حسين السادة.. الطفل الكفيف الذي “أبصر” الماء وتحدّى الغرق أمه رفضت الاستسلام للواقع.. ومدربه استشعر فيه بطلاً للمستقبل
صفوى: شذى المرزوق
في الوقت الذي كانت قدما حسين السادة الصغيرتان تتخبطان داخل بركة سباحة نزلها للمرة الأولى في حياته، كانت هناك أم سعيدة وفخورة بإصرار ابنها (10 سنوات) على التفوق رياضياً كما هو متفوق دراسياً، وكان هناك مدرب سباحة استشعر الخير في الصغير، فقرر أن يتبناه فنياً.
السادة ليس طفلاً عادياً، وإنما هو كفيف، فقد بصره بعد ولادته، بسبب خطأ طبي، ولم يمنعه هذا من أن يكون مشروع شاب استثنائي، أراد أن يقهر الإعاقة، فلم يُشعر الآخرين بأنه كفيف، ولم يسع لاستدارار عطفهم، وفعل ما يفعله الأطفال الأصحاء، قاد الدراجة الهوائية، والسيارة الكهربائية، والدباب، وتزحلق فوق “اسكوتر” الأطفال، وامتطى صهوة الجواد.
وفي تفاصيل قصة السادة، من الظلم أن يكون الصغير هو بطلها الأوحد، دون إعطاء الأم عقيلة الأحمد حقها في التضحية والسهر على راحة ابنها، بعدما اكتشفت فيه النبوغ والذكاء، فأرادت أن تستثمر هذا النبوغ لصالح الصغير، وإلى جانب الأم، المدرب يوسف اليوسف الذي دفعه حسه الإنساني إلى أن يلبي للصغير رغبته في تعلم السباحة.
في المقابل، شجع تفوق الصغير في السباحة، إدارة نادي الصفا على افتتاح المجال أمام ذوي الاحتياجات الخاصة، لممارسة الرياضة في مقر النادي.
عزيمة أم
وتسترجع الأم تفاصيل إصابة ابنها بالعمى بسبب خطأ طبي “انفصلت عن زوجي، وكان عمر حسين لا يتجاوز 12 شهراً، وصُدمت حين عرفت أن ابني البكر والوحيد كفيف، وأتذكر أنني مررت بمعاناة وتعب في فترة الحمل، فلم أستكمل فيها 9 أشهر، وولدت صغيري قبل الموعد بشهر، وأخضعه الأطباء لمراقبة الحضانة مدة شهر آخر”.
وتكمل الأم “منذ الأشهر الأولى، لاحظت أنه يعاني خللاً ما في عينيه، فالألوان التي تشد الأطفال وتلفت انتباههم، لا يلتفت إليها، ولا تجذب انتباهه مسببات الضوء، وبرغم المحاولات العائلية لتعزيز طمأنة الوضع الصحي للصغير، إلا أنني لم أكن مطمئنة، حتى عندما وضعته أمام يدي طبيبة عيون، كانت إجابتها “هذا مجرد هوس من أم هذا الابن الأول لها””.
تضيف عقيلة “من الصعب على قلب أم أن تتجاهل حالة عدم الإرتياح لأمر هي مرتابة فيه حول ابنها، لذلك طرحت الأمر على اختصاصي عيون، أشار علي بالذهاب إلى مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون في الرياض، وذهبت به هناك، وهنا كانت الصدمة بأن حدسي في مكانه، وأن ابني كفيف”.
خطأ طبي
وأشارت الأم إلى أن صدمتها الكبرى كانت حين قررت تحويل ملف ابنها من المستشفى الذي ولد فيها، إلى الرياض. وقالت “أثناء ذلك، تم اكتشاف الخطأ الطبي الذي تعرض له طفلي في فترة حضانته، ما جعل منه طفلاً كفيفاً، وهو زيادة جرعة الأكسجين التي أثرت على شبكية العين”.
وبحسرة كبيرة تكمل “لو انتبه المستشفى لهذا الأمر، لكان في الإمكان تلافي الإصابة بالعمى، ولكن فات الأوان”.
وتعلق الأم على حجج المستشفى “لا أجد في ذلك عذراً، خاصة أن ابني بقي في الحضانة شهراً كاملاً، ولكن هذا قدر الله، وكان لزاماً علي أن أتأقلم على الوضع الصحي الجديد لابني، وأحاول تمكينه للارتقاء بنفسه في مختلف المجالات، ليكون فرداً ناجحاً متميزاً برغم حالته الخاصة”.
بين صفوى والبحرين
وبعد أن بلغ السادة العمر المناسب لدخول رياض الأطفال، لم تقف الأحمد مكتوفة اليدين، بل كثفت بحثها عن أفضل مؤسسة تعليمية لرياض الأطفال متخصصة في حالة المكفوفين، يدفعها إلى ذلك اكتشافها ذكاء الطفل، ونباهته، وسرعة حفظه واستيعابه لكل ما يتلقاه، مقارنة بالحالات الأخرى مثل صعوبات التعلم أو التخلف الذهني، أو من هم من ذوي الإعاقات المستعصية.
الانتقال إلى البحرين
ولا تنسى الأم ما قامت به جمعية مُضر الخيرية في القديح، من اهتمام خاص بحالة الصغير. وقالت “كانت تتابع حسين عن كثب بعدما لجأت لها طالبة الاستشارة من المختصين فيها، خاصة أنها تضم المركز الوحيد في القطيف لرعاية المكفوفين”.
وتابعت “أرشدني الاختصاصيون في مُضر إلى روضة مختصة بحالة ابني في البحرين، لم أتردد في الذهاب هناك، فأنا امرأة عاملة، ولدي وظيفتي التي منها استطيع أن أقدم لطفلي أفضل ما يتناسب مع حالته”.
وتقول “بين صفوى والبحرين، تنقلت بطفلي خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، وبعد أن أتم الصغير دراسته في الروضة، التحق بعدها بالمعهد السعودي البحريني”.
تمكين رياضي
تبدو الأم فرحة وهي تتحدث عن تفوق ابنها دراسياً “ألزمتنا جائحة كورونا البقاء في صفوى طوال السنة الدراسية الحالية، وأتم حسين للتو الصف الرابع الإبتدائي عن بُعد، وأثبت تفوقه العلمي، سواء كان حضورياً أو حتى إفتراضياً، وهو ما أثلج قلبي كثيراً”.
وتواصل “خلال هذه السنة، ألح حسين كثيراً علي برغبته في ممارسة رياضة السباحة مثل أبناء أخواله، ولصعوبة إلتزام نادي الصفا وتفرغه لطفل صغير وكفيف، حيث استصعب الأمر، وبالتالي لم أتمكن من تلبية رغبة طفلي، لكنه عاد حسين من جديد الأسبوع الماضي يلح ويصر على ممارسة السباحة، ما دفعني وخاله إلى التواصل مع إدارة نادي الصفا مرة أخرى، والطلب منها انضمام الصغير إلى الدورات التدريبية التي بقي على نهايتها أسبوع واحد”.
وقالت “كانت المفاجأة السعيدة حين بادر المدرب يوسف اليوسف بتبني حسين، وخصص وقتاً لتعليمه وتدريبه في مسبح النادي، في مبادررة لا تخلو من لمسة إنسانية حانية”.
كفيف مبصر
وترى الأم أن مسبح الماء الذي كان طفلها يتمنى ويحلم أن ينزل فيه، ويقطعه من طرفه، إلى طرفه الآخر، ما هو إلا إسقاط حول رغبته بمغادرة ضفة الضعف والظلام، والانتقال إلى ضفة القوة والنور.
وبيقين أم مؤمنة بقدرات ابنها، وفخورة بما هو عليه من حماس ذكرت “هذا النور الذي يحمله في قلبه الصغير، هو سبب تفوقه الدراسي خلال سنواته الدراسية الأربعة في مملكة البحرين”. وتقول “حسين بات لديه إصرار قوي لتعلم كل ما يرغب ويضيف إليه، وهذا الأمر جعله يحب رياضة السباحة قبل أن يمارسها” .
استقبال وحفاوة
وتشيد الأم باهتمام إدارة الصفا بصغيرها “لم تكتف باستقباله بحفاوة، بل بقيت متواصلة معنا، لمعرفة انطباع الطفل وردة فعله أثناء تلقيه التعليم على يد مدربه اليوسف، أو “البطل العالمي” كما يطيب لحسين مناداته”. وتقول “لا أخفي سعادتي بهذا الأمر، وأنا أرى حسين يطير فرحاً منذ أول يوم نزل فيها للمسبح، مستنداً على يد المدرب اليوسف”.
تجربة أولى
بدوره، وصف المدرب يوسف اليوسف تجربته الأولى في تعليم طفل كفيف، أساسيات السباحة بـ”التجربة الفريدة التي لا أنكر تخوفي منها في بادىء الأمر، لجهلي بما ستكون عليه طباع الطفل ومدى تقبله وحماسه للتدريب”. ومع ذلك فقد تشجع اليوسف لخوض التجربة، بعد أن تواصلت معه إدارة النادي ومدربو السباحة فيها، لعرض الفكرة عليه.
وتابع اليوسف “هي تجربة أولى، لكنها ثرية، ولها أثر إيجابي رائع في النفس، وموافقتي على تدريب حسين رغم صعوبة توافق ساعات عملي الأساس مع وقت التدريب، كان ناجماً عن شعور انساني باحتضان هذا الصغير، وتلبية رغبته، ولا أرى في ذلك إلا واجباً مجتمعياً تجاه هذه الفئة”.
ويقيّم اليوسف المستوى الفني للصغير “هو طفل ذكي واجتماعي، يستشعر ما حوله بسرعة، لديه بنية جسدية جيدة تؤهله لتلقي تدريبات مكثفة في دورات السباحة، ولربما نرى فيه بطلاً يوماً ما”.
ويتحدث اليوسف عن الآلية التدريبية التي اتبعها مع حسين “اهتمامي الأول مع الصغير انصب على توضيح الفارق بين الهواء والماء، وأهمية تناغم الجسد تحت الماء، بحيث يحقق التوازن والثبات المطلوبين، ويتعلم طريقة الإسترخاء تحت الماء، التي منها سيبدأ ممارسة السباحة”.
وقال “كان لزاماً أن يبقي جسده وأنفاسه في الماء تحت السيطرة والتحكم، حتى نضمن أنه طرد الخوف الذي قد يصيبه أثناء السباحة، ومن هنا انطلقنا في التدريب على الأساسيات اللازمة، لاتقان هذه الرياضية”.
عراقيل التجربة
ويقر اليوسف بعدم وجود عراقيل في تجربته مع حسن “حتى الآن لا توجد أي عراقيل، فقد تم ترتيب أمر تعليم الصغير، بحيث اتفرغ له تاماً، لأتحمل مسؤوليته على أكمل وجه، حتى اتمام الفترة التدريبية المتفق عليها”.
ولكنه عاد ليقول “إذا كانت هناك صعوبة اصطدمت بها، فهي في توفيق الوقت مع وقت عملي، ولكنني استطعت إدراة الأمر بطريقة تتناسب مع التدريب، وفي الوقت نفسه لا تخل بإلتزامات عملي في الشركة التي أعمل فيها”. وقال “وقت التدريب المقرر هو ساعة كاملة، تبدأ من الساعة 9 ونصف مساءً”.
احتواء مجتمعي
وشجعت تجربة اليوسف مع حسين السادة، إدارة نادي الصفا على أن تفتح المجال للراغبين من ذوي الإحتياجات الخاصة للتعلم والتدريب في مسبح النادي.
وقال رئيس النادي محمد غلاب “نحن على اتم الإستعداد لتهيئة الأجواء المناسبة لتعليم وتدريب هذه الفئة، وقد تم التنسيق مع المدربين الذين أبدوا استعدادهم للمساهمة بوقتهم في تدريب الراغبين منهم، هذا بالإضافة للسماح لمن يحتاج إلى السباحة كطرق علاجية له، حيث سيتم إجراء اللازم لترتيب هذا الأمر لخدمتهم”.
وقال كان النادي ولازال على تعاون مستمر مع جمعية صفوى، لاستقطاب عدد من الأيتام والفئات الخاصة، للمشاركة في دورات تعليمية وتدريبية، تدخل ضمن إطار المشاركة المجتمعية.