أقدم خارطة في التاريخ ورد فيها اسم جزيرة “تاروت” نسخة قديمة لبطليموس العائدة للعام 150 للميلاد
عبد الخالق بن عبد الجليل الجنبي
في حوالي العام 150 للميلاد، وفي مدينة الإسكندرية أخرج العالم الإغريقي كلوديوس بطليموس كتابه المعروف بـ (الجغرافيا)؛ الذي كان عبارة عن تنقيح لأطلسٍ – مفقود الآن – أنشأه مارينوس الصُّوْريّ[1] الذي نقله هو الآخر عن معاجم رومانية وفارسية أقدم.
ويُعتبر كتاب (الجغرافيا) لبطليموس معجماً وأطلسَ خرائط لأقطار وبلدان العالم في ذلك الوقت، وهو القرن الثاني الميلادي، وقد ذكر فيه قرابة الـ 8000 موضع ومكان، والعديد من الخرائط لشتى أقطار العالم، ومن ضمن الخرائط الموجودة فيه الخارطة الآسيوية السادسة؛ الخاصة بـ(العربية السعيدة) أي شبه الجزيرة العربية؛ التي ذكر فيها العديد من أماكن ومواضع الجزيرة العربية التي منها ما هو معروف ومحدد، ومنها ما هو غير معروف.
وقد كتب بطليموس كتابه هذا باللغة اليونانية الإغريقية في القرن الثاني الميلادي؛ إلا أنّ هذه النسخة وكل النسخ التي نُسخت عنه باللغة اليونانية مفقودة الآن، ولكن قبل أن تُفقد كلها فقد تمّ – لحسن الحظ – ترجمته من اليونانية إلى العربية من قبل الكتاب المسلمين في القرن التاسع الميلادي، ثم أعيدت ترجمته عن بعض النسخ العربية إلى اللغة اليونانية مرّة أخرى في القرن الثالث عشر الميلادي، ثم تم طبعه عن هذه النسخ اليونانية إلى اللغة اللاتينية والمعتمد الآن هو على هذه النسخ بهذه اللغة الأخيرة التي هي ترجمة عن ترجمة عن ترجمة عن ترجمة، وهو ما يعلل كثرة الأخطاء في ألفاظ أسماء المواضع الجغرافية الواردة في هذا الكتاب الفريد من نوعه، ومن هذه الأسماء الواردة فيه اسم جزيرة تاروت؛ الجزيرة القطيفية الشهيرة على مستوى العالم بسبب ما تمّ الكشف عنه فيها من آثار إنسانية وحضارية تعود إلى عصر بدء التاريخ، والحقب الدلمونية، وهلمّ نزولاً.
خارطة مقتبسة عن كتاب الجغرافيا لبطليموس؛ طبعة روما 1478م، وفيها كُتب اسم جزيرة تاروت باسم (Tharot) وليس (Tharo) كما في بعض الطبعات الأخرى. (المصدر: ويكيبيديا)
ويُعدُّ كتاب الجغرافيا لبطليموس وخرائطه أقدم مصدر كُتب فيه اسمُ هذه الجزيرة؛ غير أنّ اسمها كُتب في بعض طبعات هذا الكتاب الأوروبية القديمة بهذا الرسم (Tharo)، وهي تنطق (ثارو)، فلعل ذلك قد حصل لأنّ النسخة التي طُبع الكتاب عليها هي نسخة مترجمة عن نسخة عربية، وهذه النسخة العربية مترجمة عن نسخة يونانية، ونحن نعرف جيداً أنّ التحريف في الأسماء وغيرها يقع حتى في النسخ التي تُنقل عن نسخ أخرى لها ذات اللغة بسبب الغفلة وسوء قراءة النساخ، فكيف إذا كان النسخ هو عبارة عن ترجمة من لغة إلى لغة أخرى، فهنا تتسبب العجمة والغفلة وسوء قراءة الناسخ والمترجم كلها في وقوع الأخطاء، ومع ذلك، فإنّ المؤرخين والجغرافيين الأوربيين والشرقيين الذين اطلعوا على كتاب بطليموس هذا عرفوا أنّ (Tharo) هي جزيرة تاروت، وهو أمرٌ لا يُراد له كثير بحث وعناء، فالاسم مكتوب لجزيرة في الخليج الفارسي واقعة بين جزيرتين هما (Tylus) التي من المفترض أن تكون جزيرة أوال البحرين الآن، و(Ichara) التي هي جزيرة فيلكا الكويتية الآن، وقد أكّد هذا الأمر أكثر من باحث جغرافي غربي؛ مثل: شبرنجر،[2] وفورستر،[3] وهازلت،[4] والآثاري الشهير: بيتر كرنوال، وقد كتب هذا الأخير في بحثه عن آثار شبه الجزيرة العربية قائلاً:[5]
“My next objective was a visit to Tarut Island, whose history and topography are almost unknown.
In Ptolemy’s map of Arabia, the island called by him Tharo is placed about where Tarut is located, and the two may be taken as identical”.
وترجمته العربية:
“كان هدفي التالي هو زيارة جزيرة تاروت التي يكاد يكون تاريخها وتضاريسها مجهولين.
دعاها بطليموس في خارطته لشبه الجزيرة العربية باسم ثارو، ووضعها في موضع تاروت، ويمكن اعتبار الاثنين متطابقين”.
مقطع مكبر لموقع تاروت
ويبدو أنّ هؤلاء الباحثين الغربيين لم يطلعوا على طبعة روما لكتاب جغرافيا بطليموس الذي نُشر عام 1478م؛ تحت إشراف الناشر الألماني كونراد سوينهايم (CONRAD SWEYNHEYM)، وهي المعنية بهذا البحث، وتُعد مثالاً ممتازاً لخارطة شبه الجزيرة العربية استناداً إلى بطليموس، ويعتبر الكثيرون أنّ لوحات خرائط طبعة روما هذه هي أفضل اللوحات التي تم إنتاجها لخرائط بطلميوس.
ففي الخارطة الآسيوية السادسة الملحقة؛ الخاصة بـ(العربية السعيدة) أي شبه الجزيرة العربية من هذه الطبعة؛ نجد اسم جزيرة تاروت قد كُتب (THAROT) بهذا الرسم الأقرب لاسمها المعروف، وهو (تاروت).[6]
—————-
[1] نسبة إلى بلدة صور اللبنانية الآن.
[2] انظر:
- Sprenger: Die Alte Geographie Arabiens (Bern 1875) P. 112, 117.
[3] انظر:
Charles Forster: The Historical Geography of Arabia, (London: Duncan and Malcolm, 1844) Vol. 1 P. 298.
[4] انظر:
William Hazlitt: The Classical Gazetteer A Dictionary of Ancient Geography (London: Whittaker and CO. Ave Maria Lane 1851) P. 342.
[5] انظر:
Cornwall, P. B. “Ancient Arabia: Explorations in Hasa, 1940-41.” The Geographical Journal, vol. 107, no. 1/2, 1946, pp. 28–50.
[6] انظر الرابط:
https://en.wikipedia.org/wiki/Kinaidokolpitai
in 4 July 2021.