آخر شُهود قرية الزَّوْر: 132 سنة لقصة وُلدت قبل الحكم السعودي بـ 8 سنوات علي بن مسعود يسرد تفاصيل 4 سفن جاءت من "أبو ظبي" إلى تاروت
الزور: أمل سعيد، ليلى العوامي
منذ 132 سنة لم تخلُ قرية الزور من آل “بو فلاسة” كما هي خالية منهم الآن، ومنذ هجرتهم الأولى في الفاصل الزمني بين نهاية الدولة السعودية الثانية وبداية الدولة السعودية الثالثة، عاش أبناء “بو فلاسة” جيلاً بعد جيل، في هذه القرية الرابضة اقصى الشمال الشرقي من جزيرة تاروت.
ثم أخذوا يهجرونها متفرقين بين مدن المنطقة الشرقية السعودية والبحرين وقطر، بالإضافة إلى الأرض التي جاء أسلافهم منها سنة 1311هـ؛ في الإمارات العربية المتحدة.
ومن آل “بو فلاسة”، جميعهم، لم يتبق في الزور إلا رجل واحد فقط؛ علي بن مسعود.. الثمانيني الذي يحتفظ في ذاكرته بتاريخ الزور ومساكن أهله، ومساكن جيرانهم، ومساكن جيران جيرانهم الذين جاؤوا إلى الزور في القرن الماضي من أبناء المسعري والدوسري والمرزوق والكبيسي وبن سرور والحازمي والمناعي والزوري والنعيمي والبدر، إضافة إلى عائلة عبدالوهاب وبو شرار اللتين انتقلتا إلى سنابس في وقت لاحق.
85 عاماً من حياة “علي بن مسعود” البحار الذي ورث وغامر في “غبيب” الخليج، وعرف مسرى ومجرى “هيرات” اللؤلؤ والغوص، و “خيران” الصيد، من “بر فارس” إلى السواحل العربية، ومن الكويت إلى “مَسْكَتْ” العمانية، كما ينطقها بلسانه…!
أبو مسعود.. رجل خاض الغمار ووصل إلى أطراف المحيط الهندي، وعلى سفن شراعية، وصل إلى الساحل الأفريقي في تانقا ودار السلام بتنزانيا، وشارك في شحن أخشاب “الدنچل” و”البيص” و “الباسچيل” و “المنجرور” و “الساي”، وكان شاهداً على سرقة أطفال من سواحل أفريقيا ونقلهم إلى الخليج لبيعهم عبيداً.
منازل المهاجرين
هذه سيرة الرجل باختصار. أما التفاصيل فتسردها “صُبرة” كما سمعتها عن لسانه في لقاء جمعنا به أصبوحة السبت 12 فبراير 2022.
في البداية تجول “أبو مسعود” في مرابع حياة بيوت الزور القديمة المهجورة والمسكونة، أشار بيده إلى أراض فارغة، سمّى سكانها الذين انتقلوا إلى الحياة الأخرى، تحدث عن ملكيات ورثة وانتقالات ملكية من فلان إلى فلان.. إلى أبناء فلان، أو فلانة..!
كأنه سجلٌّ عقاري أو كاتب عدل، وبيده الصلبة؛ كان يُشير إلى أرض فارغة ليسمي مالكها: هذا بيت وافي بن سعد بن وافي الهاجري، نوخذة الغوص المشهور. وبلكنة واجهنا صعوبة في فهمها؛ سرد ما يعرف..!
هذا بيت ورثة عوض سليم آل مطر، لم يبق فيه سوى ابنته الصغيرة وولده الصغير، فيما قطع كلامه أخرى قائلاً هناك نخل في تاروت اسمه “الصدري” اشتراه بو شناف ثم باعه على بن ليل، و نخل آخر اسمه “العجير” أيضاً اشتراه بو شناف وباعه على القطري.
جولة تحققت معها رياضة مشي، ومعرفة بتفاصيل عن الزور التي تغيّر أهلها ومعالمها.. وبعد الجولة استضافنا في منزله الصغير بسعة صدر رجل صنعته الحياة وعركه البحر.
عشيرة بو فلاسة
عام 1311؛ هو تاريخ انتقال بعض عشيرة “بو فلاسة”. كانوا آتين من المنطقة التي تحوّلت ـ لاحقاً ـ إلى دولة الإمارات. ويقول علي بن مسعود إن تعدادهم كان 400 فرد، على متن 4 سفن، عدا الذين جاءوا على ظهور الجمال.
كلّ سفينة تُسمى “خشبة”، وعلى كل خشبة قائد، الأولى بقيادة محمد بن فيصل بن شنافة، والثانية قادها عبدالله بن راشد بن ليل، والثالثة قادها سعيد بن صقر بن فيصل، والرابعة بقيادة محمد بن يوسف بن بطي.
في البداية؛ نزلوا الدمام، ولأنهم أهل بحر انتقلوا إلى أرض الزور، التي كان اسمها “الفَنْيَهْ”، وكانت أرضاً بيضاء خالية من السكان.
ويكمل علي بن مسعود “وصل الغواويص أولاً، ورست سفنهم عند سِيف الزور، ثم وصل بعد ذلك 800 نفر على الركاب “الجمال”، وفي ذلك يقول أحد شعراء بو فلاسة من الإمارات:
حَوفَرَوْهمْ يوم نوَّوا بالمسيرْ
وأصبحَنْ غرب اليبيلْ امْدرهمات
ويضيف “لقد عمروا الأرض وأنشأوا بيوتهم فيها، وجلبوا السعف من مزارع تاروت وصنعوا منها المنازل الخوصية المعروفة بـ “الدعون”، وذلك بوضع السعف جنباً إلى جنب، وربطها بالحبال. وهكذا قامت البيوت.
وقتها؛ “لم يكن في الزور ماء عذب للشرب، وهذا لا يخص الزور وحدها بل كانت الزور وسنابس ودارين، كل هذه القرى لم يكن بها ماء عذب، بل كانت تأخذ الماء من العين “العودة” في تاروت، وكانت النساء في قرية الزور يخرجن قبل الفجر بساعة لجلب الماء من العين”.
بعد سنوات طويلة من سكن بو فلاسة في الزور جاءت عوائل عديدة من قطر والبحرين والأحساء.
عمال أرامكو
وعُمّرت الزور بالبحارة والصيادين، ونشط مرفؤها في حركة الصيد. وبعد إنشاء ميناء راس تنورة النفطي؛ كان عمال أرامكو يركبون البحر من الزور إلى مقرّ عملهم فيها، “عمال أرامكو كانوا يأتون يوم الخميس يشتغلون نصف نهار وإذا عدى يوم الجمعة يركبون على الجواري ثم يصعدون على اللنجات، وكانت تكلفة الرحلة ريالاً، وكان حمد بن خميس من دارين و “سيد ماجد” السنابسي من النواخذة، ولديهم “خشب”، فاشتغلوا في نقل العمال بحراً بين راس تنورة والزور”.
أبو مسعود
وُلد ضيفنا علي بن مسعود؛ عام 1358هـ، “ولدت بالزور وبقيت فيها فترة بسيطة فيها، وحين ذهب جدي محبوب إلى البحرين أخذني معه، ثم رجعت من البحرين وكان عمري 12 سنة”.
دخل “أبو مسعود” البحر صغيراً، وتحديداً بعد عودته من البحرين “كنت أذهب للبحر يومياً، وبعدها أخذوني للغوص معهم”، كانت مهنة مؤقتة في مساعدة الغواصين الذين ينزلون إلى القاع لجمع الصدفات. والغوص الذي جرّبه “أبو مسعود” ليس الغوص الحقيقي الكبير الذي يمتدّ أشهراً طويلة، بل ذلك الغوص القصير الأمد.. أيام قليلة ثم يعود الغاصة بما لديهم.
شارك في الغوص في هيرات قريبة من شاطيء تاروت، يقول “كانوا يعطوننا 5 روبيات أجرة عملنا”.
32 سنة في الجبيل
حين شبّ “أبو مسعود” دخل البحر مع “عبدالله بن سلمان، المعروف بـ “أبو علوة”، وهو أكبر نوخذة من صيادي السمك في جزيرة تاروت وهو من أهل سنابس”، ثم انتقل إلى العمل في الجبيل، “كان لي نسيب (زوج عمتي) في الجبيل، أخذني إلى العمدة عبدالعزيز بن سلطان، لأدخل معه البحر، وفعلاً “دشيت” معهم بحار”.
ثم انتقل إلى العمل مع راشد بن غنام البوعينين، ومنه إلى محمد بن هلال إلى راشد بن حسن الخاطر، “وكان عنده نوخذة في اللنجات من أهل الإيمان هو عبدالله بن حميد بن ركن من أهل الشارقة ودخل معه، فكان يقول لراشد الخاطر وهو يشير لي: إذا جاك يبي مية عطه ميتين، لا يشرد منا.
كان لهذا الرجل فضل كبير عليّ فهو من علمني كيف أعبر باللنج ليلاً في البرعدان، والبرعدان 160 نتوءات صخرية فوق سطح البحر، وكل نتوء لها اسم، ويُسمّى ذلك عن أهل البحر “فشوت” و “قصاصير”، وهي أماكن خطرة، وعلى النوخذة أن يجيد عبوره بالسفينة دون الاصطدام بأي منها”. يضيف “مكثت في الجبيل 32 سنة، كنت بحاراً، وتنوخذت في السنوات الأخيرة”.
الزور مرة أخرى
عاد بو فلاسة بعد سنوات طويلة قضاها في الجبيل، إلى مسقط رأسه في الزور، وفي ذلك يقول “بعد الجبيل عدت للزور ولصيد السمك، وها أنا لليوم هنا، ولم يبق من بو فلاسة أحد غيري، وباقي الأهل سواء في الدمام (أخواتي وأولادهم وأولاد عمومتي) أو في البحرين والإمارات من أولاد الأعمام يأتون لزيارتي بين فترة وأخرى”.
سوق السمك
ويفصل الأيام الملائمة لصيد أنواع معينة من الأسماك بحسب خبرته ” كنا أيام الصيف بعد البارح نذهب لبندر تبن وراس عصبان لصيد الكنعد، ثم نبيعه في سوق القطيف، وهي السوق الأشهر للسمك في الخليج، حتى أن اللنجات العراقية تأتي محملة بألف طن من السمك وتنزل حمولتها في سوق القطيف ويظل في التنزيل لمدة 4 أيام كاملة، بعدها يغسل المركب ويحمّل بالتمر” من ميناء القطيف.
اقرأ أيضاً
غدا في الحلقة الثانية:
سرقة أطفال من أفريقيا.. وبيعهم في الخليج
حسن دعبل كلامه غير صحيح اسم الزور من زمن والاخ علي بن مسعود كلامه صحيح جزاه الله خير على ذكر الحقيقه
الله يعطيك الصحه والعافيه يبو مسعود بيض الله وجهك على الشرح الجميل للعائله 👍🏽👍🏽👍🏽👍🏽👍🏽