتين “سيحة القديح”، شرقاً وغرباً وجنوباً، وبساتين الجهة الشمالية المتاخمة لـ “سيحة العوامية”. هذا ما كانت عليه قبل منتصف عقد التسعينيات الماضي.
من حيث محيط الدائرة؛ هي أكبر عين جوفية في المنطقة الواقعة بين القديح والعوامية على الإطلاق. والثانية من حيث الشهرة خلال السبعينيات والثمانينيات، بعد شهرة عين “اللبّانية” التي كان شبّان القطيف ـ وغير القطيف ـ يتزاحمون على السباحة فيها طيلة نهارات الصيف.
أغرى ماؤها الصافي أجيالاً يبحثون عن الترفيه بالماء الجاري. إلا أن المهمة الأهم للعين امتدّت قروناً في ريّ بساتين “الخط”، وإمداد النخيل بمادة الحياة الأولى. هكذا ورث فلّاحو بلدة القديح الريفية الثروة الطبيعية، وتقاسموها بين بساتينهم.
قرابين الجن
بسبب وجودها وسط النخيل؛ وتحت تأثير الخرافة الشعبية؛ حظيت العين ـ في الزمن القديم ـ بسمعة غريبة ذات صلة بالجن والعفاريت. وهو حال كان سائداً في عموم القطيف، إذ كان يُعتقد أن كلّ عين ماء مسكونة، ولها “راعية”، أي جنية، وهذه الجنية لها مطالب كثيرة.
وحين يغرق أحد في أي عينٌ؛ تذهب التفسيرات إلى أن العين “طالبة”، ومن عادة كثيرٌ من العيون ـ وبالذات القريبة من المساكن ـ أن تطلب “ضحية” أو أكثر في السنة الواحدة. وغالباً ما كان الأطفال على رأس قائمة الضحايا. ولذلك؛ كانوا يحاولون اتقاء شرّ “الرواعي” بتقديم ما يُشبه “قرابين”، وبالذات حين تُساور أحدهم كوابيس النوم. والطريقة هي رمي 7 بيضات في العين.
تصوير جوي للفوتوغرافي خالد الطلالوة (تم النشر بإذن منه)
تصوير علوي للفوتوغرافي فيصل هجول (تم النشر بإذنه)
هواة التصوير
اليوم؛ لم يبقَ من العين إلا البناء الدائري الصامد، وماءٌ راكد متوقف عند مستوى شبه ثابت، يهبط قليلاً في الصيف، ويرتفع قليلاً في الشتاء. وهذا ما أوهم بعض الناشطين البيئيين ـ قبل سنوات ـ بأن العين ستعود إلى الجريان. لكنّ المشكلة ليست في العين، بل في كمية المياه الجوفية.
وأمام الحال الراكد للعين؛ لم تعد تُعطي مياهاً للريّ، لكنّها تقدم لقطاتٍ فوتوغرافية مستمرة لهواة التصوير الضوئي. فضلاً عن ذلك؛ يجد بعض المهتمين بالسياحة في العين موقعاً معلماً. لكن الوضع العام للعين لا يُساعد إلا أن تكون في حكم البئر “المهجورة”.
عيون قريبة من عين المحارق في سيحة القديح:
- الغرّهْ: في الجنوب الغربي، من القديح.
- أم الحمير: الشرق.
- الحسين: الشرق: تمّ دفنها مع مشروع شمال شمال الناصرة.
- الوسايع: بجانب مسجد جبل الحريف.
- ساداس: شرق شمال البلدة.
تصوير: معصومة الزاهر
صور