داوود اسعيد ابن البحر.. رحل وفي رئتيه بقايا «كورونا».. و«زفرة» صوت الفقراء.. عون الصيادين والمزارعين.. مدافع شرس عن البيئة

صفوى: معصومة الزاهر

دماً؛ ينتمي داوود بن سليمان إلى اسعيدات، هذه الأسرة التي تنحدر من جنوب العراق، وجاءت إلى القطيف قبل قرون، وتفرقت في بلداتها، خصوصاً صفوى.

لكن داوود فعلاً ابن البحر، رحل صباح اليوم وفي رئتيه فيروس كورونا المُستجد، وبقايا زفرة البحر أيضاً.

في عيني «الينوبية» و«داروش»؛ تعلم داوود «التسبوح»، سرعان ما انتقل إلى مياه «المسيح» الضحلة، شمالي شرق بلدته.

لكن الصغير لم يلبث أن ذهب بعيداً، بعيداً، غاص في مياه الخليج حتى أعمق نقطة فيه شاباً ورجلاً وكهلاً. نشأت بينهما علاقة عشق. كان مدافعاً شرساً عن بيئته، مناهضاً لعمليات ردمه المتواصلة. قلبه يبكي دماً على منغروفه الذي تعرض إلى عمليات إبادة متواصلة على مدى عقود، ولم يبق منه الا القليل.

لكن السماج ابن السماج حفيد السماج، رحل عن عالمنا صباح اليوم، ليلحق بصديقه مالك آل غريب، بفارق شهر ويومين بين الرحيلين، وإن كان السبب نفسه. وكما افتقد «الشرية» وسوق السمج مالكاً، سيفتقدانك يا داوود. وستبقى رائحة شواء السمج تتصاعد من أحياء صفوى؛ جارة البحر وابنته.

«صبرة» تواصلت مع رفاق الراحل، الذين رثوه وفي القلب غصة، وتسليم بقضاء الله وقدره.

مدافع شرس عن البيئة

يقول عنه علي حسن البلدي «داوود رحمه الله رجل وطني من الطراز الأول، مدافع شرس عن البيئة، له صولات وجولات في الدفاع عن الرقعة الخضراء في واحة القطيف وغابات النخيل والقرم (المنغروف)، دعم المسطحات الخضراء في القطيف وإحياء غابات القرم والممرات المائية وإحياء الثروة السمكية في المنطقة، والمطالبات المستمرة منه لصالح صيادي الاسماك في المنطقة والمملكة، ثمرة من ثمرات جهوده مع زميليه جعفر الصفواني ورضا الفردان كبير الصيادين».

وأشار إلى أن سوق السمك، التي ما تزال قيد الإنشاء، «من ثمرات جهودهم ومطالباتهم المستمرة لولاة الأمر والإدارات الحكومية المختلفة، حيث شكلوا ثلاثي خط الدفاع عن المنطقة الساحلية الواقعة بين المشاري والناصرة، ونجحوا بعد عناء وصعوبات في إيصال الصوت لولاة الأمر، وأوقفوا ردمها».

يكمل البلدي «كل ما يتمتع به الصيادون اليوم من مميزات كانت ثمار مطالبه هو للجهات الحكومية، إذ ساعد في القضاء على الصيد الجائر، وتجاوزات الصيادين المخالفين من غير السعوديين، كذلك كان مدافعاً شرساً عن القيم ومحاربة الفاسدين. كرس رحمه الله جهده وماله ووقته وعلاقاته كلها في سبيل خدمة مجتمعه. هو شخص من النادر جداً ملاقاة رجل مثله، يعمل ليل نهار لخدمة المجتمع».

الرجل الغاضب

علي شعبان عرف الراحل منذ سنين «مدافعاً عن البيئة، محباً لها، يعشق البحر والنخل عشق طفل لأمه. كان يملك شجاعة واقدام يندر أن نراه في أحد».

يصف داوود بأنه «صاحب الوجه المبتسم البشوش، كان أيضا ذلك الرجل الغاضب، عندما يرى أي أثر للنفايات في البحر، وكل من يعرفه؛ يعرف أن علاقة داوود بالطبيعة كانت أكبر من علاقة حب أو اهتمام. كانت علاقة عضوية، كأن شرايينه واوردته تستمد دمائها من ذلك البحر. فقد داوود آل سعيد ترك فينا جرحاً عميقاً، يصعب أن يندمل».

عون الصيادين والمزارعين

رثاه الرئيس السابق لنادي الصفا سمير محمد آل ناصر، بالقول «بسم الله الرحمن الرحيم «يا إيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي» صدق الله العلي العظيم. رحمك الله يا أبا سلمان، فقد كنت رجلاً شهماً، أحببت الناس وأحببت مساعدتهم، وكنت عونناً لإخوانك الصيادين والمزارعين، صديقاً للبيئة. عملت بجد واجتهاد في خدمة المجتمع، فرحمة الله عليك، وغفر الله لك، وجعلك من المرضين عند الله، وأسكنك جنة النعيم مع النبي وأهل بيته الطاهرين، وألهم أهلك وذويك وعارفيك الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون».

صوت الفقراء

ماذا أقول عن أبي سلمان؟ هكذا سأل رئيس جمعية الصيادين جاسم السعيد، وأكمل «رجل على خلق، يحب الخير، يساعد الفقراء، يساعد الجميع، فضائله وأخلاقه وسمعته تعدت محافظة القطيف، كان رجلاً متواضعًا مع الصغير والكبير، ملتزماً، يحب الخير للجميع، له وقفات لأجل البحر والقرم والحياة الفطرية، وإذا وصل الأمر إلى قطع أرزاق الناس وأذيتهم؛ كان هو من يتصدر ويقف للمواجهة، ولا يرده شيء. أوصل رسائل المتضررين إلى الملوك والأمراء والمسؤولين. كانت آخر وقفاته تنظيم وتنظيف المنغروف في تاروت، كان صوتًا مسموعًا، وهو محبوب بسبب وقفاته الطيبة مع الصيادين والمزارعين. ولولاه هو ورضا الفردان وجعفر الصفواني لكان المنغروف اندثر كله».

لقاءات مع الملوك

داوود السعيد وجعفر الصفواني، يكادان أن يكونا صنوان، في الدفاع عن البيئة البحرية في المنطقة، يقول الصفواني عن رفيقه داوود «عرفته قديمًا، فنحن عائلة، وبيننا نسب من جانب الوالد، عشرتي معه بدأت قبل النشاطات في الجانب البيئي عام 1421هـ، حيث شاركنا سويًا لمنع درم الجانب الغربي من بحر صفوى، من جهة رحيمة. وله في هذا المجال نشاطات سابقة منذ أكثر من 30 سنة. عرفت عائلة آل سعيد قيمة البحر، واشتكوا إلى الثروة السمكية عام 1405هـ، محاولة الردم، وأوجدوا حلاً، وهو استبدالها بفتحات أنابيب كخيار بديل عن الإزالة، رفض رحمه الله المغريات المالية مقابل البحر، وتوجه آنذاك للقاء خادم الحرمين الملك فهد بن عبدالعزيز (رحمه الله)، وجرى اللقاء مع الأمير عبدالعزيز بن فهد، وصدر بعدها قرار بعدم ردم البحر والحفاظ على المنطقة، لأهميتها».

يكمل جعفر حديثه «أعدنا عام 1427هـ، إحياء جمعية صيادين الأسماك، بعد توقفها 10 سنوات. بدأنا تحركات على المستوى الحكومي، وفي وزارة الزراعة، والتقينا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز (رحمه الله)، عام 2009، في سبيل إيقاف ردم بحر رحيمة، وعدم ردم خليج صفوى، لإنشاء جسر يربط بين المدينتين، وصدر أمر الملك حينها بإيقاف هذا التعدي».

يضيف «بعدها ظهرت اللجان الخاصة، وصار السعي بأسلوب مُمنهج، وصدرت عدة قرارات رسمية من الدولة بأهمية الحفاظ على البيئة الساحلية والزراعية على مستوى المملكة. وكان داوود (رحمه الله) قائد هذا التحرك، لحبه للبيئة».

يكمل الصفواني حديثه «منذ 2010؛ أصبح داوود (رحمه الله) عضواً في اللجنة الزراعية بغرفة الشرقية، وعضواً في مجلس رجال أعمال القطيف، حتى وفاته، لم يكن اهتمامه شخصياً أو لأجل المال، بل كان حرصاً على البيئة ومساعدة الصيادين بشكل صادق ومخلص، فهو بحار ومحب للزراعة والبر».

يصفه بـ«أبو ذر القطيف، لقوة وشدة مطالبته بالحق، سواءً مع مسؤولين، أو من يسعى إلى تدمير البيئة الساحلية، أو الزراعية. كان له دائماً صوتاً مرتفعاً، لا يخاف لومة لائم في الحق. كان له فضل على البيئة الزراعية، وإيصال الكهرباء وسفلتة شوارع غرب المطار، حيث ساهم في رصف حوالى 60 كيلومتراً، ومد الكهرباء. كما كان من أول المطالبين بأن تبقى سوق السمك لأهلها، وسعى لتوفير ميزانية حكومية لها، في فترة رئاسة سلمان الجشي لفرع الغرفة التجارية في القطيف، ثم شارك في ثلاث دراسات عن أهمية السوق وعملها، ووضع بعض الاستراتيجيات ورسم أفكارها، لأنه كان بحاراً، ولديه مفرش يبيع فيه هناك».

مسكون بحب الوطن
من جهته، نعى كبير الصيادين، ممثل جمعية الصيادين في محافظة القطيف رضا آل فردان «أحد موئسسي جمعية الصيادين، عضوها وكادرها الفعال، المرحوم داوود بن سلمان آل اسعيد».

قال عنه «كان الفقيد السعيد مسكوناً بحب الوطن، متفانياً في خدمة المجتمع، حريصاً على خدمة الناس، والسعي في قضاء حوائجهم، وحل مشكلات شريحة الصيادين، مناضلاً صلباً في سبيل الحفاظ على البيئة حتى ليلاً؛ إدا سمع فيه أحد المخالفين برمي النفايات يقوم من نومه في الشتاء، ويخبر الجهات المعنيه، ويدهب بنفسه ويجلس إخوانه المسؤولين عن البيئة. وكآن أحد أعضاء اللجنة الزراعية في الغرفه التجارية، وقد نذر لذلك عمره، فحق للمجتمع أن يريق عليه دمعة حارة، ويتألم لفقده».

اقرأ أيضاً:

مالك آل غريب الصياد الذي عشق البحر.. رحل بهدوء

“كوورنا”.. الموت يغيّب عضو جمعية الصيادين داوود سعيد

مـِلح “الشَّرْيَهْ”.. “داوود” يتوقف عن حماية البيئة

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×