آخر حاجّين من القطيف في قافلة جِمال ما زالا على قيد الحياة الملا سعيد المرهون ناهز 103 سنوات، وشقيقه إبراهيم وُلد أثناء العودة
تعطّل الحجاج 12 يوماً في الرياض؛ فأمر الملك عبدالعزيز لهم بسيارة وبنزينها
صُبرة: خاص
على الرغم من مضي 81 عاماً على آخر حجّة استخدم فيها حجاج القطيف والأحساء الجِمال؛ ما زال اثنان من المشاركين في تلك الحجة على قيد الحياة. أحدهما بلغ الـ 103 سنوات، والآخر تخطّى الـ 80 بأشهر. وكلاهما شقيقان، والأخير وُلد في رحلة العودة من الحج.
لكن المؤسف أن كلا الرجلين في وضع صحّيٍ حرج، لا يسمح بلقائهما والحديث إليهما. الأول هو الملا سعيد المرهون الذي يرقد تحت علاج مكثف من أمراض الشيخوخة في أحد مستشفيات الخبر. والثاني هو شقيقه إبراهيم الذي أصيب منذ 8 سنوات بجلطة ألزمته الفراش وأعاقت حركته ولسانه.
الملا سعيد المرهون
كان الملّا سعيد المرهون في الـ 22 من عمره في تلك الحجة، وكانت والدته الحامل برفقته والدته ضمن نساء القافلة. ولأن “سعيد” هو ابن الشيخ منصور المرهون؛ فقد اعتنى به الشيخ فرج العمران، وأردفه معه على بعير واحد، حسب توثيق الباحث لؤي سنبل، وهو الكاتب الوحيد لسيرة الملا سعيد، في كتاب له اسمه “على أعتاب الحسين”، ما زال مخطوطاً، وخصّ “صُبرة” بنسخة منه.
من القطيف والأحساء
كانت رحلة الحج التي وثّقها الشيخ فرج العمران في سنة 1358؛ تتكوّن من فريقين من الحجّاج، الأولى من القطيف، رتّبها السيد شبّر بن السيد محفوظ بن السيد شبر الخباز، من سكان قرية “المدارس”، وهو الذي تكفّل بحجّ الشيخ العمران ليكون مرشداً في الحملة، وصفه الشيخ بأنه “كان يمتهن بالمقاطعة مع الحجاج كل عام، أواخر سنوات عمره، وقد توفي في جمادى الثانية عام 1367هـ.
أما الفريق الأحسائي؛ فقد تولاّها مقاول من الأحساء اسمه الحاج محمد المؤمن.
تسلية المسافرين
كان للملا سعيد دورٌ تطوّعي في القافلة، حسبما يُفهم من أرجوزة الشيخ العمران. كان إذا استراحوا في موضع تولّى تسلية الحجاج بقراءة مديح للنبي وأهل البيت، أو قراءة نعي فيهم. وحين وصل حجاج القطيف إلى الموضع المعروف بـ “الضبّية”؛ وهو مكان يبعد 20 كيلومتراً غرب الأوجام، مكثوا في انتظار وصول المنسّق بينهم وبين حجاج الأحساء. ولكن انتظارهم طال، فأحس المسافرون بالضجر والضيق، فنذر الملّا سعيد بأن يقرأ نعياً للحسين إذا وصل الحجاج الآخرون بالسلامة..
وهذا ما حدث، لكن الملّا قرأ نعياً للحسين بصوتٍ منخفض، لأن بعض الموجودين في القافلة من البدو الذين استأجرت القافلة جمالهم..!
ونوّخَ الركبُ على الضبّيَهْ
بتنا بها في تلكمُ العشيّه
فما برحنا ليلة الخميس
ويومَها حطّت رحال العِيس
ضاقت بنا مفازةٌ ذات سعه
حتى أتانا الليلُ، ليلُ الجُمُعَهْ
وبعد أن صلّوا فريضة العشا
وأكلوا ما طبخوهُ من عشا
عاد لنا موسى ومن سار معهْ
من الحجيج الراجعين الأربعَهْ
فطابت النفسُ وأُدِّيْ النذرُ
تعزيةَ السبط، ونِيلَ الأجرُ
قراْ سعيدُ الناذرُ ابن الورِعِ
قراْ ولكنْ صوتَه لم يرفعِ
إذْ معنا من ليس منا.. بدوي
جاء مع الذين جاؤوا كَروي
الملا البستان
في سيرة حياته؛ وُصف “الملا سعيد المرهون” بـ “ملا سعيد البستان”. وينقل لؤي سنبل عن جده الحاج عبدالرزاق آل سنبل، اًنه لُقب بذلك “لحلاوة قراءته وتميزها”.
يضيف الباحث سنبل “مارس الخطابة منذ نعومة أظفاره، وأعطى الخطابة كثيرأ من اهتمامه، فأصبح خطيباً مفوهاً، طلق اللسان قوي البديهة ورائق المنطق ندي الصوت اًنيق اللهجة، له تأثيره ومحبوبيته في نفوس الجماهير، يتمتع بشهرة عالية في الأوساط المنبرية، فكان من أبرز خطباء المنطقة، وممن حصل على شهرة كبيرة في كافة اًنحاء القطيف. وكان له دور بارز في توجيه بعض أخوته نحو الخطابة وحثهم عليها بعد وفاة أبيه، فهو أستاذ الخطباء من أخوته ومربيهم بعد والدهم، ولم يترك القراءة إلا بعد أن عاقه عنها المرض وضعف البنية”.
ولادة إبراهيم
في حجة قافلة الجِمال؛ رافق “ملا سعيد” والدته، وأنهيا مناسك الحجيج مع القافلة، ثم سافروا إلى المدينة المنورة، وأقاموا فيها مدةً قبل أن يقفلوا عائدين إلى القطيف، بوسيلة النقل ذاتها. ولكنهم حين وصلوا إلى “بطن شقراء”، مكثوا وقتاً، وواجهوا الجوع والعطش، حتى جاء الفرج فأكلوا وشربوا. ثم ساروا إلى “شقراء” نفسها التي “كانت علينا خضرا” كما يقول الشيخ العمران. ومن “شقراء” استقلُّوا سيارةً إلى الرياض، لتكون وسيلة النقل هذه أول تغيّر في طريق حجاج القطيف على الأقل.
الحدث المهمّ الذي رافق استخدام السيارة؛ هو ولادة إبراهيم بن الشيخ منصور المرهون، شقيق “الملا سعيد”، في الرياض..
من ها هنا سرنا على السياره
إلى الرياض البلدة المختارة
جئنا ولا من قدر الله مفر
في ليلة الرابع من شهر صفر
قد وضعت مثقلة ما حملت
غداة عدة الشهور اكتملت
وبعد وضع الولد الكريم
سمته أمُّهُ بإبراهيم
وكان ذا الابنُ الذي ذكرْنا
للشيخ منصورَ بن مرهونَ اْبْنا
وهكذا ارتبط تاريخ ولادة الحاج إبراهيم بحجة أمه الأولى، وحجة شقيقه أيضاً، وآخر حجة قطع القطيفيون طريقها عبر الجِمال.
فزعة ملك
في الرياض؛ لم يكن الأمر مريحاً للحجاج العائدين من مناسكهم، 12 يوماً من العناء والبحث عن وسيلة سفر تعيدهم إلى الأحساء والقطيف. تعسّر الأمر عليهم، فما كان منهم إلا كتابة برقية إلى الملك عبدالعزيز، رحمه الله، فأمر فوراً بتأمين سيارة لنقلهم، ثم نفد بنزين السيارة، فأمر الملك مجدداً بتأمينه.. وهكذا تحركت الرحلة عبر السيارة:
وقد بقينا في الرياض مدّهْ
لم نلقَ في المدةِ إلا شدهْ
عُدّتُها يومان بعد عشَرة
في عيشةٍ مقلقة مكدّرهْ
وأبرقوا إلى جلالة الملك
لا ناقةً لنا ولا زاد ملِك
أجابهم بالأمر بالركوب في
سيارة منه بلا توقُّفِ
لكن قضاء الملك الحقيقي
لدفعِهِ لم يُرَ من طريقِ
تعسّر البنزينُ في نجدَ وهل
بغيره سيارةٌ تُعطي العمل..؟
فأبرقوا لصاحب الجلالهْ
لطفاً بنا يا صاحب العدالهْ
أبرقَ سيّروا الحجيج بالعجَلْ
نعطيهمُ البنزين في هذا المحلْ
كان الطريق من الرياض إلى الأحساء ثم القطيف أقصر من الطريق من القطيف والأحساء إلى الرياض.. والفرق هو استخدام السيارة التي لم يخلُ سيرها من متاعب “التغريز” المتكرر في الرمال. لكن ذلك الجزء من الطريق؛ كان فتحاً جديداً في استخدام وسائل النقل الحديثة إلى الحج. كانت البدايات الأولى لتغيّر كبير لم يكن أحدٌ يتخيّله.
الملا سعيد ابن الشيخ منصور بن علي بن محمد بن حسين المرهون
- ولد في أم الحمام بتاريخ 10/12/1336هـ.
- في أم الحمام نشأ وترعرع، ثم امتلك بيتأ آخرفي “المسعودية”، فكان ينتقل بين اًم الحمام والمسعودية، إلى اًن استقربه المقام في الأخيرة.
- والده هو الشيخ منصور المرهون، عالم دين بارز وشاعر فصيح وشعبي، وخطيب شهير. واستمر أبناؤه بعده بدور خطابي بارز، فكانوا من أبرز خطباء المنطقة فترة طويلة من الزمن.
- تلقى تعليمه في بلدته “اًم الحمام”، بادئاً القراءة والكتابة، ثم درس مبادئ العلوم. ودرس عند والده “قطر الندى”، مزاملاً الملا باقر المدن والسيد جعفر السيد أحمد الماجد والحاج سعيد عبدالحسين المقابي.
- له شعر لم ينشر.
- مارس الخطابة منذ صغره، واستمرّ فيها إلى أن تقدم به العمر وأعاقه مرضه.
اقرأ أيضاً
في مثل هذا اليوم قبل 81 سنة.. قافلة جِمال تنطلق من القطيف إلى الحج
قافلة الشيخ العمران مرّت بـ 31 محطّاً من “البدراني” إلى جبل النور