الدكتور فتح الله يختار “صُبرة” منصّة لأول تجربة نشر في ترجمة الشعر الإنجليزي وضع قصيدتين لهيوقو ويليامز تحت مقصّ التحليل النقدي
في أول تجربة نشر له في ترجمة الشعر الإنجليزي؛ اختار الأستاذ المشارك في علم اللغة التطبيقي الدكتور أحمد فتح الله منصة “صُبرة”. وتعامل الدكتور فتح الله مع نصّين للشاعر الإنجليزي هيوقو ويليامز، وترجمهما، وعلّق عليهما، في حلقتين.
وتنشر “صُبرة” الحلقة الأولى اليوم، فيما تنشر الحلقة الثانية في يوم لاحق.
هيوقو ويليامز بين إغواء وحنين
قصيدتان من الشعر الإنجليزي المعاصر
(1-2)
الشاعر
هيوغو وليامز (Hugo Williams) صحفي وكاتب وشاعر بريطاني معاصر، ولد في 20 فبراير 1942م. له عدة دووايين شعرية وكتب عن الشعر. حصل على عدة جوائز عن شعره، منها على سبيل المثال: “جائزة ت. إس. إليوت” (الشاعر الإنجليزي) عام 1999م، و “ميدالية الملكة الذهبية للشعر” عام 2004م.
وحظيت أعماله بإعجاب كبير بسبب “مباشرتها، وطبيعتها، وعدم تكلفها”، وفي عام 2014م وصفتها مجلة لندن (London Magazine) بأنها: “تنعم بالوضوح الفائق وسهولة القراءة.”
القصيدة الأولى “Siren Song” (أغنية سايرن) موجودة في مجموعته (Billy’s Rain) 2010م، التي حوت خمسين قصيدة كمرثيات رائعة وساخرة ومؤثرة ترسم مسار علاقة حب انتهت، ويتم استكشاف تعقيداتها وهواجسها ومراوغاتها وأفراحها السرية ومزالقها العاطفية بالبراعة والسخرية اللتين ميزتا أعمال هوغو ويليامز.
تلقى الشاعر هيوقو عملية زرع كلى ناجحة في عام 2014م بعد خضوعه لغسيل الكلى لعدة سنوات. وعن هذه المعاناة، كتب عدة قصائد (تتسم بقتامة، خلاف سابقاتها)، منها القصيدة الثانية “Homesick” (الحنين للأوطان) عن الممرضين والممرضات الذين قاموا بالعناية به، معبرًا فيها عن تعاطفه معهم وعن الحنين للوطن الذي يجمعه بهم، وهي في مجموعته (Lines Off) 2019م.
القصيدة الأولى:
أغنية سايرن (Siren Song)
أهاتفها من وقت لآخر
لأرى إن غيرت نغمة ردها الآلي
ينبعث صوتها من رسالتها المُسَجَّلة:
“قل في كلمتين
ما كنتَ ستقوله لي في ألف كلمة”.
أتأمل فكرتها
كما لو كنتُ أتأمل البحر ليلًا،
مُصْغيًّا لأمواجه
تتكسر على الصخور
واثقًا أنها عند الهاتف
تستمع… تنتظرني أبدأ الكلام
أحيانًا ترفع السماعة وترد
فيأخذني شَدْوُ صوتِها إلى الماضي.
تعتريني رهبة
لحظة أستحضر رائحتها.
تعليق على القصيدة
تتكيء القصيدة على أسطورة “الحورية الغاوية” سايرن (Siren) وغنائها لتُغري البحارة وتتسبب في غرقهم[1]. وهذا ما أشار إليه الشاعر في السطرين الأخيرين بربط الغناء (sings to me)، ووقوف شعر القفا (the hair on the back of my neck stands up) عبارة اصطلاحية (idiom) تعبيرًا عن الخوف (أو الهلع) في اللغة الإنجليزية، بسبب رائحة ذكريات الماضي (sings me out of the past).
بدأ الشاعر يُهيّئ لهذا الربط باستخدام المفردات والعبارات، مثل: “موسيقى”، “البحر ليلًا”، “صوت أمواجه”، “تتكسر على الصخور”. أمَّا مفردة “كلمتين”، التي تحمل معنى القلة والإيجاز، بمفهوم ما قل ودل، ربما تشير إلى (Siren Song) التي تحمل رمزية كل الحكاية (الأسطورة) التي قد تسرد بـ “ألف كلمة”، وربما بلا طائل، أي دون سبر غورها.
تعود أصول “أغنية سايرن” (Siren Song) إلى الأساطير اليونانية، وفيها “سايرن” (Siren) من النساء الجميلات (نوع من حوريات البحر)، بجسد بشري في جزئه الأعلى (من الخصر إلى الرأس) وجزؤه الأسفل (من الخصر إلى القدمين) جسد طير، تغري البحارة إلى هلاكهم بأغانيها الساحرة. كانت تلك الأغاني لا تقاوم لدرجة أن البحارة عند سماعها ينجذبون إلى الإبحار بالسفينة بالقرب من الشاطئ والاصطدام به أو القفز إلى وسط البحر العميق فيغرقون. وفي “معجم أكسفورد للطالب” (Oxford Learner Dictionary) يجعل غنائها الجميل البحارة يبحرون نحوها عند الصخور أو المياه الخطرة.
في الأوديسا (Odyssey) لهومر (Homer)، يملأ البطل أوديسيوس (Odysseus) آذان بحارته بالشمع ليمنعهم من سماع أغاني سايرن، بينما يربط نفسه بالصاري ليسمعها وينجو. وكذلك تظهر حوريات سايرن في قصيدة ملحمية يونانية أخرى تسمى “الأرجونوتيكا” (The Argonautica)، وفيها الموسيقار الأسطوري أورفيوس (Orpheus) يتمكن من مساعدة طاقمًا من البحارة للنجاة من أغاني سايرن عن طريق العزف على القيثارة.
بفضل تراث الأسطورة اليونانية، التي انتقلت لثقافة الحضارة الغربية، صارت “أغنية سايرن” منذ حوالي منتصف القرن الخامس استعارة لشيء قوي ولكنه مغرٍ بشكل مخادع. لذا نرى في معجم ماريام ويبستر (Merriam Webster Dictionary)، على سبيل المثال، أن عبارة “أغنية سايرن” (Siren Song)، والتي تعني جاذبية مغرية، والإغراء المخادع، تستخدم للإشارة إلى جاذبية شيء مغرٍ ولكنه أيضًا قد يكون ضارًا أو خطيرًا، كما في تعريف (معجم أكسفورد للطالب) لكلمة “سايرن”. وهذا ما يمكن أن نفهمه من قفلة (خاتمة) القصيدة: “تعتريني رهبة….لحظة أستحضر رائحتها”، حيث الروائح ستحضر ذكريات قوية جدًا، سواء كانت رائحة حبيب أو حدث أو غير ذلك، لأن “الرائحة هي أقوى ارتباط بالذاكرة”، حسب (ماجي ستيففاتر)، أو كما يقول (فلاديمير نابوكوف) “لا شيء يُحيي الماضي تمامًا مثل الرائحة التي كانت مرتبطة به”[2].
ملحق (1): النص الإنجليزي للقصيدة
Siren Song
By Hugo Williams
I phone from time to time,
to see if she’s changed the music on her answerphone
‘Tell me in two words’, goes the recording
‘what you were going to tell in a thousand’.
I peer into that thought, like peering out
to sea at night, hearing the sound of waves
breaking on rocks, knowing she is there
listening, waiting for me to speak
Once in a while she’ll pick up the phone
and her voice sings to me out of the past
The hair on the back of my neck stands up as I catch her smell for a second
يتبع
—————–
الهوامش
[1] كلمة “سايرن” (Siren) في اللغة الإنجليزية المعاصرة، تعني صوت صفارات الإنذار، ومجازًا تعني الإغراء بفعل شيء يبدو جذابًا للغاية ولكن سيكون له نتائج سيئة، وكذلك يراد بها امرأة جميلة جدًا (جذابة) ولكنها خطيرة أيضًا. وأصل الكلمة الحالية آتية من اللغة الإنجليزية الوسطى (Middle English) Sieren بمعنى “نوع وهمي من الأفاعى”، دخلت لها من الفرنسية القديمة، “سيرين”، وهي من اللاتينية المتأخرة “سيرينا” (مؤنث سيرين اللاتينية)، الآتية من اليونانية سيرين Seirēn (معجم أكسفورد للطالب). (المترجم)
[2] كشفت دراسات علمية عديدة عن علاقة الروائح بالذكريات، انظر على سبيل المثال الرابطين التاليين:
(A) https://www.skynewsarabia.com/technology/1473019-دراسة-علمية-مذهلة-تكشف-علاقة-الروائح-بالذكريات
(B) https://www.aljazeera.net/lifestyle/2022/1/8/لماذا-نربط-الذكريات-بقوة-بروائح#:~:text=الجهاز%20الشمي%20والدماغ&text=ويبدو%20أن%20ارتباط%20الذاكرة%20العاطفية,عن%20تنظيم%20المشاعر%20والذكريات%20العاطفية.
.