الدكتورة كوثر العمران: واجهت مؤامرات وشكاوى كيدية في بداية مشواري تقاعدت بعد 35 عاماً من الخدمة الطبية.. عاصرت خلالها «أنفلونزا الخنازير» و«كورونا»
القطيف: ليلى العوامي
حين كانت في التاسعة من عمرها، تلعب مع اترابها في أزقة قلعة القطيف، كانت الطفلة كوثر تؤدي دور الطبيبة. لم تكن ابنة الحاج سعيد العمران، الذي يُعد من أوائل ممارسي مهنة الصيدلة في القطيف، تحلم بغير امتهان الطب.
كبرت الصغيرة وبقي حلمها راسخاً في وجدانها، حتى حققته، وأصبحت استشارية أمرض باطنية وأمراض معدية. تنقلت بين مستشفيات عدة، ولكن مشوارها الوظيفي الأطول كان في مستشفى القطيف المركزي، الذي خدمت مرضاه ومراجعيه لحوالى 27 عاماً، حتى تقاعدها أمس (الخميس).
ولدت كوثر العمران في ابريل 1961، والدتها السيدة خاتون يونس العوامي، درست في مدارس القطيف، وتخرجت من الثانوية الأولى عام 1979، والتحقت في جامعة الملك فيصل بالدمام، وتخرجت منها عام 1986.
وبعدها اتمت سنة الامتياز، ثم التحقت في وزارة الصحة في شهر يونيو 1987، وبدأت التخصص في طب الباطنية بمستشفى الدمام المركزي (البورد العربي)، وحصلت على الشهادة في 1993.
وفي عام 1998 ذهبت إلى الرياض، وتحديداً مستشفى الملك فيصل التخصصي، حيث أمضت سنتين، حصلت إثرها على شهادة التخصص الدقيق في الأمراض المعدية، عام 2000.
وبعد حصولها على البورد العربي تم نقلها الى مستشفى القطيف المركزي، وهي أول اختصاصية سعودية فيه، وبعد 3 سنوات أصبحت استشارية أمراض باطنية، وبقت فيه حتى 3 يونيو الجاري، استشارية أمراض باطنية وأمراض معدية.
الطب كان حلم كوثر العمران منذ كانت طفلة في قلعة القطيف.
حلم الطفولة
منذ نعومة أظفارها، كان لدى كوثر حلم أن تصبح طبيبة، تقول «عمل والدي جعله على صلة وثيقة بالأطباء، وكنت أراهم دائماً وأعجبت بهم. وكنت أمارس لعب دور الطبيب مع أترابي، وفي التاسعة من عمري كتبت في امتحان مادة التعبير بأنني اريد أن أصبح طبيبة عندما أكبر، ولا أعتقد بأنني تمنيت أن أكون شيء آخر».
تصف العمران، أول يوم لها في الوظيفة «كان مليئاً بالحماس والإثارة والرغبة الشديدة في التغيير للأفضل، والارتقاء وإضافة شيء مميز للوطن».
خيبات ومؤامرات
ولكن كيف بدأت مسيرة عمل انتهت بعد 34 عاماً؟
تصفها العمران بـ«الأيام الشاقة»، مضيفة «العمل في بدايته كان شاقاً، كون مستشفى الدمام المركزي هو المستشفى الوحيد الذي يخدم المنطقة الشرقية كلها. وكنا نعمل 6 أيام في الأسبوع، ومناوبات كل 3 أيام، وفي بعض الأحيان نعمل من 70 إلى 100 ساعة في الأسبوع».
تضيف «الطريق كان شائكاً، ولم يكن معبداً بالورود، تكلل بعض الأحيان بالنجاح، وأحياناً أخرى بالخيبات والاصطدامات. ولم يخلُ من المؤامرات والشكاوى الكيدية. لقد كنا طبيبات، وهناك من لا يثق بالأنثى طبيبة، وعليه بذلنا أنا وزميلاتي جهداً مضاعفاً حتى يكون لنا اسم ومكانة على مستوى المنطقة، والمملكة أيضاً».
تلفت إلى جانب آخر من «مشقة” تلك الأيام، بقولها «في البداية؛ ولعدم توفر أطباء أكفاء لتدريبنا، كان يجب أن نعتمد على أنفسنا في التعلم، مع عدم توافر المادة العلمية، حيث لا توجد مكتبات طبية يمكن الرجوع إليها للبحث والمعرفة».
27 عاماً أمضتها الدكتورة كوثر العمران في مستشفى القطيف المركزي.
طبيب باكستاني علمني الإنسانية
كان لوالدها أثر كبيراً في حياتها، إلى جانب آخرين، منهم طبيب باكستاني، كان له دوراً كبيراً في حياتها المهنية، تقول «كان صديقاً للوالد، اسمه الدكتور عبدالغفور، تعلمت منه أن الطبيب يجب أن يكون إنساناً، ويبدل جهداً أكبر في مساعدة المحتاجين، وأجره على الله، وهو أحد الأسباب في اختياري للعمل لدى وزارة الصحة، ورفض كل الفرص المتاحة لي آنذاك للالتحاق بالعمل في مؤسسات أخرى».
تضيف «أثناء تدريبي؛ تشرفت بالتدرب على يد أطباء أكفاء من الوطن، أخص بالذكر الدكتور شكري آل سيف استشاري أمراض القلب، الدكتورة باسمة السيهاتي استشارية أمراض السكر والغدد الصماء، الدكتور أحمد الفرج استشاري أمراض الدم والأورام. كما تشرفت بالعمل مع الزملاء: الدكتور علي الجامع، الدكتور جعفر القلاف، الدكتور عيسى العقيلي، الدكتورة لمياء بوحليقة، الدكتورة ضياء الحجاج، الدكتور علي الحداد، وغيرهم من خيرة أهل البلد، من أطباء وطبيبات».
تخصص مليء بالتحديات والمستجدات
وعن سبب اختيارها تخصص الأمراض المعدية، قالت «اخترته لأنه مليء بالتحديات والمستجدات، وهو من أصعب التخصصات، ولا يرغب فيه الكثيرون، حيث يتطلب أن يكون الطبيب على دراية كافية في علم الأدوية، خصوصاً المضادات الحيوية وعلم الميكروبات وعلم مكافحة العدوى، وأيضاً فيه مخاطر صحية، كأن يتعرض الطبيب المعالج للعدوى، فنحن نشرف على علاج مرضى الدرن والالتهابات المزمنة، والحادة وأيضاً التصدي المباشر والتعامل مع الفاشيات في المستشفى، سواءً البكتيرية أو الفيروسية، كما حدث أثناء جائحة أنفلونزا الخنازير عام 2011، وجائحة كورونا في العامين الأخيرين».
إنجازات وظيفية واجتماعية
من أبرز الإنجازات التي حققتها الدكتورة كوثر العمران:
1- إنشاء ورئاسة لجنة الاستخدام الآمن للمضادات الحيوية في مستشفى القطيف المركزي مند عام 2013، حتى تقاعدها.
2- رئاسة لجنة الاستخدام الآمن للمضادات الحيوية على مستوى المنطقة الشرقية 2017-2019.
3- إعادة إنشاء ورئاسة قسم مكافحة العدوى لمدة 7 سنوات 2004-2011.
4- رئيسة تدريب أطباء الباطنية لمدة 3 سنوات 2007-2010.
5- أثناء خدمتها شاركت في العديد من المؤتمرات والدورات التدريبية على مستوى المملكة، وأيضاً كانت المشرفة على تنفيد بعض الدورات التدريبة، والمؤتمرات في المنطقة الشرقية.
نشاط الدكتورة كوثر لم يقتصر على الوظيفة، فلقد كان لها حضورها الاجتماعي، من خلال اللجنة النسائية في جمعية القطيف الخيرية، إذ عملت فيها لأكثر من 12 سنة، وكانت رئيسة اللجنة على مدى 3 سنوات إلى عام 2008، وأيضاً في جمعية العطاء النسائية بالقطيف، والتي تأسست عام 2009، إذ كانت عضواً في مجلس الإدارة لدورتين، ومن ثم عضواً عاملاً في الجمعية، وهي كادر صحي متطوع في حملة الإيمان للحج والعمرة على مدى 17 عاماً.
حذار من المتسلقين
بعد خبرة تناهز أربعة عقود، نصحت كوثر العمران، الراغبين في الالتحاق بمهنة الطب “أن يكون لديهم حس كبير بالمسؤولية، والالتزام بأخلاقيات المهنة، والمثابرة على الدرس والتحصيل، والتنافس الشريف فيما بينهم، ومواكبة المستجدات وحضور المؤتمرات والمشاركة في الأبحاث».
وحذرتهم من «المتسلقين الذين قد يسخرونهم لتحقيق أجنداتهم، وأيضاً من اللصوص الدين قد يسرقون جهدهم ويضيفوه لأنفسهم».
ورسالتها قوله تعالى «وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً»، وقول الرسول (صلى الله عليه وآله) «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله اخوانا».
قامة خسرها «القطيف المركزي»
فاطمة درويش، من المرضى الذين تابعتهم الدكتورة كوثر لأكثر من 14 عاماً، لمعالجة هرمونات الغدة الدرقية التي استأصلتها في مستشفى القطيف المركزي عام 2004، وكانت تعالجها الدكتورة علياء الحجاج قبل ذلك.
تقول لـ«صُبرة» «علاقتي مع الدكتور كوثر لا تتعدى علاقة مريض بطبيبة، ولكنني اعتبرها طاقة ايجابية، من حيث استماعها إلى المريض، وكانت أثناء تواصلها في متابعاتي معها في العيادة، تستمع لأي موضوع أطرحه، حتى لو كان خارج الطب، يعني تقدري تقولي: تتعامل معي كطبيب نفسي إضافة إلى تخصصها في الطب الباطني».
وتضيف درويش «التعامل معها كان أكثر من مريح، ورغم أنه لدي تأمين طبي، ما يمكنني من العلاج في المستشفيات الخاصة، لكنني كنت مصرة طوال هذه السنوات أن اتابع معها، لتعاملها وخبرتها الطويلة، واعتبرها قامة سيخسرها مستشفى القطيف المركزي».
صديقة مخلصة
الدكتورة ساهرة السنان، طبيبة واستشاري طب نفسي، تمنت الصديقة لصديقتها أم فاطمة «السعادة والتوفيق». وقالت «كوثر الطبيبة والأخت والصديقة والمرأة الأنيقة المضيافة، دائماً تكون في المقدمة لمساعدة الآخرين. كنت أكلمها أي وقت، لطلب نصح طبي مستعجل، ولا تبخل بوقتها في تقديم العون، قلبها دائماً لتطوير الخدمات الصحية المقدمة إلى المجتمع».
وتغنت صديقتها صباح القطري، بخصالها قائلة «هي كوثر، لن أقول عنها عطاءٌ، هي أكثر، هي ذاك المزن يهطل، فتعشب الأرض وتخضر هي، أكثر، هي ذاك البحر يستفيد منه الجميع، ينهل جوده فيربو ويكبر، هي كوثر، لها قلب يسع الحب فهماً فتغنى بأهازيج الخير ورتل، وشذاها عانق الكون حبوراً، من رآها حتماً من شذاها تعطر هي كوثر».
وتصفها الدكتورة غادة الجنوبي، بالقول «الدكتورة كوثر العمران عطاء لا ينتهي، معرفتي بها بدأت عند انضمامي إلى برنامج التخصص في الطب الباطني في مستشفى القطيف المركزي، مند حوالى 14 سنة، عرفت فيها الدكتورة كوثر الطبيبة والإنسانة. تعلمنا منها الكثير؛ النظام والحرص على العمل التفاني والاخلاص الاهتمام بالمرضى».
نحلة دؤوب
وتشير الممرضة إيمان الهجهوج، إلى حيرتها في تناول شخصية الدكتورة كوثر العمران، تسأل «كيف تصف عظيم ما قدمته هذه الإنسانة طيلة فترة عملها في مستشفى القطيف المركزي، هي البلسم الذي يداوي المريض، الباحثة في جميع العلوم الطبية، سواءً الصيدلة، وعلم الأدوية المايكروبيولوجي والفيروسات، الأمراض المعدية ومكافحة العدوى، ولو كتبت في حقها سأكون مقصرة، لأن عطائها كان بلا حدود».
وتضيف الهجهوج عن العمران «تحب العمل، ترشد الأطباء إلى البحث القراءة، وتصر على معرفة المعلومة من قبلهم، رغم أنها تمتلك تلك المعلومة سابقاً، تحفز الأطباء على إكمال الدارسة والابتعاث للحصول على درجة البورد، ومن ثم التخصص في المجال الطبي المحبب لهم، تقبل المرضى والاستشارات الطبية من غير مرضاها بروح ايجابية، ومن غير تعنت أو كسل تنظر دائماً إلى الأمور بإيجابية، تعمل بيد واحدة، وهدفها حماية المرضى أولاً والطاقم الطبي من حدوث أي عدوى قد تحل بهم، والحرص على إعطاء المضادات الحيوية للمرضى، بما يتناسب مع الحال الصحية، هي كالنحلة الدؤوب التي لا تتوقف، فتراها حيناً في العناية المركزة، وأخرى في قسم الباطنية، وأخرى في عناية القلب، وحينا في قسم ما بعد الولادة، للاستشارة الطبية».
طبيبة قدوة
ويعتبر الدكتور علي الحداد، زميلته الدكتورة كوثر العمران بأنها «مثالاً للطبيبة القدوة الحازمة العازمة على التطبيب والترغيب والتأديب”، مبيناً أنها كانت «تمتاز بالاطلاع على ما يستجد من دراسات وأبحاث في مجال تخصصها، وجديتها والتزامها في العمل. تدربنا وتعلمنا على يديها قبل أكثر من 15 عاماً، وكانت الجولة الصباحية كلها دروس وعبر، فتجدها تتابع حال مريض، وتوجه لحال آخر، وتسأل من معها في الفريق سؤالاً طبياً وهكذا، أسأل الله العظيم أن يوفقها ويسدد خطاها ويؤجرها يا رب العالمين».
وحول تطوعها في حملة الحج، قالت الدكتورة فاطمة عبدالله الدبيسي، طبيبة الأطفال والاستشارية، «كنت معها كادراً طبياً مع حملة الإيمان في حج 2005، كانت متفانية ومبتسمة ومرحبة بالجميع، وكانت ترافق الحملة من نهاية ذي القعدة إلى نهاية الحج، وحتى أيام ما قبل الحج؛ تراها موجودة تقدم المحاضرات للحاجات، حتى يستعدوا للحج، والشيء الجميل فيها أنه لا يبدو عليها الضجر حتى إذا كان هناك زحمة وضغط عليها؛ كانت دائماً محافظة على الهدء والابتسامة، كانت إذا رأت حاجاً أصابه دوار وسقط أثناء أداء مناسك الحج؛ تأتي مسرعةً لتسعفه، وتطلب من الرجال نقله وتبقى معه حتى تطمئن عليه. وهي مستعدة ومعها حقيبتها الطبية في كل وقت، حتى في الطريق، وفي الحافلة، وعيادتها في فندق الحملة مفتوحة دائماً».