[فيديو] زينب.. تسرد قصة هروبها من جحيم أوكرانيا إلى أمان القطيف السعودية شابّة مغربية تخرّجت من الثانوية الرابعة.. وسافرت لدراسة الطب في خاركوف

القطيف: ليلى العوامي

“فيه أماكن فيها لَمْبات.. وفيه أماكن ما فيه”.. اللهجة قطيفية، والحديث عن قبو تحت الأرض لجأت إليه شابّة في مدينة خاركوف الأوكرانية، بعد تفاقم الأحداث. الشابّة مغربية الأصل، سعودية المنشأ، وفي أرض القطيف عاشت ودرست، ولذلك تأثّر لسانها بألسنة زميلاتها في مدارس المحافظة..

وحين صورت فيديو القبو وعلّقت عليه؛ فإنها تحدثت بلهجة القطيف الصرفة، لتطمئن صديقاتها.. إنها رسالة، رسائل كثيرة سجّلها مقيمون في أوكرانيا في الأيام الأخيرة الحرجة..

ووسط مشاهد القصف والدمار، هناك الكثير من القصص الإنسانية التي تكون خلف ستار المدافع وتحت أنقاض الدمار، كلها تحكي بأسى عواقب تناقضات السياسة عندما يدفع ثمنها الأبرياء والعزل.. وخاصة الأطفال أو الشباب والفتيات في عمر الزهور.. دون أن ننسى العجزة وكبار السن.

زينب مصطفى أخماصي (19 عاما) مغربية الأصل سعودية المنشأ، ولدت بالمغرب وعاشت في القطيف منذ أن كان عمرها 3 أشهر، واحدة من هؤلاء الذين رسمت المعاناة في وجدانهم مشاعر رحلة الخروج والنجاة.

التقتها “صبرة” بعدما نجحت في العودة إلى مرتع طفولتها بالقطيف، قبل أيام، ضمن من عاشوا ساعات وأيام الخوف والرعب، فكانت هذه التفاصيل.

قبل عامين

تخرجت “زينب” من الثانوية الرابعة بالقطيف، وتم قبولها في إحدى جامعات الأحساء، لكن طموحها كان أكبر.. إذ لم تقتنع أبداً بالتخصص التي قُبلت فيه، إلى أن جاء صديق والدها الذي يعيش في المغرب فعرض عليه التقديم لابنته في إحدى جامعات أوكرانيا.

وفعلاً.. انتقلت الفتاة اليافعة إلى هناك وبدأت الدراسة الفعلية في 25 أبريل 2020م، لتدرس الطب العام بجامعة مدينة خاركوف القريبة من روسيا، وثاني أكبر مدينة هناك، وأكبر مركز صناعي وعلمي وثقافي والمركز الإداري أيضاً ويبلغ عدد سكانها مليون نسمة.. حيث عاشت في سكن بعيد نسبياً عن جامعتها.

مرت الأيام بسلام يحمل كل الطموح.. ولكن ما حدث خلال الأسابيع الأخيرة أنهى كل شيءّ.

قبل بداية الأحداث العسكرية

شعور غامض

تتمالك زينب وتروي لـ”صبرة” تفاصيل مغامرتها الشجاعة بدءاً من خاركوف سكنها إنتهاء بهنغاريا ومنها إلى السعودية والقطيف تحديداً.

تقول: يوم 24 فبراير الماضي، كنت قد جهزت أشيائي للعودة إلى المملكة بسبب شعورنا بحدوث شيء قد يعيق خروجنا من أوكرانيا، تحدثنا كطلبة مع إدارة الجامعة نريد إجازة بسبب القلق مما يجري من مناكفات “سياسية” بين أوكرانيا وروسيا، لكنهم لم يقتنعوا.. بالنسبة لهم لاشيء يستحق الخوف والهلع!

تضيف أنها جهزت حقيبتها لتبدأ رحلتها الغامضة التي لم تعرف ماذا سيحدث خلالها، واستقلت “تاكسي” عند الساعة 2:30 صباح اليوم التالي بمساعدة صديق والدها الذي يقطن المنطقة منذ 30 عاماً، ومع ذلك كان القلق يغطي نبرات صوته بتوتر لافت.. كان الطريق هادئاً ولم تشعر بشيء حتى وصلت للمطار.

في المطار

تلتقط زينب أنفاسها قليلاً وتقول: دخلت مع حقيبة سفري وعلى ظهري حقيبة أخرى صغيرة ومعطفي في يدي. كان المطار هادئاً أيضاً، لفتت أنتباهي عائلة صغيرة تجلس على بعض المقاعد، فانضممت إليهم كي أشعر بالأمان، وفجأة بعد ساعتين في حدود 5:50 فجراً شعرت بهزة عنيفة ترج النوافذ حولنا، ولم نكن ندري ماذا يحدث..!

دفعني الرعب للاستفسار من إحدى الموظفات فأجابت باقتضاب: ربما يكون صوت ارتطام قطارين قريبين من المطار، ولم أصدق، لنهرع جميعاً بالخروج، واتصلت بصديق والدي الذي أوصى شرطياً بمساعدتي ومحاولة نقلي إلى مكان آمن بعد أن تأكدنا من وقف حركة الطيران!

 في الطريق.. رأيت صاروخا يمر من فوق رأسي، فصرخت من الهلع، لكني في النهاية نجحت في الوصول إلى موقف الحافلات. كان الطقس بارداً والمطر يتساقط مع رذاذ من الثلج، انتظرت حتى جاء صديق والدي فأخذني إلى منزلهم.

انفراجة و”قبو”

تضيف: وصلت إلى منزل صديق والدي فاحتضنتني زوجته، لأشعر بالأمان لأول مرة، وبعد أن هدأت قليلاً، طلبت مني أن أساعدها بوضع اللاصق على النوافذ حتى نحافظ على أنفسنا في حال تساقط الزجاج كي لا يتناثر فوقنا، عشت معهم أياماً أدركت فيها حجم معاناة الناس الذين كانوا يقفون في طابور طويل لشراء حاجياتهم، أو أولئك الذين يتراصون عند بوابة البنك لصرف الدولارات كي يتسنى لهم تدبير ما يكفيهم.

وهنا.. تذكر “زينب” أن كل شيء بات مخيفاً، شركات الطيران مغلقة والمدينة شبه ميتة.. ارتفاع هائل في أسعار السلع، وتجاوزت قيمة احتياجات زوجين مع طفلها 300 دولار، بعد أن كانت 50 فقط.

تسترجع زينب نمط حياتها قبل العودة بالقول إن “الحياة كانت مخيفة وشبه محترقة” وتتذكر ” اليوم الأول قضيناه في قبو أعد للطوارئ، ولكن في اليوم الثاني أصبح أكثر خطورة.. إذ صدر قرار بتجنيد عامة الشباب والرجال لخوض الحرب، ولأن معظم سكان منطقة خاركوف يتحدثون الروسية؛ لذا أصبحت عناصر الجيش تدخل أي مكان وتسحب الرجال والشباب للتجنيد”..!

في محطة القطار

ولأن الأمور ازدادت سوءاً وأصبحنا بين خيارين أحلاهما مر، قررت يوم الأحد 27 فبراير الخروج من المنطقة التي أصبحت قطعة من الجحيم الفعلي، ونجحت في الذهاب إلى محطة القطارات بأعجوبة، وانتظرت 11 ساعة مع أشخاص من جاليات عربية لنستقل قطاراً أوصلنا للعاصمة “كييف” التي لم نتحمل الاستمرار فيها أكثر من ثلاث ساعات، لنبدأ رحلة خروج أكثر توتراً استمرت 25 ساعة انتهت عند مغرب اليوم التالي في مدينة “لفيف”.

الإنهيار الحقيقي

توضح أن الركاب في مدينة “لفيف” أو “لويو” أو “لفوف” انقسموا إلى مجموعتين، إحداهما أرادت السفر في التاكسي والأخرى في القطار.. زينب فضلت التاكسي، وتكشف بالقول: ونحن بانتظار التاكسي.. سمعنا صافرات الإنذار فجأة والناس تصرخ “ادخلوا  فهناك قنابل مسيلة للدموع”، وإذا بي أسمع صوت انفجارات وأسمعهم يقولون بأن الصواريخ ضربت أحد المصانع.. هنا ضربني انهيار تام لم ينقذني منه إلا وصول سيارات أجرة عند الثانية فجراً، التي للأسف كانت حمولتها من 6 إلى 9 ركاب فقط، وبطبيعة الاستغلال في هذه المواقف الصعبة، كانت أجرة الراكب الواحد 250 دولاراً، وكان الاضطرار للدفع هو سيد الموقف، خاصة وأنه بعد 6 ساعات عصيبة وصلنا إلى حدود سلوفاكيا عند العاشرة من صباح 28 فبراير، فتنفست الصعداء.

مطار هنغاريا

أمان وحفاوة

كنا ثلاث فتيات ـ أنا منهن ـ وشاب، استقبلونا بترحاب شديد لم نكن نتوقعه، كل شيء لنا بالمجان، وأسر تريد أن تقدم ما تستطيع كي نطمئن.. وهذا ما حدث، بعدها أوصلونا لإحدى المدارس المجهزة للأوكرانيين والمقيمين فيها مجهزة تماماً، وبعدها نقلونا إلى منطقة كبيرة وهناك طلبوا منا تدبير أمورنا.

فكرنا قليلاً، واقترحنا الذهاب إلى هنغاريا.. وفعلاً أعطونا تذاكر مجانية، وعند وصولنا استقبلونا بذات الترحاب لنتوجه إلى أحد الفنادق ونلتقط أنفاسنا ونستريح من عذابات أيام متتالية. ومن الإرهاق نمت في استقبال الفندق المزدحم تماماً قبل أن أصحو صباحاً على دعوات إجراء فحص الـPCR الاحترازي لكورونا.

تنظر إلينا “زينب” وكأنها تزيح من على صدرها عبئا ثقيلاً، تنظر بعينين دافئتين حولها قبل أن تضيف في ابتسامة مطمئنة: وبعد الفحص توجهت إلى مطار العاصمة الهنغارية  بودابست، بعد أن حصلت على تذكرتي التي أرسلها لي والدي وكانت على الطيران المصري للقاهرة ومن القاهرة إلى مطار الملك فهد بالدمام  في 2 مارس، لأكون في أرض الأمن والأمان.. السعودية.

تتنهد قليلاً قبل أن نغادرها وهي تردد: يا الله.. إنها معجزة.

شاهدا الفيديو

مبنى جامعة الصيدلة

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×