جعجعة تنموية 1] أصوات العمل..؟ أم أصوات العاملين..؟
د. نايف الدبيس
التنمية اليوم أمست محور الرؤى الوطنية منذ إعلان الأهداف التنموية في الأمم المتحدة، وعددها ١٧ هدفاً. وفي المملكة العربية السعودية تم ربط الأهداف بكل وزارة من وزرات الحكومة وكل تلك الأهداف وما انتظم حولها من أعمال وزارية يمثل الهيكل للرؤية الوطنية التي تريد أن تصنع – وقد بدأت تصنع – تحولاً وطنياً ظهرت ملامحه في قطاعات عديدة.
جزء من المسؤولية التنموية أسند للقطاع غير الربحي متمثلاً في الجمعيات والمؤسسات الأهلية. وإن جمعياتنا الأهلية تيقظت لذلك وبدأت بالحديث عن ملف التنمية بعناوين عديدة يأتي في مقدمتها: التحول من الرعوية إلى التنموية. ومن المهم أن نلاحظ: تحول + تنموية.
نما ينمو نمواً، نمـّــى يُنــمـّـي تنمية، تكون هذه العملية، وهي متعددة الخطوات، حيثما نجد ما يمكن له النمو والإنماء والتنمية، ونجد في ذات الوقت من لديه القدرة على توفير أسباب النمو ورعاية العملية التنموية أو الإنمائية. فعلى كل مؤسسة تتصدى للتنمية أن تعرف وتعي جيداً خصائص ما هي مقبلة على تنميته، وبالتالي العوامل اللازمة لنجاح عملية التنمية.
جمعيات محافظة القطيف عريقة. سبقت معظم الجمعيات الأهلية في المملكة، وعمر معظمها تجاوز نصف قرن.
ولست أدري هل تبقى هذه الحقيقة صفة إيجابية أم أنها أمست إرثاً ثقيلاً ينوء بحامله. اعتادت الجمعيات على مسارات عمل وأولويات عمل وأساليب عمل ربما كانت ناجعة في القرن الماضي، ولكننا على طريق سريع منذ أن أشرقت الألفية الثالثة. طريقٌ المتباطئ فيه تدوسه المتغيرات المتلاحقة المسرعة وتضعه في موقف مقلق جداً، بل تهدد وجوده.
مثــّلت الجمعيات الأهلية صمام أمان للمجتمعات التي كانت تخدمها في سياق الاحتياجات المنبثقة من طبيعة كل مجتمع في زمانه ومكانه. فهل تغيرت جمعياتنا بما يكفي لتظل قائمة بدورها تجاه مجتمعاتها وناسها بكل ما يحملونه من ملفات كبيرة متعددة التحديات واحتياجات تنبثق عن ظروف هذا الزمان؟
إلى أي حد تقدمت جمعياتنا العريقة اليوم في مقارنة بالجمعيات والمؤسسات الأهلية التي يتمتع بوجودها الوطن العزيز اليوم، وقد تجاوزت -حسب المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي- ٤٠٠٠ جمعية ومؤسسة؟
هل تفوقت جمعيات حديثة لا يتجاوز عمرها ٥-١٠ سنوات على جمعيات عمرها فاق الخمسين؟
لماذا تفوقت الجمعيات والمؤسسات الحديثة؟
ما هي النجاحات التي ينبغي أن يشار إليها في هذا الزمن بما يتناسب مع التحول من الرعوية للتنموية..؟
ما هي التغيرات البنيوية والعملياتية التي تتناسب مع “التحول”..؟
ما هي المؤشرات الحقيقية والعملية التي تدلل على التقدم التنموي في الأداء وفي النتائج على حد سواء؟
لمجالس الإدارات والقيادات التنفيذية في جمعياتنا الأهلية، يا أيها الذين تنوبون تنموياً عن نصف مليون سعودي وسعودية يعيشون في محافظة القطيف:
- ما هي التغيرات والمؤشرات التي تجعل الناس في مجتمعاتنا المحلية تطمئن على سلامة المسير التنموي؟
- ما هي علامات ودلائل التغيير النوعي والكمي التي تنبئ عن وعي بمتطلبات التحول للتنموية وتحقق الاقتدار التنموي للأجهزة التنفيذية في جمعياتنا الكريمة؟
- ما هي سياسات ومحددات الإنفاق التنموي وخارطة الأولويات التنموية الموزعة على خط الزمن ربع سنة تلو ربع سنة وسنة تلو سنة ودورة إدارية تلو الأخرى، التي تثبت للناظر والمتفحص لأحوال الجمعيات أن ثمة طحين لا جعجعة فحسب؟ هل أولوياتكم نوعية حسب المجال (اقتصادي-اجتماعي-تعليمي-صحي-غيره) أم حسب فئات المجتمع (الشباب-كبار السن-النساء-أطفال-الفقراء-الأرامل- غيره) أم ماذا؟ بالله أخبرونا. هل تمشون وفي أيديكم بوصلة والاتجاه محدد؟ أين هي البوصلة؟ كم هو التركيز الذي تلتزم به القيادات لتحقيق الأولويات؟
- هل نرى تغير في عملية ضم وانضمام الكفاءات من الشباب الأقوياء الأمناء والمتقاعدين الحكماء ذوي المعارف والخبرات ذات الصلة بالبرامج التنموية؟ وما هي آلية الجذب لكل هؤلاء وكذلك آلية الإبقاء والحفاظ عليهم، وهل تم تنفيذها أم لا، وإن كان لا فلمَ؟
- هل نرى شفافية منهجية تسمح للتشارك المجتمعي في إدارة الشأن الاجتماعي في قالبه التنموي الجديد أم لا زالت حليمة على عاداتها القديمة؟ ما هي معوقات التقدم التنموي في الأداء وفي النتائج، في الهيكل الإداري وفي الموارد البشرية والمالية، أخبروا الناس حتى يتلمسوا مسؤولياتهم عندما يرون ما يجري فعلا في أرض الواقع.
- هل نستخدم ذات الأساليب ونتوقع نتائج مختلفة؟ هل يمكن حل مشكلات اليوم بأدوات الماضي؟
إن كان الجواب كما ينبغي أن يكون، والحال يسركم ويسر الناظرين، فبها ونعمّت، ولا يكون مقالي هذا إلا تأكيد المؤكد وإضاءة مصباح في يومكم المشمس. أما إن كان خلاف ذلك فليكن مقالي شمعة صغيرة موضوعة بين أيديكم الكريمة.
للتنمية عمليات عديدة ويلزم لهذه العمليات بنى تحتية، فهل توفرت؟ المعرفة رأسمال حرج لا يقل عن الرأسمال البشري فهل توفرا؟ ولكل هذه المنظومة حاجة ماسة إلى إدارة بفعالية، وعقلية مختلفة فهل توفرتا؟ البنية والتكوين الذي استقرت عليه منظومات الجمعيات الأهلية بالمنطقة في القرن الماضي يتطلب تحديث هائل سريع وفعال لتكون المنظومة صديقة للتنمية بما حددته الرؤية الوطنية وإلا فإن البنى القديمة أليق بأن تكون مزاراً تاريخياً لا منصة بناء تنموي نشطة تتعالى فيها أصوات العمل قبل العاملين.
وإن لم يكن هذا (منصة بناء تنموي) ولا ذاك (مزار تاريخي)، إذن ستظل الجمعيات مجرد مستودع تبرعات وحساب بنكي له وارد ومنه صادر، وتقول للتنمية: لا مساس.
نحتاج إلى منصات بناء وعمل تنموي تتعالى فيها أصوات العمل قبل العاملين.
للحديث صلة.. غداً
من هو الدكتور نايف الدبيس..؟