ذوبان الجليد يهدد 44 مدينة ساحلية حول العالم بالغرق هبوط الأرض 65.4 متراً يُشرد أكثر من 650 مليون إنسان
وسائل اعلام: صُبرة
نشرت شبكة CNBC الأمريكية تقريراً مطولاً عن مخاطر ذوبان القمم الجليدية القطبية، وطبقات ضخمة من الجليد والثلوج مساحتها تغطي القارة القطبية الجنوبية، وجرينلاند، وأجزاء من كندا وروسيا.
وحسب التقرير، فإن انفصال هذه القمم الجليدية أمر طبيعي، ومتوقع حدوثه في أي وقتٍ نتيجة عوامل طبيعية تتأثر بالاحتباس الحراري والتغيّر المناخي.
ويؤكد العلماء أن ذوبان الجليد في القطب الشمالي وانفصاله عن الأنهار الجليدية أمر متوقع، لكن معدل ما يراكمه هذا الانفصال يفوق ما يمكن أن ينتجه موسم جليدي وثلجي جديد كامل في القمم الجليدية، وفق تصريحات عالم الجليد والأستاذ المشارك في علوم نظام الأرض في جامعة كاليفورنيا ماثيو مورليجيم لموقع inverse.com.
لكن التحذير من هذه الظاهرة الطبيعية، لا يعني إثارة الذعر في العالم، لأنها لن تحدث في وقت قريب، بل ستستغرق أكثر من قرن من الزمان حتى تذوب القمم الجليدية القطبية بالكامل. يضع بعض العلماء تاريخاً لهذا التحول الكبير والخطر في القمم الجليدية هو عام 2121.
إذن، لن يحدث ذلك في عصرنا الحالي، بل ربما بعد أكثر من 100 عام، وقد يستغرق الأمر آلاف السنين، وفقاً لمورليجيم.
لكن من المفيد طرح هذا السؤال؛ فالعالم لن ينتهي في عام 2121، لكن إذا ذابت الجبال الجليدية في جرينلاند، التي يغطي الجليد معظم مساحتها، سيرتفع مستوى سطح البحر عالمياً بمقدار 7.4 متر.
وإذا انهارت جبال القارة القطبية الجنوبية “أنتاركتيكا”، التي سماها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بـ”العملاق النائم”، وهي القارة المهمة لفهم كيفية عمل الأرض، سيرتفع البحر 58 متراً أخرى.
ودعا الأمين العام الدول إلى “التحرك الآن للحدّ من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية، وحماية الناس من الفوضى المناخية، وإنهاء عصر الوقود الأحفوري”.
في هذه الحال ستكون نسبة ارتفاع مستوى البحار 65.4 متر، الأمر الذي يعني غرق مدن ودول بكاملها تحت سطح البحر وربع هذه الكمية فقط سيكون كافياً لإغراق معظم المدن الساحلية في العالم وتشريد أكثر من 650 مليون شخص.
والمياه المرتفعة لن تتوزع بالتساوي على البحار في العالم بفعل جاذبية الأرض. على سبيل المثال، سينخفض مستوى سطح البحر حول غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية، لكنه سيرتفع في باقي المناطق.
سيناريو الانفصال الجليدي هذا، سيؤثر على حوالي 40% من البشر الذين يسكنون على بعد 70 مترا من ارتفاع المد. بشكل عام، فإن تكلفة هذا الذوبان وارتفاع مستوى سطح البحر تبلغ تريليون دولار لكل متر من مستوى سطح البحر، أي حوالي 65 تريليون دولار.
وهذ المبلغ يشمل خسائر محو واختفاء دول وشعوب وثقافات، من بينها جزر المحيط الهادئ، عن وجه الكرة الأرضية.
وأخطر تداعيات الانهيار الجليدي سيكون تلوث المياه الجوفية. فإذا ارتفع مستوى سطح البحر، ستتسرب المياه المالحة إلى احتياطيات المياه الجوفية في الطبقات الداخلية. لذلك، إذا كان هناك من يعتقد نفسه آمناً من الغرق فقد تتلوث المياه الجوفية التي تستخدم للري والشرب.
الدورة الحرارية الملحية قد تتأثر أيضاً، أي ما يسمى “الحزام الناقل العظيم”، وهو ينقل الحرارة من خط الاستواء إلى خطوط العرض الأعلى. وتباطؤ الدوران بدأ بالفعل لأنه يتم وضع الكثير من المياه العذبة في القطب الشمالي، وفقاً لتصريح عالم الجليد وعلوم الأرض ماثيو مورليجيم.
في حال حدوث هذا الأمر سيتوقف تدفق الخليج. وأوروبا ستكون أولى الضحايا، وسيتحول طقسها إلى بارد وجليدي على غرار مونتريال. وستنخفض درجات الحرارة ما يُشكل ما يُسمّى العصر الجليدي المصغر.
ليس هذا كل شيء، فهذه الحركة الأرضية الضخمة ستبث المواد الكيميائية السامة في الصفائح الجليدية وفي بعض الأنهار الجليدية الجبلية في جبال الهيمالايا، على سبيل المثال.
في هذا السياق، يقول مورليجيم “نحن نعلم أن هناك مواد كيميائية مثل مادة الـ DDT، التي ثبت تسببها بالسرطان البشري، وهذا أمر مقلق لأن هذه المواد الكيميائية ستتسرب إلى الأنهار ومياه الشرب”.
يُذكر أنه خلال الحرب الباردة، كانت هناك قاعدة عسكرية في شمال جرينلاند تسمى “معسكر القرن”. في ذلك الزمن تمّ إلقاء مواد كيميائية سيئة بكميات ضخمة. ودفنت مواد مشعة تحت الجليد، الأمر الذي يجعل ذوبان الجليد أمراً شديد الخطورة على الأرض والبشر.
قد يكون الجليد البحري الجزء الأكثر تضرراً من الغطاء الجليدي، وقد يصبح المحيط المتجمد الشمالي خالياً من الجليد كل صيف، وفي هذه الحال، ستمتص مياه القطب الشمالي كمية أكبر من حرارة الشمس التي تسطع خلال الساعات الأربع والعشرين في الصيف، ما يسرّع ذوبان التربة الصقيعية والغطاء الجليدي في جرينلاند، بحسب ما جاء في دراسة أعدتها المبادرة الدولية للغلاف الجوي والمناخ.
وذوبان التربة الصقيعية هو خطر كبير آخر لأنه يطلق ثاني أكسيد الكربون والميثان، وهي انبعاثات تساهم في الاحترار العالمي. والمعروف حاليا، أن الجليد البحري في القطب الجنوبي عند أدنى مستوى له على الإطلاق.
وتشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أنه في شهر سبتمبر من العام 2023، كانت مساحة الجليد البحري أقل بمقدار 1.5 مليون كيلومتر مربع من المتوسط لمثل هذا الوقت من العام. وتعادل هذه المساحة تعادل تقريباً مساحة البرتغال، وإسبانيا، وفرنسا، وألمانيا مجتمعة.
من التأثيرات الأخرى المثيرة للاهتمام، أن ذوبان الجليد يؤثر على دوران الأرض. وهذا ما قد يُغير مدة اليوم. فالصفائح الجليدية التي تقع حول القطبين، قريبة جداً من محور دوران الأرض. وحين يذوب هذا الجليد، ستنساب مياه الأرض، بعيداً عن محور الدوران. الأمر الذي سيقود إلى بطء دوران.
ويعتقد العلماء، أنه رغم صعوبة تخمين طول مدة اليوم، لكنهم يتوقعون أن يكون أطول بـ 10 أو 20 ثانية في اليوم الواحد.
وقد تحدث تقرير نشر مؤخرا على موقع “فيز دوت أورغ” (phys.org) عن احتمال غرق 44 مدينة ساحلية كبرى مكتظة بالسكان على مستوى العالم، ليس بسبب تغير المناخ فحسب، ولكن بسبب هبوط الأرض الناتج عن أعمال الحفر في آبار الغاز والبترول والمياه الجوفية، بالإضافة إلى الضغط الشديد الواقع على الأرض من تأثير وزن المباني الهائل فوقها.
وفي إطار تعاون مشترك، استخدم باحثون في جامعة “نانيانغ” التكنولوجية في سنغافورة ومختبر الدفع النفاث التابع لوكالة ناسا والمعهد الفدرالي للتكنولوجيا في زيورخ وجامعة نيوميكسيكو في أميركا؛ رادارا فضائيا لقياس درجة هبوط الأرض في 48 مدينة ساحلية حول العالم؛ من بينها ليما في البيرو، ولاغوس في نيجيريا، والإسكندرية في مصر، وإسطنبول في تركيا، وبانكوك في تايلاند، ولندن في بريطانيا، وهذه الدراسة قد تساعد في الحد من الآثار المحتملة للفيضانات الساحلية في العقود القادمة.