عبدالخالق] روح وثّابه وقلم شجاع 1964 – 2024م
وسام السبع
رُزئت بخبر وفاة الصديق الأستاذ الكبير عبدالخالق بن عبدالجليل الجنبي (1964 – 2024م) ضحى يوم الثلاثاء 16 يناير 2024م، بعد معاناة طويلة مع المرض، وكنا أصدقاءه ومحبيه على وجل لأسابيع طويلة نتابع تطورات وضعه الصحي المتدهور بقلق تزايدت وطئته على النفس بعد تبادل الأصدقاء خبر الانتكاسة التي تعرض قبل أيام وطلب أسرته من محبيه الدعاء له، إلى أن باغتنا الخبر الحزين، بعد أن أحكم النزيف الدماغي قبضته على جسده الواهن، فرحل مخلفًا حزنًا موجعًا في قلب كل من عرفه عن قرب أو قرأ له أو استمع لمشاركاتها في الندوات والمحاضرات التي كان يلقيها من حين لآخر.
قبل نحو شهرين من النبأ الحزين، طرح الأستاذ زكي الصالح أحد مثقفي العوامية، مبادرة العمل على إعداد مهرجان تكريمي للأستاذ الجنبي، وفاءً لحق الرجل على تاريخ المنطقة وتراثها الأدبي وإرثها الإنساني، وقد تلقفها الأصدقاء بحماسة واستحسان، فتجاوبوا معها، لكأن هذه الدعوة أيقظت رغبة كانت كامنة في عقول وصدور أصدقاء الجنبي وعارفي حقه ومكانته، ولم تكن تحتاج إلا إلى من يجاهر بها. بدأت التحضيرات لهذا الحدث، وفوتحتُ من قبل أعضاء اللجنة وعرض عليّ الصديق الأستاذ نزار آل عبدالجبار المساهمة بكتابة مقالة عن الأستاذ الجنبي فأبدت استعدادًا للتعاون في كل ما يطلب مني. أما وإن فقيدنا الكبير قد رحل إلى جوار الله وعفوه، فإن أمر استعجال الاحتفاء به بات يكتسب ضرورة مضاعفة الآن، ذلك أن شخصيات بوزن الجنبي وفي مكانته العلمية تبقى خالدة بعطاءها الكبير، ومؤلفاتها الغزيرة وذكرها العاطر وأثرها الجميل.
وقد شرفت بمعرفة الراحل ونلت من صداقتي معه فوائد جمّه، أدناها علمه الغزير وثقافته الموسوعية وتضلعة العجيب في تاريخ المنطقة، وقدّر لي أن أشاركه في رحلة علمية بحضور المؤتمر السنوي الدولي الثاني لحفظ التراث المخطوط وإحيائه، والذي أقامته العتبة العباسية المقدسة – المكتبة ودار المخطوطات في جمهورية العراق بمدينة كربلاء المقدسة بعنوان “التراث المخطوط فكر وحضارة” في الفترة 4، 5 أكتوبر 2015م. وكان الأستاذ الجنبي محور اهتمام الباحثين العراقيين والايرانيين والباحثين من الوفود الدولية المشاركة، وكم انعقدت حلقات علمية ثرية وممتعة على هامش المؤتمر، وساهم ذلك في ترسيخ اسمه كواحد من أبرز المؤرخين المتخصصين في تاريخ وأدب إقليم البحرين القديم.
وأعتقد بأن الأستاذ الجنبي، تميز عن غيره من الباحثين بنبوغه الحاد، وثقافته الموسوعية الشاملة، وقدرته على معالجة أعقد المسائل التاريخية متسلحًا بالأدوات العلمية والمنهجية الرصينة، ومستعينًا بكل ما تقع عليه عينيه من مصادر ومراجع حول الموضوع الذي يدرسه، ولم يكن يطمئن في بحوثه على كتابات الباحثين، بل كثيرا ما استعان في بحوثه على الزيارات الميدانية مستعينًا بالآثار والمواضع لكي يقول كلمته الحاسمة في أي موضوع يدرسه. هذا ما ظهر في أغلب كتبه، خصوصًا في كتابه (هجر وقصباتها الثلاث)(قبر الآجام)، و(جِرّة مدينة التجارة العالمية القديمة)، وفي عمله البديع (الديوان المصور لشعر علي بن المقرب) فضلاً عن الغوص في كتب الأدب والتاريخ والجغرافيا.
ورغم اتساع مروحة الاهتمامات التاريخية للجنبي، وكثرة ما خاض من معارك قلمية في مسائل شائكة ومواضع مختلفة، إلا أن موهبته وقدراته البحثية برزت بأوضح ما يكون في في عملين اثنين: دراسته التأسيسية للتشيع في اقليم البحرين القديم، بنحوٍ بات معه كتابه الذي وضعه بهذا العنوان مرجعًا مهما لكل من يحاول أن يدرس في هذه الموضوع، وقد أفدتُ شخصيًا من هذا الكتاب القيّم، عندما بحثت في أطروحتي الجامعية عن تاريخ المدارس الدينية في البحرين في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجري.
أما العمل الثاني، فهو شرحه الفريد لديوان ابن المقرب العيوني، والذي أظهر فيه قدرة أدبية مذهلة ودقة في تحقيق الديوان وشرحه، وربما يدهش القارئ أن يعلم بأن هذا العمل الذي يقع في سبعة مجلدات، ارتكز على اثنين وعشرين مخطوطة للديوان! وقد حظي بثناء عاطر من علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر، في تفصيل اشار اليه في مقدمة العمل. والذي أعرفه أن الاستاذ الجنبي استطاع بعصاميته ودأبه البحثي، وموسوعيته أن يفرض احترامه على المؤسسات العلمية التي تسابقت لتقديم عروض التعاون العلمي معه، وكسب عضويته في اللجان الاستشارية لعدد من المجلات المحكمة في العراق. كما أن تعاونا ثقافيًا بدأت بوادره تظهر قبل سنوات مع مؤسسات علمية في الداخل والخارج.