جعجعة تنموية 2] بُنى تحتية واختبار قدرات تنفيذية لماذا تُحجب الخطط عن الجمعيات العمومية..؟ ويمارس عضو المجلس شؤوناً تنفيذية...؟
الدكتور نايف الدبيس
العام ٢٠٣٠ على مرمى حجر. يراد للقطاع غير الربحي على المستوى الوطني أن يقفز إسهامه في الناتج القومي من ١٪ إلى ٥٪ عند تلك اللحظة.
اتخذت حكومة المملكة العربية السعودية مسار جاد لتحقيق ذلك وتولت أمره وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية وتم تأسيس المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي قبل ٥ سنوات (لاحظ كلمة “تنمية” في اسم المركز ثم انظر ما قام به منذ لحظة إسناد أعماله إليه لكي نتبصر معنى التنمية في أحد تجلياته الوطنية) وأصبح هذا المركز هو المرجع الإداري المباشر الذي يحكم عمل الجمعيات الأهلية منذ يناير ٢٠٢٣. وكذلك تم إطلاق منصة مكين التي تعنى بحوكمة القطاع غير الربحي بكل مكوناته١. ولسوف يجد الباحث في هذه المنصة الكثير من التغيير الإداري الذي سوف تفرضه الحوكمة على أداء إدارات الجمعيات.
كذلك صدرت اللائحة التنفيذية الجديدة في فبراير ٢٠٢٣ لتنظيم عمل الجمعيات الأهلية وتلا ذلك أدلة استرشادية لتحديث اللوائح الأساسية للجمعيات.
وفي ذات السياق انطلقت المنصة الوطنية للتطوع لتوثيق كل الأعمال التطوعية التي يعلن عنها كفرص ويتم التقديم عليها والتسجيل فيها واعتماد تحققها وفق آلية نظامية.
وأخيراً وليس بالأقل أهمية، تم تدشين المنصة الوطنية للمسؤولية الاجتماعية في مارس ٢٠٢٣ لتكون هي حاضنة الفرص التنموية التي تعلن عنها الجمعيات الأهلية في المملكة ليتم التقديم عليها وتمويلها من قبل مؤسسات وشركات القطاع الخاص التجارية. كل ما ذكر يمثل النظام البيئي الذي وجدت جمعياتنا نفسها تعيش فيه.
أدبيات الحوكمة
بالتدرُّج وبالتتابع بدأت تحضر أدبيات الحوكمة ومصطلحاتها في لغة العمل اليومي واللغة الإعلامية للجمعيات بالقطيف. وبدأت في الحديث والنشر الداخلي لمقتضيات الحوكمة. ما هو مستوى الامتثال الذي تحققه اليوم جمعياتنا؟ ذلك أمره مرده إلى الجهة التي تقوم بتقييم الامتثال لقواعد الحوكمة والمعايير الأساسية الثلاثة:
- معيار السلامة المالية
- معيار المساءلة والشفافية
- معيار نشر النتائج
ولكل معيار مؤشرات عديدة.
ويمكن من خلال تتبع أحوال وأخبار الجمعيات في مواقعها الالكترونية وما تم نشره من هياكل عمل ولجان وأسماء معلنة للموظفين والمتطوعين، وما ورد في قسم الحوكمة بالمواقع الالكترونية أن ثمة تفاوتاً وفجواتٍ.
وليس هو بالسر ليذاع. بل إن المركز الوطني وفي تقاريره يبدو مدركاً لهذه الفجوات وينظر إليها كملازمة لتعلم المنظمات ومسيرة التغيير، ويحث الخطى على سد الفجوات التأسيسية والتطبيقية والتقييمية وبالتأكيد سنرى مُهلاً تُحدد لاستيفاء ما يلزم وسد الفجوات. من ذلك على سبيل المثال: توظيف مدير مالي مستقل لا عضوية له في مجلس الإدارة وعدم إسناد مهام تنفيذية لأعضاء مجالس الإدارات.
هذه البيئة الناظمة لعمل الجمعيات والتحول الإداري الذي تفرضه الحوكمة مضافاً للتحول الأهم: من الرعوية للتنموية، مثّل ـ وما زال يمثل ـ التحدي الأبرز والاختبار الأكبر للقدرات التنفيذية لكل الجمعيات. برأيي إن مواضع الاختبار هي كما يلي:
- خبرة ودراية المدراء التنفيذيين بالجمعيات وقدراتهم القيادية
- العقلية الحاكمة على مجريات الأعمال، (ما مدى المرونة فيها للتغيير؟)
- مدى تدخل مجالس الإدارة – وهم بالعادة متغيرون وليسوا ذوي خبرات متناغمة مع أعمال القطاع غير الربحي وتنظيماته- في عمل الطواقم التنفيذية -وهم بالعادة أثبت على مقاعدهم، بغض النظر عن كفاءتهم- (هل هناك فصل بين السلطات يمنع عرقلة الأداء الاحترافي؟)
- عدد العاملين تحت المدراء التنفيذيين ومستوياتهم العلمية ومدى التخصصية الأكاديمية، من موظفين ومتطوعين وقدراتهم الإدارية ذات الصلة
- البنية الرقمية وجودة إدارة المعرفة والبيانات
- التخطيط المبني على الأبحاث والدراسات، (هل لدى أي جمعية مركز أو وحدة أبحاث ودراسات؟)
- المخصصات المالية لدعم التحول (كم ٪ التمويل لهذا التحول من الميزانية؟)
- الوعي بجدية التهديد الذي يمثله عدم تطبيق الحوكمة والتحول التنموي
إن الامتثال الجوهري للحوكمة وبروح معاييرها لهو قاعدة كبرى لتمكين الجمعيات من النهوض والقفز للمستوى الحديث المعاصر الذي يضعها في مرأى القيادات الوزارية وتحفيز جدارتها لتصل لمواقع اعتمادها لمشاريع حكومية فلقد نشر المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي دليله الارشادي لإسناد الخدمات الحكومية للجمعيات!
خطط وخرائط
نشرت بعض الجمعيات الأهلية بالقطيف في مواقعها الالكترونية خططاً وخرائط استراتيجية تثير الأمل فيمن يطالعها على الأقل من حيث الإشارة إلى وعي متطلبات المرحلة الراهنة، إلا أن المسار الزمني منذ صدور تلك الخرائط حتى الساعة ينبئ عن سير مجهول لم تظهر إفصاحات رسمية عنه، ولا تقارير رسمية عن مدى التقدم في تحقيق ما ورد من عمليات تدفع باتجاه الأهداف المحورية المعلنة في تلك الخرائط.
وهذا ـ في حد ذاته ـ ينبئ عن تأثير القدرات التنفيذية غير المواكبة لحجم العمل اللازم لترجمة الخطط الاستراتيجية.
إن الإفصاح الحقيقي عن أحوال هذا الطريق ـ طريق ترجمة الخطط لنتائج ملموسة ـ وما يلاقيه العاملون فيه، برأيي هو أسرع أسباب القيام من التعثر. يتراوح عدد أعضاء الجمعيات العمومية حسب المنشور في مواقع الجمعيات الأهلية بالقطيف بين ٢٠٠-٨٠٠ فلم لا تتم مشاركتهم تقارير عن تطبيق الخطط الاستراتيجية؟
كذلك أتساءل عن سبب عدم الإعلان عن الخطط التشغيلية السنوية التي تمثل مؤشراً أساسياً لجودة العمل الإداري في أي منظومة ومرجعاً لقياس التقدم المبني على مؤشرات قابلة للقياس، بعيداً عن الأحكام الجزافية من هذا أو ذاك. أ ليس كذلك؟
هدف الرؤية
كما أن الرؤية الوطنية وضعت هدفها لمضاعفة إسهام القطاع غير الربحي خمس مرات حتى ٢٠٣٠، نحن على المستوى المحلي نتساءل:
أين ستكون مجتمعاتنا في ٢٠٣٠..؟
وكم ضعفاً ستتضاعف القدرات التنفيذية لطواقم عمل الجمعيات الأهلية لكي تضطلع بواجباتها التنموية وتتضاعف النتائج التنموية وتتشكل تلك اللحظة في حياة الأغلبية الشابة التي من المفترض أنكم تعملون من أجلها؟
ما هي آخر دراسة او مسح ميداني تلمسنا خلاله رأي وتطلعات هذه الأغلبية؟
وفي حياة الفئات التي هي محور عملكم لعقود (الفقراء وذوي الدخل المحدود الأيتام والأرامل) ما هي القفزة التنموية المنتظرة لهم؟
أيها الأحبة،
لا يمكن إنكار أن ثمة من يعمل وثمة عمل، ولكن الواقع لا يعرف إلا لغة النتائج وليس ذلك فحسب، بل النتائج السريعة. وليس أي نتائج سريعة، بل تلك التي يمك أن يقال عنها: تنموية! والنمو محكوم بالأرقام، فكم درجة نمو كل محور استراتيجي وكل نشاط خدمي وكل برنامج وكل عملية.
لا يكوننّ عملنا جعجعة بلا طحين
في أحد الجمعيات العريقة والتي كانت الأسبق والأنبه إلى صوت الناس واحتياجاتهم في زمن مضى، تم تقديم برنامج عمل -في سياق الانتخابات- وذُكرت فيه عناوين تنموية بما أوحى للمتابع أن راية التنمية سوف ترتفع خفاقة، نتساءل اليوم ونرجو منكم ومن قيادة كل جمعية أهلية، تزويدنا بالتقرير التنموي عن الأداء التنموي ليطمئننا عن سلامة المسير التنموي وحسن المصير التنموي.
ــــــــــــــــــ
https://makeen.mlsd.gov.sa/about/87١
لمراسلة الكاتب: dr.naif.dubais@gmail.com
اقرأ الحلقة السابقة
من هو الدكتور نايف الدبيس..؟
تمخض الجبل فولد فأراً ،، هكذا يقول المثل .
والجمعيات العريقة وظّفت بعض الأدوات للتسويق لإدارتها المتتالية حتى لاتتحرك الكراسي وتسقط الأقنعة في قبضة إحكام المركز الوطني !
ولكن قبضة الإحكام كانت أقوى من تكلسات اللوبيات فبدأت تتساقط ورق التوت لتظهر لنا مسلسل جعجعة بأرقامها .
فالنمو قائم في هذه الجمعيات إلى حد الشيخوخة، ولكن التنمية أصعب مايكون عليها ، والفرق بينهما جوهري .
تحياتي ،،
تساؤلات هامة جداً جداً في نهاية الجعجعة…
وأضيف…
أن تكون في جمعية اجتماعية تنموية فأنت محل تكليف وليس تشريف…
فهل تعي قيادات ورؤساء المجالس والعاملين أهمية التساؤلات المطروحة…؟!
في جعبتنا الكثير…