علوي مكي.. من مساقي “داروش” إلى بحر “المانش” حقق رقماً قياسياً سنة 1977.. وكرّمه أمير الرياضة فيصل بن فهد..
اكتشفه معلم مصري.. وخاض 30 سباقاً دولياً في أوربا وكندا ومصر وسوريا
صفوى: ليلى العوامي
من مساقي عين “داروش” بدأت قصته. وفي العين “الجنوبية” تطوّرت. وكان بإمكان القصة أن تقف عند العين الأخيرة التي كانت بُحيرة فيّاضة بالمياه العذبة. وكان يمكن أن يكتفي علوي مكي بالمتعات الصيفية التي يحصل عليها أبناء صفوى في العيون الجوفية.
هناك آلافٌ مؤلفة من الأجيال في صفوى القديمة تعاقبوا على السباحة في العيون الجوفية.. مجتمع القطيف القديم، برمّته، كان سبّاحاً بحكم الانتشار السابق للعيون الجوفية في القرى.
لكن علوي مكّي خرج من آلاف القصص المتشابهة ليصنع قصته الخاصة.. ويخوض غمار أكثر من 30 سباقَ سباحةٍ دولياً في 9 سنوات، من عمر الـ 18 حتى سن الـ 27.
ضدّ تيّار اقْمَيْجْ
أول ما تفتّحت عيناه على الماء؛ كان مجرى “اقْمَيْح” أمام منزل أسرته. ومثل أيّ طفلٍ في جيله؛ تعلّم السباحة عفويّاً. ولأن “اقْمَيْحْ” كان أشبه بُنهير صير يأتي من منبع عين “داروش”؛ تعوّد الصغير مكّي أن يذهب إلى العين عبر المجرى، سابحاً ضدّ التيار.
الصورة قديمة جداً. لكنّ علوي مكّي يتذكرها جيداً. ويتذكّر كيف اكتشفه معلم مصري اسمه كمال محروس، وكيف تكوَّن فريق سباحة في نادي الصفا، ليخوض مكّي وعدد من شبّان البلدة سباقاً نظمته الجمعية العربية للسباحة في الجبيل، واستمرّ 4 ساعات.. كان ذلك سنة 1972م، بعد عام كامل من مهرجان سباحة رعاه أمير المنطقة الشرقية وقتها، الأمير عبدالمحسن بن جلوي، ونظّمته إدارة تعليم المنطقة، وأُقيم في العيون الجنوبية.
مع دولفين
كان عام 1971 حاسماً لمستقبل علوي مكّي.. والده خاف عليه من الذهاب بعيداً عن أرضه وبلدته. لكن وساطة الأقارب غيّرت رأيه، وأبحر الشاب علوي في رياضته.. سافر إلى جدة، وخاض تجربة سباق على مستوى المملكة في “أبْحُر”، لمسافة 12.5 كيلومتر. وقال علوي إنه لا ينسى هذا السباق، بسبب موقف طريف واجهه أثناء السباحة.. رافقه دولفين وراح يسبح إلى جانبه..!
سبّاح دولي
ثم انفتح باب السباقات الدولية، وتتالت المشاركات.. سباق النيل الدولي الخامس والسابع، وسباق في اللاذقية بسوريا مرّتين. لكنّ أهم تجاربه الدولية كانت عبور بحر المانش “القناة الإنجليزية” 6 مرات، 3 منها سباق تتابع. وكانت إحدى مشاركاته باسم الجامعة العربية، وكذلك مشاركة باسم المملكة.
وشارك 7 مرات في سباق من جزيرة كابري إلى نابولي، وفي سباق محترفين في كندا، وواصل رياضته الدولية حتى بلغ سن الـ 27 ليبدأ مستواه في التراجع.
بحر المانش
أول محاولة لعلوي مكي في عبور بحر “المانش”؛ كانت سنة 1975م، وفيه هذا السباق أحرز المركز الثالث للمحترفين، والمركز الأول للهواة. وقطع المسافة في أكثر من 14 ساعة. لكن أفضل سباقاته كان سنة 1977، حين حقق رقماً قياسياً هو 8 ساعات و 52 دقيقة.
في 1980؛ خاض المشاركة الأخيرة في بحر “المانش”، وواجه صعوبة شديدة مع ارتفاع الموج. وقبل 70 متراً من وصوله إلى الشاطيء الفرنسي؛ أجبره المنظمون على قطع السباق، بعد تأكدهم من وجود تهديد لحياته.. كان علوي مكّي يسبح في اتجاه حيد صخري خطير.. ولو حمله الموج وألقى به في اتجاهه؛ لحدث ما لا يُحمد عُقباه..
سر الطبقة البيضاء
مياه “المانش” باردة جداً، وتنظيمها صارمٌ للغاية. وقال علوي مكي إن أطول مدة قضاها قاطعاً البحر الفاصل بين فرنسا وبريطانيا هي 14 ساعة متواصلة. وسط هذا الغمار؛ كان يتلقّى الطعام بواسطة عصا للمركب المرافق، سائل حار فيه غذاء سائل أيضاً. حتى لمس العصا غير مسموح، وقد يخسر المتسابق الفرصة لو لمس العصا ثلاث مرات.
شعور الانسحاب
طيلة مشاركاته لم يخطر على باله يوماً أن ينسحب.. لكنه قد يتعب ويفتر قليلاً.. وذات سباق؛ خاطبه مدربه المصري علي البيك بقوله ما معناه إن 37 ألف إنسان في صفوى ينتظرون فوزك، فعاد إليه نشاطه، وواصل.
حظي علوي مكي باحترام المجتمع الرياضي في المملكة، كواحد من أبطالها. وكرّمته الرئاسة العامة لرعاية الشباب، على يد رئيسها الراحل الأمير فيصل بن فهد، رحمه الله. كما كرّمه نادي مدينة “الصفا”.
مع الراحل الأمير فيصل بن فهد