قصة حب فاشلة أوصلته إلى إدمان “الحشيش”..! شاب من القطيف يروي لـ "صُبرة" قصته من أول سيجارة إلى زمالة المدمن المجهول

القطيف: شذى المرزوق

الحبّ قد يصنع المعجزات، لكنه يصنع الكوارث أيضاً. وهناك حب “يُشرّف”، وهناك حب يجلب “العار”. ولا مشكلة في الحبّ ذاتاً، بل في قيمة من نحب. لعلّ هذه هي الخلاصة التي وصل إليها الشاب “م، ع”، بعد 7 سنوات من إدمان الحشيش..!

أحبّ فتاة ليل تعرف إليها في دولة خليجية، وتعلّق بها، وبذل لها ماله، ورافقها في جلسات التعاطي على الرغم من أنه لم يشاركها تدخين الحشيش. لكنّ حدثاً وقع عليها، وسُجِنت؛ فأحسّ بفراغ غيابها إلى حدّ الاكتئاب. وتحت تأثير النفسية المتألّمة جرّب أول سيجارة؛ فوقع في الفخ..!

إنها قصة حقيقية حدثت لشاب من محافظة القطيف، رواها المدمن التائب بنفسه لـ “صُبرة”، ولأسباب تمسّ هويته وكرامته؛ اضطرّت الصحيفة إلى إخفاء اسمه، والإشارة إلى مسقط رأس، والتصرّف في بعض المعلومات.. لكن القصة حقيقية 100%، كما أكّدها هو بنفسه..!

“صُبرة” تنشرها ـ بإذنه ورضاه ـ في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات الذي يُصادف اليوم السبت.

القصة من النهاية..!

أيام طويلة مضت من البحث المستمر عن الابن المختفي. قلق، خوف، توقعات سوداء، إلى أن رنّ جوال أحد أفراد العائلة وجاءت الصدمة.. أنا “فلان”، موجود حالياً في مجمع “إرادة” للصحة النفسية، أتلقى علاجاً من الإدمان..!

كيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ هذه هي أسئلة الأم الأرملة، والأخوة المصدومين. وهو لن ينسى حين انهار أمام شقيقه حين زاره في المجمع، وكيف ماعت صلابته؛ وراح يبكي منكسراً.

بقيت هذه الصورة عالقة في ذاكرته رغم مرور مايقارب 3 سنوات عليها، لتعيد إليه الشعور بمرارة الموقف الذي وضع فيه عائلته بسبب لحظات من التهور وفقدان الإرادة على الذات.

روى الشاب لـ “صبرة” ـ بخجل ـ قصة تجربة إدمانه التي استمرت 7 سنوات، وكيف تجاوزها.

عائلة محافظة

وصف نفسه، وقت الإدمان، بأنه شاب مراهق من عائلة بسيطة من عائلات القطيف المسالمة، الأم من أهل الله، والأب متوفى”. لكنها عائلة محافظة، في النهاية، تحرص على الصلاة، وتتصدق كثيراً لتدفع البلاء،، ويتحاشى أفرادها معاشرة السيئين، وكأنها تردد المثل القائل: الدخان ما يحرق لكن يسود الوجه، هكذا عاش وهكذا تربى..!

 يقول “عشت كافي خيري شري، ولهذا كانت صدمة أقاربي عندما علموا بإدماني”. ويستعيد ذكرى أول نوع تعاطاه من “الكبتاجون”.. كان عمره 14 سنة، والسبب هو الفضول. ويذكر “كنت في داخلي شاباً متمرداً على واقعي المسالم، أردت دائماً أن أثبت شجاعتي وقوتي (نافخ نفسي)، وبفضول جربت استخدام الحبوب التي كانت ولازالت للأسف متوفرة بكثرة في مجتمعنا والحجة الواهية لاستخدامها “ستجعلك نشيطاً تركز على الدراسة وتذاكر زين”.

يقول “بعد فترة طويلة تناولت حبة أخرى، لكن تأثير الحبوب المنشطة لم يعجبني؛ فتوقفت”.

لاعلاج له

مرت 6 سنوات ووصل إلى سن الـ 20. يقول “قتها كان لي صديق عزيز جداً علي، عرفت أنه يتعاطى الحشيش”، حاولت مساعدته ونصحته بتركها والبدء من جديد، لكن بلا جدوى.. لم اكترث لرده ولم يقنعني وبقيت أحاول وأحاول إبعاده ونصحه”.

حب مدمنة

الذي كان ينصح صديقه بترك المخدرات؛ وقع مثله لاحقاً.. يقول “بداية الوقوع في الفخ كانت بسبب ملاهٍ ليلية كنا نرتادها في دولة خليجية، وهناك تعرفت إلى فتاة مدمنة، ورغم أني لم أتعاطَ معها شيئاً، إلا أنها أثرت فيّ عاطفياً لدرجة كبيرة، وتعلقت بها وقد استمرت علاقتي بها لفترة”.

الفتاة “وقعت في قبضة إدارة المكافحة بعد فترة من علاقتنا، وبعد سجنها؛ شعرت بنوع من الوحدة القاتلة والحنين الموحش، وكأن الدنيا ضاقت بي. هو نوع من الخلل في العاطفة هزني بعمق.

وقتها ذهبت إلى الصديق الذي كنت أنصحه بالابتعاد عن الحشيش، وطلبت منه سيجارة.. كنت أريد الخروج من الشعور الذي يؤلمني”.

صورة رمزية

بداية النهاية

ذلك الطلب الصغير غيّر كل شي في الشباب الرياضي الذي كان عليه، وصنع بداية السقوط.. بعد أول نفثة دخان حشيش خرجت منه، وجد نفسه في عالم آخر، لا الموسيقى هي نفسها، ولا المزاج هو نفسه، يرقص يغني ويتصرف بتصرفات غريبة كنوبات الضحك العالية والنشاط المفرط.

في البدايات كان تأثيرها ينتهي بالنوم، ولكن مع استمرار الحال بدأت تدريجاً اتكيف واقاوم النوم.

النقص والخزي

العجيب أنني كنت قد تركت دراستي قبل الإدمان، وكانت عائلتي تشكو من كثرة سهري خارج المنزل، لكن بعد الإدمان وبسبب شعور داخلي بشيء من النقص وقلة الثقة ونوع من الخزي، كنت أبقى في المنزل كثيراً، هادئاً وأحاول أن أساعد وألبي طلبات المنزل، وأمارس حياتي بهدوء لوحدي.

وما كنت لأخرج إلا لمشاركة صديقي المدمن سجائر الحشيش، وسفرات الدولة الخليجية الساهرة، بين وقت لآخر. لكن الحشيش جرّ معه مشكلة أخرى، هي تعاطي الكحول أيضاً.

مشهد تمثيلي لمتعاطي مخدرات

مو من ثوبي  

أكثر ما كنت أخشاه هو  أن يراني أحد معارفي، أخوتي، أو أقاربي واقفاً مع أحد من ذوي السمعة السيئة، عائلتي محافظة، وذلك ما كان يحرك فيّ ـ من وقت لآخر ـ التساؤل بيني وبين نفسي.. أنظر حولي إلى لناس الذين اتعاطى معهم، وبعد أن توسعت دائرة المدمنين الذين أخالطهم كنت أتساءل: وش جلسني مع ذولا..؟ لا هم من ثوبي ولا انا من ثوبهم..!

لذلك كنت أحاول التوقف لكنني أضعف وأعود من جديد. خجلي من اكتشاف أمري جعلني أبحث عن أصدقاء من خارج القطيف.. بل من خارج المملكة. وكلهم تعرفت إليهم عن طريق ذاك الصديق الأول.

سرقة جوال ومشاكل

يستحضر الشاب حالة اضطراره إلى سرقة جهاز جوال من محل، ليبيعه ويشتري بثمنه الحشيش، وكيف كان لا يمكث في عمل واحد بسبب مشاكله المفتعلة مع زملائه في الأوقات التي يحاول فيها التوقف عن الإدمان.. كانت الأعراض الانسحابيه تثير فيه شعوراً بالغضب يؤدي في النهاية إلى تركه العمل ليذهب إلى عمل آخر ولا يستقر فيه أيضاً.

دعاء والدتي يبكيني

يقول “مرت 7 سنوات والحالة تنتكس أكثر فأكثر، ومع ذلك تزداد قناعتي بأن هنالك حلاً للمشكلة.. من غير المعقول ان استمر هكذا”.

لعلها دعوات والدته التي كانت تحيطه بها، وعند سماعه لها يتأثر ويبكي لحال أم لم تيأس منه، بل بقيت تدعو له بالهداية والصلاح واستقرار الحال في العمل، بصوت مسموع يومياً كلما أراد الخروج من البيت، رغم عدم معرفتها بما وصل به حال ابنها الشاب. 

سلم نفسه

يقول “ثم جاء اليوم الذي حسمت فيه أمري. أخبرت والدتي وأخوتي بأني وجدت عملاً في شركة من شركات الحفر “الرقوق”. غادرت المنزل ليس للعمل الذي ادعيته، بل إلى مجمع “إرادة” طالباً المساعدة في التخلص من الإدمان”.

في المجمع؛ احتضنه الاختصاصيون ولجنة الإرشاد الاجتماعي والديني، وسعى جميعهم هناك إلى دعمه حتى يتجاوز مرحلة الإدمان ويصل إلى التعافي بسلام.

يقول “لمدة 3 أيام تلقّيت علاجاً مضاداً وفيتامينات تخفف من ألم الأعراض الانسحابية، وبعدها دخلت مرحلة العلاج التاهيلي والنفسي.. وبعد فترة تساءلت: كيف أعود إلى البيئة التي تعلمت فيها الإدمان ومعاشرة الأشخاص أنفسهم والمكان نفسه.. هل أضمن نجاح علاجي بعد كل هذا الجهد..؟

بعد الاستشارة كان الحل أن يُخبر أحد أخوته بمكانه ووضعه ليتم احتوائه ومساعدته، حتى لا تحدث انتكاسة للأدمان.

 لحظة الاعتراف

تناول جوال المرشد الذي شجعه واتصل بأخيه الذي ردّ عليه بلهفة “وينك قلبنا الدنيا عليك، جوالك مغلق، وخوفنا عليك وصل إلى حد البحث عنك في كل مكان”..؟  

و”بخجل هادىء همست له: أنا في مستشفى الأمل أتعالج..!

لا أستطيع أن أصف مقدار صدمة أخي التي شعرت بها، ولن أنسى شكله بعد أن جاء لي المجمع منهاراً بعد سماعه قصتي.

كان أخي سندي وقتها والداعم لي حتى أنهيت فترة علاجي التي استمرت 24 يوماً، كنت أعلم بأن زملاء السكن في المجمع يغبطونني على أخي، لذلك مهما اختلفنا الآن استحضر موقفه الداعم لي وقتها وأتراجع.

زمالة المدمن المجهول

دخلت برامج تأهيل وإرشاد، ولكن زمالة المدمن المجهول أثرت فيّ كثيراً، لأنها كانت من أناس عاشوا التجربة وتعافوا.. ولن يشعر بالمدمن الا مدمن مثله.

المحاذير الـ 3

تجاربهم التي يسردونها لنا تلامس القلب والشعور، وتجدد العزيمة على إكمال التعافي، وعدم الخضوع للانتكاسة التي من السهل الوقوع فيها، إذا لم نبتعد عن المحاذير الـ 3:

• المكان،
• الأشخاص،
• الأدوات

أي كل ما يعيدنا إلى ذكرى العالم المخدر؛ وإلا كنا أكثر عرضة للانتكاسة، فكانت الزمالة هي السبيل الأسهل والاضمن لعدم الرجوع.

مبدأ الزمالة

أكملت الآن 3 سنوات ونصف السنة من التعافي، وانضممت إلى المجموعة التي مبدأها: لا يهمني من أنت وما جنسك، ولا جنسيتك، ولا منطقتك، ولا مدى تدينك، ولا نوع مذهبك، ولا افتقارك للدين.. يهمني ان تتوقف عن المخدرات فقط.

 القطيفيون قلة       

تطرق الشاب إلى النسبة القليلة ممن يسعى إلى العلاج من محافظة القطيف، ومن ذلك العدد البسيط الذي يوجد في المجمع مقارنة مع من هم مدمنون يسعون للتعافي من مناطق أخرى. ويشير إلى أفكار خاطئة منتشرة بينهم، أهمها أن المدمن لا يمكن علاجه، بينما يؤكد الشاب المتعافي أن الحلول موجودة وهاتف الخدمات المساندة للزمالة يسهم بفعالية في الإجابة عن كل الاستفسارات والاستشارات التي تتلقاها المجموعة ممن يريد التعافي بصدق.

تعريف زمالة المدمنين

زمالة المدمنين المجهولين هي مجتمع عالمي، يعتمد على مجموعات من المتعافين من المخدرات تعقد 67000 اجتماع أسبوعياً في 139 دولة في العالم، وتتعاون مع هيئات حكومية، ومؤسسات تطوعية خاصة، ورجال الدين وعدد من المختصين في علاج الإدمان والعضوية فيها اختيارية.

الخدمة الأساسية التي يقدمها هي اجتماعات التعافي لمجموعات الزمالة، فكل مجموعة تدير شؤونها بنفسها على أساس مبادىء مشتركة للهيكل الخدمي والموجودة في أدبيات خاصة بالزمالة، ولها فلسفة خاصة بها، إذ ان وظيفتها الأهم هي توفير بيئة صحية تمكن مدمني المخدرات من مشاركة تعافيهم وتجاربهمـ وقد اثبتت هذه المشاركات فعاليتها في مساعدة كثيرين.

وقد نشطت لسنوات عدة مجموعات من زمالة المدمنين في المنطقة الشرقية، ومنها المجموعة الخاصة بمحافظة القطيف. 

اتصل بزمالة المدمن المجهول

0546320204

غداً في “صُبرة”.. قصة مدمن تائب آخر