ليلى العيد.. هزيمة سرطان الثدي بجملة واحدة: “لا تخافوا المرض” قصة السنوات الخمس في مواجهة الكيماوي والإشعاعي والبيولوجي
القطيف: جود الشقاق
“منذ أول جرعة كيماوية؛ تقبّلتُ الأمر، قرّرتُ أن أكون قوية، أن أنتصر، أن أعيش حياتي دون أن أحبس نفساً واحداً منها”..!
كأن هذه الجمل القصيرة بطاقة تعريف للتجربة التي خاضتها ليلى جعفر العيد، في مواجهة سرطان الثدي.. لم تكن تجربة ورديةً؛ إلا أنها لم تكن سوداءَ، بل تجربة واقع، تجربة تقبُّل، استغلال وقت، وحالات الضعف التي مرّت بها كانت مصدر قوة، ونظرة اعتزاز، ونظرة تقدّر النِّعم في حياتها. لهذا قالت إنها صارت “أكثر قدرة على الاستمتاع بحياتي وتخصيص المزيد من الوقت لإسعاد نفسي، بعدما كنت أصنعها للأخرين من حولي.. الآن أنا لنفسي أولاً، ومن ثم لهم”.
يوم المفاجأة
اختصاصية نفسية في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، من مواليد عام ١٩٧٩م متزوجة، وأم لأربعة أطفال. نمط حياتها مستقر، تهتم بالتغذية الصحية والرياضة، أجرت الفحص الدوري المنزلي لسرطان الثدي، مراراً.. إلى أن هجمت المفاجأة..!
تقول “في بدايات عيد ميلادي الـ٤٠، عام ٢٠١٨م، كنت في رحله سفر مع العائلة خارج الوطن، وفي أحد الأيام كنت أستحم.. وضعت يدي على صدري فشعرت بشيء غريب.. انتفاخ وتغيير في حجم الثدي الأيسر وشكله.. بلا ألم. خطر في بالي أنها فقط كتله هرمونية، مثل هرمون الحليب.. خاصة أنني كنت أستخدم مانع حمل هرموني”.
تضيف “بعد عودتي إلى الوطن بدأت في البحث عن الموضوع.. كانت أختي تعاني مشاكل بالصدر بسبب هرمون الحليب. سعيت إلى حجز موعد لدى اختصاصية نساء وولادة.. تأجل الموعد، ولكن في النهاية زرت الطبيبة.. الشكوك تراودني، والتفكير أرهقني.. ولم يكن كلام الطبيبة مطمئناً.. بل زاد من الحيرة..
قالت الطبيبة: هذا ليس اختصاصي.. اقترحت عليّ مراجعة طبيبة جراحة. حجزتُ موعداً وذهبت إلى عيادة الجراحة في مستشفى أهلي.. وهناك فحص.. أشعة.. وبعدها قالت طبيبة الجراحة الخبر الحزين..
كتلة لا تتحرك.. هذا الأمر مخيف.. حسب كلام الطبيبة.. يمكن أن تكون حميدة.. ويمكن أن تكون خبيثة.. الطبيبة نبّهت إلى الكتلة التي لا تتحرك هي المخيفة عادة.. ومن أجل الحسم لا بدّ من أخذ “خزعة” وتحليلها.. والمستشفى أهلي، وتحليل الخزعة مكلّف، لذلك اقترحت الطبيبة مراجعة مستشفى حكومي.. وأصرّت عليّ.. لا تتأخري، لأن حجم الورم ليس صغيراً”.
بكيت في الـ “جِم”
الخبر الحزين، وتفصيل المعلومات، والاحتمالات قلبت تفكير ليلى رأساً على عقب.. تقول “خرجت من المستشفى الأهلي، ولم أستطع الذهاب إلى المنزل ومواجهة أطفالي. طلبت من زوجي بأن يأخذني إلى النادي الرياضي. الغريب أن عينيّ لم تدمعا عند سماع الخبر.. ولكن وبمجرد دخولي إلى النادي بدأت بالصياح.. أنا بشر في النهاية.. واصلت يومي بكل نشاط وأنهيت تماريني الرياضية، ومن ثم رجعت إلى منزلي وعائلتي”.
في المنزل عمّ الصمت حين تحدثت مع زوجها.. أين..؟ ماذا..؟ لمن نذهب؟
تقول “اتصلت بصديقة ممرضة لأخذ المشورة. فطلبت مني الذهاب فوراً إلى مستشفى حكومي، مثل مستشفى الملك فهد الجامعي في الخبر.. وأن أذهب إلى قسم الطوارئ..
قلتُ لصديقتي: ليس بي ألم..
فقالت لي: قولي لهم (فيش ألم)”.
مستشفى الملك فهد الجامعي بالخبر
موجبة وسالبة.. سرطان
وفي المستشفى دخلتُ العيادة.. تسارعت الإجراءات.. من الفحص السريري إلى “خزعة”، إلى أشعة سينية، إلى أشعة نووية.. إلى تحاليل.. ودخل تحديد الموعد في صعوبة.. وبعد قرابة الشهرين؛ ظهرت نتيجة الفحوصات”.
كانت ليلى مستعدة لكل شيء. أخبرتها الطبيبة بوجود خلية موجبة وسالبة.. ولا يمكن تحديد نوع الخلية؛ هل هي حميدة..؟ أم خبيثة؟ شعرت ليلى بشيء من الارتياح.. لكن من زاوية أخرى أخبرت الطبيبة الزوج بأن المشكلة هي سرطان. خرجت ليلى من المستشفى “مبسوطة”. ولم يختلّ هذا الشعور إلا حين علمت لاحقاً بالحقيقة المرّة.. حقيقة السرطان الذي بدأ يعبث بصدرها.
مواعيد
ومن الاستسلام للخبر الحزين إلى الخطة العلاجية.. مواعيد آتية.. والعلاج المناسب ٦ أشهر من الجرعات الكيماوية، إضافة إلى عملية جراحية.
تقول ليلى “لم أخف من العلاج، إنما كنت أحتاج إلى مستشفى تخصصي. وبعد إجراءات رفض متكررة؛ تم قبول حالتي”. وفي مستشفى الملك فهد التخصصي لم تُثبت الفحوصات أن الورم في الثدي فقط، بل امتدّ إلى الغدد اللمفاوية. ولكن فحصوات الـ IQ وصلت إلى طمأنينة طيبة.. القلب سليم. ومن ثم تمّ تحويلها إلى استشاري الأورام.. لتدخل جدولة، وتُحدّد لها خطة علاجية.
متى الجدولة..؟
لم يهنأ لليلى بال.. كانت تتصل بالمستشفى أسبوعياً.. تسأل عن الجدولة.. وتسأل هل تمت الجدولة؟ تقول ليلى “كان الرد يتكرر: بعد يوم أو يومين.. لم يكونوا يشعرون بالنار التي بداخلي”.
ثم تمت الجدولة.. وبدأت الخطة العلاجية.. وصارحت ابنتها الكبرى.. استشاري الأورام قال إن نوع الورم هو RH2.. وهو في المرحلة الثانية، الدرجة الثالثة.. وهذه المرحلة تستجيب للعلاج.. وزاد الطمأنينة باستبعاد احتمال الحاجة إلى عملية جراحية، خاصة أن حجم الورم ٢سم.
ليس سرّاً
لم تعد الإصابة بسرطان الثدي سرّاً بينها وبين زوجها وابنتها.. أخبرت أهلها، بعد بداية خطة العلاج، حتى لا يُفاجأوا بالتغييرات المعروفة. ما كان يُقلقها هو نظرة العطف والشفقة المتوقعة من عائلتها.. حتى زوجها كانت تتحسس منه، بسبب الاهتمام الزائد.. كأنها ستموت غداً..
تقول “المرأة لا تحب أن تشعر بأنها ضعيفة أو منكسرة”. تضيف “لكنني تصالحتُ مع نفسي.. يجب على الجميع أن يروها في كل حالاتها (صاحية) أو متعبة.. أخبرتُ والدتي بعد أول جرعة.. جاءتني كثير من الاتصالات ناصحة بعدم أخذ الكيماوي.. لكن القرار ليس به رجعه.. وهذا أحد الأسباب التي دفعتني إلى عدم إخبار الآخرين.. يجب أن أكون قوية ذاتياً.. كانت أمي تبكي وكنت أنا من يساندها”.
جرعة رقم 1
بعد الجرعة الأولى هاجم السعال صدر ليلى.. ورافقتها انفلونزا حادة، وانخفضت مناعتها لثلاثة أسابيع.. فقدت صوتها.
فما الذي ساعد ليلى وجعلها قوية؟
تقول “عندما دخلت المستشفى ورأيتُ الأطفال وكبار السن.. ووضعهم السيئ؛ اقتنعتُ بأن ما أصابني كان بسيطاً قياساً بهم.. هنا طفل عمره سنتان بكاؤه يكسر القلب.. هناك كبير لا يستطيع حمل نفسه”.
تقبّلت ليلى حالتها على الرغم من أن العلاج الكيماوي “ينهكني يومين أو ثلاثة”. بعدها تعود إلى ممارسة حياتها الطبيعية مع عائلتها، وتجتمع مع أهلها، ولكن مع احتياطات مشدّدة.. حتى تساقط شعرها لم يمنعها من لقاء صديقاتها وزميلاتها.
مستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام
استجابة
الجانب السعيد أن جسد ليلى استجاب للعلاج منذ أخذ الجرعة الثانية.. طمأنها الطبيب، وأكد لها أن وضعها النفسي الإيجابي له دور.. وهكذا تعاملت مع الجرعات محتفظة بقوتها الداخلية.. وبعد الجرعة السادسة؛ طلب الدكتور عمل جراحة، احتياطاً، فقد يكون هناك ورم في أجزاء صغيرة يجب استئصالها.
في المستشفى سمعت ليلى قصصاً كثيرة.. منها المحفز ومنها المحبط.. لذلك؛ كانت تسد أذنيها.. وتقول كل حالة تختلف عن الأخرى.. خاصة أن الطبيب طمأنها..
استمرّ العلاج مدة 5 سنوات، ما بين متابعة وكشف دوري.. والجميل هو اهتمام المستشفى التخصصي بالمريض فما إن تشكو من أي ألم حتى تُحال إلى الطبيب لعمل الفحوصات والأشعة النووية.
رحمة المسكنات
لكن هناك فقرة غير طيبة في القصة.. بعد العملية الجراحية بدأت الحالة بالتدهور.. أُصيبت ليلى باضطرابات في النوم، خاصة خلال فترة تساقط الشعر..
تقول “كنت أشعر بحرارة في فروة الرأس وفي الجسم”.. لكنها تقبلت نفسها بلا شعر، وكذلك عائلتها.. مع ذلك شدة الألم تزداد في اليد بعد استئصال الغدد اللمفاوية.. كانت تتمنى لو تقطع يدها لتتخلص من الألم. قال لها الطبيب يجب أن تتحمل، كذلك زوجها قال لها، واستغرب من كثرة بكائها؛ فردّت عليه “لأني أتألم”.
استمرّت رحلة ألم اليد لقرابة 18 شهراً، ويجب أن تنام بطريقة معينة، ثم تعددت المشاكل بعد العلاج الإشعاعي.. أنفلونزا، ألم الأسنان، تراجع في المناعة، حساسية في الجسم..
تقول “كنت فقط أعيش على المسكنات.. وأكثر من مراجعة الطوارئ من أجل المسكنات”…!
قناعة
القصة التي بدأت بكشف، ثم جدولة خطة عمل، فيها 6 أشهر من العلاج الكمياوي، وبعدها بـ 45 يوماً عملية جراحية، وبعدها بشهرين 30 جلسة إشعاعية، ثم العلاج البيولوجي لمدة 18 شهراً.. كلّ هذه الرحلة المضنية خاضتها ليلى العيد بقوة وصرامة وشجاعة.. لم تستسلم، عاشت حياتها، استمتعت بقدر ما استطاعت، رعت عائلتها.. حضرت حفل تخرج ابنتها من الثانوية.. تحملت كل الألم من أجل حضور هذه المناسبة..
وفوق ذلك؛ تعلمت قيادة السيارة، حصلت على الرخصة، عادت إلى “الجم” الرياضي وواصلت هوايتها، تعلّمت السباحة، صارت تمارس رياضة رفع الأثقال، وأكملت رحلة السنوات الخمس قوية.. وشجاعة..
وبعد كل ذلك؛ وصلت ليلى العيد إلى قناعة حول التجربة الناجحة في مواجهة سرطان الثدي.. هي “أن نستمر.. ألا نخاف المرض..!”
صديقتي الغالية ليلى فخوره بك دائماً ايتها المحاربه البطله ادام الله على قلبك السعادة و عليك العافية… مقال جميل بالفعل سلمت الأنامل 👍🏻
مُلهمة عزيزتي ليلى .. فخورين بك وبقوة ارادتك .. تحملتي عناء رحلة العلاج و قاومتي بكل شجاعة .. كوني بخير دائماً
ليلى شخصية تنبض بالحياة والإرادة قوية ومثابرة فخورة جدا بك عزيزتي ..
المقال جدا جميل وطريقة السرد ممتعة تنتقل بين الفقرات بسلاسة سلمت الأنامل 👍