ابتهال الخريدة.. الأمل أقوى من ألم سرطان الثدي فاتها الفحص المبكر.. واجهت.. قاومت.. ربحت المعركة
القطيف: شذى المرزوق
5 سنوات مضت منذ اكتشفت معلمة الطفولة المبكرة ابتهال الخريدة أنها مصابة بسرطان الثدي، و لازال أمامها 5 سنوات أخرى لاستكمال رحلة العلاج، التي أمضت جزءاً منها في تعب ومشقة في محاربة المرض، الذي باغتها بلا سبب واضح.
وقررت الخريدة أن تستحضر تفاصيل تجربتها مع السرطان، وكيف تأخرت في علاجه، إلى أن تم استئصال الثدي، بهدف توعية نساء القطيف بأهمية الاكتشاف المبكر للمرض.. والعلاج المبكر أيضاً.
ابتهال (37 عاماً) من أهالي مدينة سيهات، هي واحدة من مئات السيدات اللاتي واجهن صدمة الإصابة بمرض يكفي أن تسمع باسمه أي امرأة، ليدب القلق والخوف من المجهول في قلبها، خاصةً مع الوتيرة المتسارعة في معدل الإصابة به، وانتشاره في المنطقة الشرقية دون سواها، بحسب بيانات صادرة من وزارة الصحة.
بداية القصة
عن تفاصيل الإصابة بالمرض، تقول الخريدة: “بدأت القصة نهاية العام 2017، حيث كنت في فترة رضاعة طبيعية لابنتي الصغيرة، وفجأة، بدأت ملامح التغيير تظهر على صدري، بوجود كتلة كبيرة، اعتقدت انها بسبب تكتل في الحليب”.
وأكملت “انتظرت ٣ أسابيع، لعل التكتل يتفكك، وحين وجدت أن الوضع مازال كما هو، شعرت بالخوف، وبدأت الهواجس والمخاوف تتسلل إلى قلبي”.
ما حدث بعدها، حمل الصدمة إلى ابتهال، التي خاضت رحلة فحوصات وتحاليل طويلة، تصل إلى ما يقارب ٣ أشهر، متنقلة بين مستشفى وآخر، وانتهى التشخيص بإنه “ورم خبيث”.
الخبر كان أشبه بالصاعقة. وتقول عنه: “صدمة كبيرة، وقلق أكبر بسبب الخوف من المرض، ودخلت في أرق ونوبات بكاء وهلع وخوف من المجهول”. وتضيف “كان التشخيص في مستشفى خاص، ولكنني أحببت أن يشارك في رحلة علاجي مستشفى الملك فهد التخصصي”.
جميع الفحوصات
وعن تفاصيل رحلة العلاج تقول الخريدة “حملت نتائج عيناتي، والأشعة، وجميع الفحوصات، وقدمتها إلى الأطباء في المستشفى التخصصي، وتم قبولها، وكنت أتنقل بين المستشفى الخاص والتخصصي، بهدف تسريع عجلة الفحوصات، وأتممت 3 أشهر أخرى، استكملت فيها الفحوصات المطلوبة، وتحديد الخطة العلاجية”.
وتلتزم الخريدة الصمت، قبل أن تسترجع تفاصيل جديدة من رحلة العلاج “تم تقييم الورم في الثدي بالمستوى الثاني، لذلك قرر الأطباء إجراء عملية استئصال كامل للثدي”. ولا تنسى الخريدة موقف زوجها عندما علم بقرار الأطباء استئصال الثدي، وقالت “زوجي هو من أخذ نتيجة الخزعة، وعلى قدر الألم الذي شعر به من القرار، على قدر ما كان حنوناً وهادئاً حين وصل إلى البيت، وجلس معي يبلغني بالنتيجة”، وكان أول رد فعل مني على الخبر من داخلي، ذكر عبارة “الحمد الله على كل حال”، وبقيت أردد هذه العبارة، في إيمان حقيقي بقضاء الله”.
درجة الحرارة
الرضا بقضاء الله، لم يمنع تردي الحالة النفسية للخريدة. وتقول عن هذه اللحظات “كانت حرارة جسمي متذبذبة بين رعشة البرودة الشديدة والخوف من المستقبل، وكنت أشعر بدوخة وارتفاع درحة الحرارة، حتى استسلمت لنوبة بكاء طويلة، وتملكتني حالة من الخوف، وتركز الخوف على أولادي، وكان أكبرهم وقتها عمره ١٢ سنة، وأصغرهم عمره سنة ونصف السنة”.
وتتابع “ساعات البكاء توقفت، استجمعت قواي، قمت باستكمال ترتيب البيت، وأتذكر انني صنعت في هذا الوقت “كيكة”، وذهبت بها إلى بيت أهلي، وهناك أمضيت بقية اليوم بينهم، دون أن أظهر لهم أي شيء، علما بأنني سبق أن أبلغت أختي وأخي بخبر الإصابة، أما والدتي ووالدي، فلم أشأ أن أخبرهما إلا قبل يومين من دخولي المستشفى للخضوع لعملية استئصال الثدي).
كتلة صلبة
أرادت الخريدة أن تدخل غرفة العمليات بمعنويات مرتفعة، وقلب قوي. وتقول: “كنت أردد عبارات الحمد والرضا بقضاء الله، وكنت أستعجل العملية للتخلص من الكتلة الصلبة في صدري بأسرع وقت، ودخلت غرفة العمليات، وخضعت للعملية، ولا أستطيع أن أنكر أن الوضع ما بعدها كان متعباً جسدياً، احتجت ما يقارب شهر، لاسترداد صحتي وتحريك اليد”. وتتابع “بعد العملية الجراحية، بدأت “رحلة الموت في استكمال العلاج الكيماوي، للتخلص من المرض”.
وتقول “كانت الخطة تتضمن ٦ جرعات، بمعدل جرعة كل ٣ أسابيع، وذهبت إلى المستشفى، لأخذ الجرعة الأولى، وشعرت أن الوضع بات عادياً، وتخلصت من الألم إلى الأبد، واعتقدت أن الوضع سيستمر هكذا، ولكني بمجرد أن وصلت إلى البيت، بدأت الآلام تظهر من جديد في أنجاء الجسم، وكنت أوجه الموت يومياً، مع تذبذب درجة الحرارة، ووجود حالات الترجيع والغثيان، ولا أستطيع ممارسة حياتي الطبيعية، ولا أقدر علي تناول الطعام، وكنت أبقى على هذا الوضع 5 أيام بعد كل جرعة”.
25 جلسة
وتكمل الخريدة: “بعد أسبوعين من أول جرعة، بدأ شعري يتساقط، ومع كل منظر للشعر المتساقط، يطاردني ألم نفسي لا حدود له، وكأن كل شعرة تسقط، تنتزع جزءاً مني، وتفاقمت حالتي الصحية، ووصلت إلى آلام مستمرة وصداع حاد، ولم أتحمل الوضع، وقررت حلق شعري كاملاً، قبل أن أراه وهو يتساقط”، مضيفة “أكملت الجرعات الكيماوية بين ألم جسدي وتعب نفسي، وبعدها بشهر، بدأت جلسات العلاج الاشعاعي، بـ25 جلسة، بمعدل جلسة كل يوم”.
فقد الأحبة
وبجانب ابتلاء المرض، ابتُليت الخريدة بفقد الأحبة، في مشهد تحملته بصعوبة. وتقول “بعد أن أنهيت الجلسة الـ٢٠ من العلاج الإشعاعي، فقدت والدي، وكنت في حالة يرثى لها، لا أستطيع أن أصف كم الحزن والألم جراء ذلك، وكيف تدهورت صحتي أكثر”. وسكتت الخريدة لحظات قبل أن تردد قولها “قدر الله وما شاء فعل، ولا اعتراض على حكم رب العالمين”.
وتابعت “بعد اكتمال جلسات العلاج الإشعاعي، وقرر الأطباء أن ابدأ خطة علاج هرموني، تستمر 5 سنوات أخرى”. وتقول “الآن بدأ شعر الرأس والحواجب والرموش ينبت من جديد، ولكن صحة الجسم العامة لازالت دون المستوى، وبين فترة وأخرى، تجتاحني نوبات ألم غريبة، وكنت أراجع المستشفيات، وفي كل مرة، يكون الجواب نفسه، “من أثر العلاج الكيماوي”.
تحول كبير
وتقر الخريدة بأن المرض كان بمثابة تحول كبير في حياتها وقناعاتها. وتقول “كل شيء تغير؛ شخصيتي وتفكيري ونظرتي إلى الأشياء والأمور كلها، فنظرتي للحياة اختلفت تماماً، وتعاملي مع الأمور اختلف هو الآخر، ووجدت نفسي أشارك في محافل كثيرة للتوعية بمرض السرطان، وطرح تجربتي على الآخرين، دعماً للمرضى، وكانت أؤكد للجميع بأن العزم والإرادة كافيان على التغلب على المصاعب والتحديات، مهما كانت”.