الصراع الثقافي والتجاور الثقافي
محمد منصور
الصراع الثقافي:
حالة من القبول لثقافة معينة، والرفض لسواها. وتتابين مستويات هذه الحالة من القبول والرفض، وتتأرجح بينهما بدرجات متفاوتة بين القبول والرفض.
يأتي هذا الصراع غالبا بين القديم والجديد، الأصيل والدخيل، العتيق والحديث.
القديم بما يمتلكه من أبواب مشرعة على المعلوم، والجديد بما يمتلكه من أبواب مغلقة على المجهول. الأصيل بما يحويه من ثقافة ثابتة، والدخيل بما يحويه من ثقافة متغيرة. العتيق المشبع بما سبق تجربته، والحديث الذي لم يجرب.
القديم يمثل التراث الساكن في النفوس والمطمئنة له الأرواح، والجديد يمثل الحاضر الذي يستشرف المستقبل ويسعى إليه وفيه ما فيه من مغامرة ومقامرة.
القديم الثقافي هنا مجرب ومعروفة نتائجه، أما الجديد الثقافي فهو ما سيتم تجريبه لتتكشف نتائجه.
القديم الثقافي مغرٍ بضماناته سواء كثرت أو قلت، والجديد الثقافي مخيف بمغامراته التي قد تأتي بما عجز عنه القديم، أو لا تأتي بشيء، أو تفسد ما كان موجودا.
الصراع الثقافي يشتعل ويبلغ أشده ويتطرف كلما توجس أحد من الآخر تهميشا أو إقصاء أو إلغاء أو تبديلا للهوية. ويأتي التوجس نتيجة الجهل بالآخر أو عدم الاطمئنان له أو الخوف من قوته قبالة ضعف ما في اليد.
الصراع الثقافي وقوده الجهل، الجهل بالثقافة المتحصلة من العقل المفكر المستنير بالبصيرة الثاقبة، الجهل بالثقافة المبنية على تراكمات معرفية منطقية، الجهل بالثقافة البعيدة كل البعد عن العواطف والأمزجة والأهواء.
الصراع الثقافي وقوده الجهل، الجهل بالثقافة الأخرى من حيث عقلانيتها ومبانيها المعرفية المنطقية، وبعدها عن الخواء.
في ظل كل ذلك نحن لا ندعو إلى مصالحات أو هدنة، أو إنهاء الصراع الثقافي. بل على العكس ندعو إلى مزيد من التماس ومزيد من الاحتكاك والمزيد من مقارعة العقل بالعقل، عبر التأصيل المحكم للثقافة، والاستفادة من كل ثقافة أخرى تضيف أبعادا جديدة على الثقافة المتأصلة وتعمق منها أكثر؛ حتى تصل بها إلى حالة من القوة تستطيع بها أن تعيش حالة من التجاور الثقافي قبالة أي ثقافة حقيقية!!
التجاور الثقافي:
القبول بوجود ثقافات أخرى، والتفاعل معها.
ويأتي هذا القبول والتفاعل نتيجة لقوة الثقافة في تأصيلها ومعارفها وعقلانيتها، وحرية التفكير وفق قواعد منطقية منضبطة، والمعرفة بجودة المنتج الثقافي، والبحث عن الأصلح، والرغبة الدائمة في التطوير.
التجاور الثقافي حالة من الحوار الدائم بغية التكامل الثقافي عبر طرح ما يشوبه الضعف من الفكر وتبني القوي، طرح القوي من الفكر وتبني الأقوى، ترك النافع وأخذ الأنفع.
التجاور الثقافي لا يحمل بين طياته تعصبا ثقافيا، ولا تنازلا ثقافيا. هو في حالة حوار دائم وتطوير مستمر بغية الوصول إلى ثقافة أعلى.
التجاور الثقافي سعي حثيث للتكامل..!