وثائق] من البحرين إلى دارين سنة 1315: انفلات أمني وكساد في سلعة “العَيْشِ” تاجر البانيان جوادر في تاروت.. والدبس والأصداف الكبيرة مطلوبان
أسعار العملات ترصد الريال الفرنسي والروبية والليرة
في هذه القراءة التاريخية؛ يرصد الباحث جلال الهارون بعضاً من واقع سنة 1315هـ، في بعض المناطق الخليجية، من خلال رسالة تاجر في البحرين إلى أخيه الذي جاء إلى دارين، لعرض بعض الأمور التجارية.
الرسالة تنطوي على كثير من الإشارات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في ذلك العام.
وثيقة نادرة
توثق بعض ملامح الحياة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية
في بندر دارين خلال فترة الحكم العثماني
إعداد الباحث: جلال خالد الهارون
تعلمنا من خلال دراسة مناهج البحث التاريخي، أن هناك فرقاً بين مهمة جمع وعرض المصادر، ومهمة “تفسير” مصادر التاريخ، علماً بأن مهمة المؤرخ الأساسية هي تفسير التاريخ في ضوء المصادر المجتمعة، لذا فإنه وانطلاقاً من هذا الدور المهم، رأيت أن أكتب لك أخي القارئ هذا المقال.
وقت وزمان تحرير الوثيقة محل الدراسة: 20 ربيع الثاني سنة 1315هـ الموافق 18/9/1897م، وهذا يعني أن الوثيقة محررة في منتصف شهر سبتمبر، أي أن وقت تحرير هذه الوثيقة كان في نهاية موسم غوص عام 1315هـ.
في هذا السنة كانت كل المنطقة الممتدة من الكويت وصولاً إلى شبه جزيرة قطر، بما في ذلك طبعاً واحتا القطيف والأحساء، ما زالت خاضعة لحكم الدولة العثمانية.
أما وسط الجزيرة العربية، فقد كانت منطقة نجد ـ إجمالاً بما في ذلك الرياض ـ خاضعةً لسيطرة أبن رشيد حاكم حائل.
في ظل هذه الأوضاع وصلت رسالة من التاجر عبدالرحمن بن جمعة بن ابراهيم التميمي من البحرين (الوثيقة محل الدراسة) إلى أخيه عبدالله في بندر دارين (ميناء دارين).
التاجر عبدالله التميمي الذي تلقّى الرسالة من أخيه عبدالرحمن.. وفي الصورة ابنه محمد
ومن خلال إمعان النظر في هذه الرسالة، يتبين أن بندر دارين كان يشهد نشاطاً تجارياً موسمياً خلال موسم الغوص –أي- خلال الفترة من (شهر يونيو) إلى نهاية (شهر سبتمبر). وهذا النشاط كان سبباً لجذب بعض تجار البحرين إلى دارين، وهذا بالضبط موضوع هذه الرسالة، حيث إن أسرة جمعة التميمي التجارية ومقرها الأساسي مدينة المحرق من توابع البحرين، أرسلوا أحد أبنائهم ويدعى عبدالله بن جمعه إلى دارين للبيع والشراء خلال موسم الغوص السنوي.
وتبين هذه الرسالة أهم الأنشطة التجارية التي كانت سائدة في بندر دارين خلال موسم الغوص،حيث جاء فيها الآتي:
1 ـ تجارة الأرز (العيش):
يتضح من الرسالة أن سلعة “الأرز” أو “العيش”، كانت واحدة من السلع الرئيسة التي تجلب من البحرين إلى دارين خلال الموسم، ويلاحظ أن ممثل أسرة بن جمعة في البحرين واسمه “عبدالرحمن”، أخبر أخاه “عبدالله” الوكيل التجاري في دارين، بأن سلعة الأرز حاليًا لا يوجد عليها إقبال وأنهم ـ في البحرين ـ عرضوا الأرز بسعر الشراء من التجار الهنود البانيان بسعر (12-13) روبية، أي (دون فائدة)، ومع ذلك لا يوجد إقبال على الشراء.
ربما في هذا دليل على وجود كساد اقتصادي، كان سائداً خلال تلك السنة، أو أن هذا كان نتيجة نهاية موسم الغوص، بدخول شهر سبتمبر، حيث تغادر معظم سفن الغوص السفن الخليجية إلى أوطانها، ويبدو أن هو هذا السبب الحقيقي لأن الرسالة تذكر أن أهل الكويت غير موجودين في دارين، لذا لا جدوى من البقاء أكثر في دارين.
2 ـ تجارة الدبس:
ويرد في الرسالة طلب شراء كمية من الدبس من دارين بغرض إرسالها إلى البحرين، وفي هذا إشارة إلى أن واحة القطيف كان بها فائض من الدبس، وأن البحرين كانت تحتاج إلى كميات إضافية من هذه السلعة، ومن الواضح أن سوق دارين الموسمي كان يصدر هذه السلعة إلى البحرين، وربما إلى الكويت ومختلف موانئ الخليج العربي.
3 ـ تجارة أصداف المحار:
ويتضح أيضا من الوثيقة محل الدراسة، أن تجارة الأصداف كانت رائجة في دارين، وأن هناك سماسرة لهذه التجارة في ميناء بومباي في الهند منهم “عبدالله مدجيه” المذكور اسمه في هذه الرسالة، وأن هذا التاجر كان يرسل عبر التلغراف إلى البحرين، يحدد لبعض التجار فيها حالة العرض والطلب على هذه السلعة.
ووفقاً لما جاء في الرسالة كانت المواصفات المطلوبة في عام 1315هـ، في أسواق بومباي، أن يكون المحار كبيراً وبحد أدنى حجم كف اليد، وأن يكون المحار مصدره ساحل “العدان” ويقصد بالعدان هنا كل الساحل الممتد من رأس تنورة إلى أطراف الكويت. كما أن الرسالة تبين أن الأصداف كانت تجمع في حاويات تسمى “صرمال” وأن هذه الحاويات كانت تشحن من دارين إلى البحرين ومن هناك تشحن بالسفن البخارية مباشرة إلى ميناء بومباي وينتهي بها المطاف في أسواق لندن.
كانت الاصداف خلال تلك الفترة تستخدم في صناعة أزرة الملابس وفي تطعيم بعض قطع الأثاث، ويذكر في الرسالة أن هناك طريقاً أخر تسلكه الأصداف، فهناك سفن تنقل الأصداف إلى ميناء بوشهر ثم إلى الهند، وهذه الحركة مثبته في وثائق الأرشيف البريطاني التي وثقت لنا حركة السفن البخارية التي كانت تخدم الموانئ في الخليج والهند.
الريال الفرنسي
4 ـ أسعار صرف العملات:
تتحدث الرسالة عن ثلاث عملات رئيسة هي الريال والروبية والليرة، ويعتقد الباحث أن المقصود بالريال “الريال الفرانسة”، ومن الواضح أنه الأثمن بين العملات الثلاث، كما أن في الرسالة إشارة واضحة إلى معرفة التجار في البحرين ودارين وعموم المنطقة خلال تلك الفترة بأسعار صرف مختلف العملات في كل من البحرين والهند.
وزن السلوق في القطيف قديماً
5 ـ تجارة السلوق:
لا تتحدث الرسالة بشكل مباشر عن تجارة السلوق، بل تتحدث عن تاجر من طائفة البونيان الهندية اسمه “جوادر” وأنه موجود وقت إرسال الرسالة في بلدة تاروت، وفي هذا إشارة واضحة إلى أنه أحد تجار رطب السلوق الذي كان يمثل سلعة رئيسة تُصدر من القطيف إلى الهند، وبالإمكان معرفة المزيد عن هذه التجارة بالرجوع إلى البحوث الكثيرة المنشورة سابقاً.
6 ـ الانفلات الامني:
تتحدث هذه الرسالة عن انفلات الأمن في البحر، الربط بين البحرين ودارين، فقد كان في هذه السنة تحديدا غير أمن، وأن فيه الكثير من القراصنة الذين أطلق عليهم كاتب الرسالة “النهابه”.
7 ـ تجار دارين:
وفي ختام الرسالة ذكر كاتب الرسالة اسم أثنين من أعيان دارين، حيث طلب من أخيه إبلاغهما السلام منه شخصياً من شيوخ البحرين، والاثنين هما: الشيخ محمد باشا بن عبدالوهاب الفيحاني (شيخ دارين)، وابن هارون أحد كبار تجار اللؤلؤ في الجزيرة، ووفقا لسجلات أسره “بن هارون” المحررة في هذه السنة المقصود هنا في هذه الوثيقة هو محمد بن هارون.
صورة الرسالة
نص الرسالة
بسم الله تعالى
من بندر بحرين إلى بندر دارين في 20 من شهر ربيع الثاني سنة 1315هـ (18/9/1897م)
لجناب الأجل الأمجد الأحشم الأشيم الأخ المكرم عبدالله بن المرحوم جمعه بن ابراهيم المحترم سلمه الله تعالى ثم السلام التام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته ومرضاته وأزكى واشرف تحياته على الدوام.
وموجب الكتاب هو إبلاغ السلام والسؤال عن صحة حالك على الدوام وبعد…
إن سألت عنا فحنا الحمد لله في خير وعافيه ولا نسأل إلا عن صحة حالك أحال الله عنا وعنك كل سوء ومكروه آمين.
وخطك الشريف وصل في طالع ربيع أول وبما ذكرت كان لدى أخيك معلوم عرفت من طرف قيمة العيش جونية بلم (كلمة غير واضحة) في 13 برسم البانيان في 12 وزايد ولا فيه تصريف ليصير عندك معلوم.
وهذا واصلك بيد عيسى بن موسى اعطه 20 عشرين قوطي [كلمة غير واضحة] الدبس ان شاء الله تعالى يوصلك بالسلامة أخي عزمنا أن أتوجه لطرفكم وبلغنا خبر بأن في البحر [كلمة غير واضحة] وينهبون وأنا ما استطيع أجي.
ومن طرف عبدالله موجيه أرسلنا له خط من طرف المحار يعرفنا عن سعره وأنا عندي بقدر عشرين صرمال في البيت ان شاء الله تعالى في هذا المركب اذا تسير نحملة إلى عبدالله موجيه ومن قبل المحار هذا الأيام ما له سوق [كلمة غير واضحة] الا اذا كان كف أكبار بروحه في 00، 2 روبية مال العدان وانت يا اخي لا تشتري فإلى سبب أن بعض الناس ما يشترون إلا البانيان ما ياخذون الا كبار.
وانت يا أخي يكون تجي فيما سرع سبب أن أهل الكويت ما يجون دارين وأنت جلوسك ما ينفعك في دارين ويا خي ان كان قاصرك دراهم يكون تحول علي في البحرين أسد لك ليصير عنك معلوم.
يا أخي من طرف صرف الريال في منبي 135 روبية بحرين 145 روبية ليرة في 14 بحرين من 13 روبية في مريكن 2 انه القماش سوقه سهل من طرف المشترى الذي 145 في مريكن لماية روبية عليها معشرست والانتين 36 نول المحار فالي على بوشهر صرمال تول في 43 ربيه الى لندن والمحار كله يحملونه عن طريق بومباي انسب لول.
واما يا أخي عندي كم ريال وعزمت أن أرسلهم لك لكن مالك لازم فيهم ان كان بدا لك لازم حول علينا نسد ومن طرف جوادر ما هوب في البحرين تر هو في تاروت يكون ان شاء الله تعالى تقبض من عنده وأنت يا أخي لا يكون تجي الا مع النوخذه الشيخ محمد بن عبدالوهاب وعمرك باقي والسلام وبلغ سلامنا على العم المكرم الشيخ محمد بن عبدالوهاب وعلى بن هارون وعلى من يعز عليك والسلام ومن لدينا المشايخ يسلمون عليك ومن لدينا العم أحمد كانوه وعبدالله بن يوسف الغوي وناصر غيلان يسلم عليك وأهل البيت والخلان كافة والجماعة في خير يسلمون.
صحيح
عبدالرحمن بن جمعة بن ابراهيم