إلى طليقة أخي الجاحدة: أطفالك الأربعة في حضن أمّ بديلة 3 أطفال ورضيع فقدوك في ليلة مظلمة.. لكنّ حياتهم صارت مضيئة

سيهات: معصومة المقرقش 

«رحيل الأم بكامل إرادتها» صدمة كبيرة في حياة الأبناء.. فكيف إذا كان هذا الرحيل رحيلاً أنانياً لا رجعة فيه، ولا مبرر له غير الرغبة في التضييق على حياة شابة للتو شاهدت الحياة، وتنفست رائحة الاستقرار، وجدت نفسها فجأة وبلا مقدمات أماً تتحمل كامل العبء والمسؤولية في تربية أربعة أطفال، وفجأة أيضاً وجدت نفسها مخيرة بين تربيتهم أو الابتعاد عنهم لتأسيس حياة زوجية… 

الحكاية بدأت منذ 14 عاماً تقريباً، وتحديداً في إحدى ليالي الشتاء الباردة قررت زوجة أخي الرحيل عن أطفالها الأربعة، 3 ذكور وفتاة، وهم نيام جميعاً يتدثرون لحافٍ واحد في غرفةٍ واحدة كانت دافئة بدفء صدرها وحرارة أنفاسها، ولكنها لم تعدّ كما كانت بمجرد أن أغلقت باب الشقة جارّة حقائبها الكبيرة من خلفِها.

رحيل مفاجئ

رحلت زوجة أخي دون وداعٍ لأطفالها، بعد أن أرسلت رسالة قصيرة جداً على جوال أخي كتبت فيها: “طلعت من الشقة لبيت أبوي.. لا تجي تدور علي”. جن جنون أخي الذي يقضي أربعة أشهر بعيداً عن عائلته في إحدى المناطق بدواعي العمل، وسارع بالاتصال بي ليسألني عن صحة رسالة زوجته؛ لأجيبه بأنني استيقظت على بكاء الرضيع الجائع، وقد بحثتُ عن زوجته في الشقة فلم أجدها، ولم أجد ملابسها حتى في الخزانة، استيقظ الأطفال الثلاثة يبحثون عن والدتهم ظناً منهم أنها اختبأت لتلعب الغميضة.

يتيمة 

هنا.. علمتُ أن زوجة أخي رحلت دون وداع، ودون عذرٍ واضح، وأنا عجزتُ بدوري عن أن أجد لها أسباباً، غير أني كنت أسال نفسي مراراً: كيف لأم أن تترك رضيعاً صغيراً دون حليب، دون دفءٍ في صباح بارد، هل كنتُ السبب في ذلك.؟ وجودي معها في شقةٍ واحدة أكان يزعجها؟ أين أذهب فما أنا إلا فتاة يتيمة الأبوين وعمري لا يتجاوز الـ20 عاماً.

أم بديلة..!

ولأن أخي لا يستطيع طلب العودة للمنطقة إلا بعد انقضاء مدة عمله، عهد إليّ برعاية أطفاله الأربعة حتى عودته ليجد حلاً لهذه المصيبة التي حلت على رأسه دون سابق إنذار، لكن هذه المصيبة ظلت فترة زمنية طويلة دون حلّ حتى انتهت أخيراً بالطلاق.

الخوف من الرحيل، والقلق عند الاستيقاظ من النوم كل يوم كان المسيطر على مشاعر الأطفال الثلاثة، لا ينفكون يسألونني وأنا أصحبهم للفراش. هناك أسئلة لا يملون من تكرارها كل ليلةٍ: هل سترحلين كما رحلت أمنا..؟”، هل ستلعبين الغميضة لتختفي..؟

الخوف يتحقق

وأثناء عودة أخي لقضاء فترة إجازته معنا، جاء من يخطبني منه، وكان سعيداً جداً وهو يزف إليّ الخبر، ولكني كنتُ في غاية الحزن والاشفاق عليه من البوح لما يعتريني من مشاعر سلبية حول الموضوع.

إحساسي لم يخب أبداً، واستحضرت أسئلة خوف الأطفال الثلاثة أمامي، حين جاءت أم العريس تستوضح أمر حضانتي للأطفال بعد زواجي من ابنها، مؤكدةً خلال حديثها أن ابنها لن يوافق على أن يسكن معي في بيت واحد في ظل هذه الظروف، خاصة أن الموضوع يتخلله تربية طفل رضيع يحتاج رعاية ومتابعة لشؤونه اليومية، وأن عليّ أن أسارع بتزويج أخي لأتفرغ لحياتي الزوجية الجديدة.

محاولة يائسة

ولأني أعلم جيداً أن لا أحد سيقبل بالزواج بأخي البعيد جسداً أربعة أشهر مع أربعة أطفال أصغرهم رضيع صغير، كما أنني لا أستطيع إخبار أخي بشرط أم المتقدم، لأنه ـ بكل تأكيد ـ سوف يختار سعادتي ويدعني أذهب لأؤسس حياة جديدة، توجهتُ لمحادثة طليقته التي رحلت دون أن تسأل كيف رضع رضيعها وكيف نام دون حضنها بعد صباح اليوم البارد، أسالها عن أحوالها لتجيبني أنها تستعد للزواج مجدداً، أدركتُ من كلامها أن لا مجال لعودتها لصغارها، ورفضت الزواج من العريس أنا بدوري.

الرضيع يكبر

مرت السنوات سريعاً، حتى أن الرضيع الصغير بدأ يستعد لدخول الروضة، وأنا على حالي سعيدة وراضية بما قسم الله ليّ من حياةٍ، متفننةً بكل أنواع الفنون في دلال هذا الصغير الذي يناديني بماما، وتعلقت به روحي كثيراً، وتعلق بي أخوته أكثر الذين كبروا معي دون كدر وتنغيص، وجاء مجدداً من يطلبني للزواج.

مصارحة أخوية

في هذه الخطبة الجديدة صارحت أخي بمخاوفي من رفض الأطفال الأربعة لفكرة زواجي، مؤكداً ليّ أنهم كبروا وحان موعد زواجي فالعمر يمضي والخطاب بدأت تقل كثيراً، وأخبرني أنه قدم على عملٍ جديد في المنطقة ليكون قريباً من أطفاله، وقد يتزوج.

الفرحة ما تمت

الأطفال فعلاً كبروا ولمست ذلك عندما سعدوا كثيراً بخطبتي، وانتظرنا زيارة الخطاب، بعد أن رتبنا البيت وزيناه وملأنا خزائنه بأنواع الطعام والشراب، أسبوع .. أسبوعين .. ثلاثة.. شهر لم نجد أحداً يطرق بابنا ولا أخبار عن قبول أخي في عمل جديدة بالمنطقة، الفرحة تبدلت، والأحلام سافرت بعيداً، حزنت كثيراً حينها، وبكيت كما بكى أطفال أخي يوم رحيل والدتهم دون وداع.

لا بكاء على رجل

لم أبكِ يوماً لأني تأخرت عن قطار الزواج، لأني لم أتخيل وجه الفارس الذي سأطوف معه العالم؛ لانشغالي بالأهم في تربية أطفال أربعة ملأتُ حياتهم فرحاً وتخطيطاً للمستقبل، كما أنني لم أبكِ لأن العريس الذي وعدني أهله بالمجيء تخلف عن رؤيته الشرعية دون عذر.

بكيتُ لأن…

بكيتُ لأني شاهدتُ خيالات أطفالي الأربعة السعيدة تتلاشى كما تتلاشى الغيوم في السماء، وبكيتُ أكثر كطفلةٍ ضائعة وأنا أجمع قصاصات أوراقٍ كتبت بخط طفلتي الجميلة التي كبرت وأصبحت شابةً يافعةً أسماء المدعوات لحفلة خطبتي، وأخرى لأهم أجندات تجهيز الحفلة عدها ابن أخي الأكبر الذي بلغ السابعة عشرة من عمره.

رسالة شكر

طليقة أخي… الحياة لم تعطني بيتاً مستقلاً ولا زوجاً ولا أولاداً من بطني، ولكنها أعطتني أطفالك الذين شعرتُ معهم باليتم ومرارة فقد الأم وغياب الأب، كنتُ لهم أماً دافئة كدفئكِ، وقلباً معطاءً ليس كقلبكِ، شكراً لأنكِ ساعدتني لأكون إنسانة نافعة في المجتمع مضحيةً، وشكراً لأنكِ اعطيتني درساً مهماً في الأمومة الحقيقية مفادها: إن الأم هي التي من تربي وتسهر وتتعب وتضحي.. لا.. الأم التي تلد فقط.

خاتمة 

كثيراً ما تكون حقائق هذه الحياة مزيجاً من الدموع والابتسامات، وقد تكون النهايات عكس ما نرغب ونتمنى، ولكن تظل التضحيات من أجل استقرار حياة العائلة النفسية والاجتماعية بشكلٍ سليم وصحي هي النهاية التي نرغب في الوصول إليها متجاوزين كل العقبات والذكريات المؤلمة، وبعد كل هذه السنوات الطويلة التي عشتها في رعاية أطفال أخي توصلتُ لقناعةٍ تامة : “إذا أردت أن تصمد للحياة فلا تأخذها على أنها مأساة”…  

تعليق واحد

  1. الشره على اللي راح يتزوج هذه المرأة التي تخلت عن أبنائها .
    كيف يطمئن لبقائها و كونها سكنا لزوج قد يمرض في يوم من الأيام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×