حمار “المانعية” المستأجر ورّط مهدي الشماسي في مقطع تاروت قيمته 60 روبية.. ومات في الطين.. والسيد الخويلدي يبغى قيمته

القطيف: صُبرة

القصة تسرد واقعة نجاة من غرق في “المقطع”.. والمقطع هو المنطقة الفاصلة بين يابسة القطيف ويابسة جزيرة تاروت قديماً.

وقبل ستينيات القرن الماضي لم يكن هناك طريق يربط الجزيرة باليابسة. وكان الناس يعبرون “المقطع” مخاطرين وخائفين.

وحين وقعت الواقعة؛ تحوّلت إلى حكاية، ثمّ حوّلها شاعر ذو حس فكاهي إلى قصة شعرية. لكنّ حس الفكاهة تسبب في قطيعة بين الشاعر وصاحب القصة.

الآن؛ وبعد عقود طويلة على الواقعة والحكاية؛ صارت القصيدة الشعبية مصدراً من مصادر فهم طبيعة الحياة في القطيف، وجزءاً من ذاكرة علاقة جزيرة تاروت باليابسة الواقعة على ضفة القطيف.

نترككم مع القصة التي رواها المرحوم السيد علي العوامي، مع الاستكمال الذي قدمه الشاعر عدنان العوامي لـ “صُبرة”.

حمار الشمَّاسي([1])

«منصور محمد جواد الزاير: هو والد عبد الحميد الزاير([2])، وهو مُلاَّ: (خطيب، يقرأ في المآتم التي يُقيمها الشيعة لذكرى أهل البيت F)، ويُعرف عنه أنه شخص ظريف، وفكه، وهو شاعر شعبي، وقد اشتهرت قصيدته التي قالها راويًا فيها القصة التي حدثت للمرحوم الحاج مهدي الحاج ناصر الشماسي؛ عندما كان في طريقه إلى جزيرة تاروت، وكاد يغرق في البحر.

وخُلاصة القصة: أن الحاج مهدي المذكور كان ذاهبًا لجزيرة تاروت لتفقُّد قطعة نخل صغيرة هناك يملكها تُسمى (المانعيَّة)، وتقع قُرب سوق تاروت، وقد أُزيلت نخيلها، مؤخَّرًا، وأُقيم مكانها، والنخيل المجاورة لها، مساكن ودكاكين، ولا يزال هذا الحي يُعرف بـ (حيِّ المانعية)، وكان الطريق إلى تاروت، يومذاك، طريقًا بحريًّا، ولا يمكن المرور فيه إلا في حالة الجزر، ويتوقف المرور فيه في حالة المد؛ إذ تغطي المياه الطريق، ويُصبح الوصول إلى تاروت غير ممكن إلا عن طريق مرفأ دارين، بواسطة القوارب الصغيرة، كما أن هذا الطريق نفسه هو طريق شبه دائري، وليس مستقيمًا؛ لأن الطريق المستقيم مليء بالطين ولا يستطيع الإنسان أو الحيوان –  الحمير، وسيلة المواصلات التي يستعملها  الناس، يومذاك – لا يستطيعون المشي فيه.

المقطع

ومن هنا كان الذهاب إلى تاروت عن هذا الطريق – ويُسمى “المَقْطَع” – يحتاج إلى خبرة، ودراية حتى لا يتيه فيه أحد، ويذهب ضحية الوقوع في الطين، والوحل([3])، ومن ثَم يدركه الَمدُّ فيغرق، وقد كانت هناك علامات لإرشاد العابرين، موضوعة على طول الطريق، وهي قواعد من الجص والحَجَر، وفي وسطها عمود طويل من الكندل (والكاف تُنطَق بالجيم الغليظة) بحيث يظهر قسم من أعلاها خارج الماء حتى في حالة المد الغزير.

بعد هذا الإيضاح عن طريق تاروت، نعود لقصة المرحوم مهدي الشماسي، ويُسمَّى مهدي الشريف، كان يريد الذهاب إلى تاروت، ولما كانت أحواله المادية ضعيفة، ولا يملك حِمارةً (أتانًا) خاصة يستعملها للركوب، والتنقل بها وقت الحاجة – كما هو شأن الأفراد الموسِرين – إذ يملك الواحد منهم في بيته حِمارة أو أكثر يتنقل بواسطتها – في ذهابه وإيابه – إلى أي مكان يشاء، هو وأسرته تمامًا مثل السيارة الآن.

كما أن ركوب الحِمار، الذكر، معيب لا يركبه الرِجال المُحترمون، بل إن الحمار مخصص لنقل البضائع، والأحمال كالتمور وغيرها، نعم قد يركبه الناس العاديون، كما أن البعض يجعل منه أداةً للتكسب؛ إذ ينقل عليه – بطريق الكراية – ما يريد الناس نقله، أو قد يكتريه من يريد الانتقال إلى مكان ما بعيد ولا يملك حمارًا أو حمارة.

حمار مستأجر

ولما أراد مهدي الشماسي الذهاب إلى تاروت استأجر، لرحلته، حِمارًا من شخص سيِّد من قرية الخويلدية، وسار به في طريق المقطع، ويبدو أنه انحرف في طريقه، وحاد عن الطريق السليم، ووقع في مكان مليء بالطين، وصار غير قادر على الحركة، وأدركه المد، وكاد يغرق، لو لا أنَّ بعض قوارب الصيد الصغيرة انتشلته.

أما الحمار فقد جرفه تيار الماء، وغرق في البحر، ووصل مهدي نخله “المانعية” مُنهَك القِوى، مبلل الثياب، ولما أخذ راحته عاد – في اليوم الثاني – لبيته في القطيف.

وأتاه صاحب الحمار يطلب حماره والأجرة، فأخبره بما حدث، فطالبه بدفع قيمة الحمار وقدرها (60) روبية – العُملة المُتَدَاولة يومذاك – لكن مهديًّا لا يملك هذا المبلغ، وأصبح في وِرطة لا يدري ماذا يعمل.

وكان بين الحاج مهدي ومنصور محمد جواد الزاير صداقة، ولكن بدلًا من أن يواسي منصور الزاير صديقه الحاج مهدي، أو يقُدِّم له مبلغا ما يُعينه على سداد ما يطلبه منه صاحب الحمار؛ فإنه استغل هذه الحادِثة ليُسجلها في قصيدة شعبية مليئة بالتنكيت والسُخرية على الحاج مهدي، مما أغضب الحاج مهدي غضبًا شديدًا، وحدثت بينهما قطيعة نهائية طيلة بقية عُمرهما، ولاسيما أن القصيدة اشتهرت على الصعيد الشعبي، حتى أن الأطفال أخذوا يُرددونها، ويُصفقون وراء الحاج مهدي كلما مر في أحد الطُرقات التي يتجمع فيها الأطفال، ومطلع القصيدة:

مهدي الشمَّاسي انبطح في المانْعِيَّه

وحْمار خلگ الله رَخَص بِهْ لَلمنيَّه»

إلى هنا انتهت حكاية السيد علي العوامي لقصة الحمار المأسوف عليه.

تكملة القصيدة([4])

وشْ حال مهدي من وصل له خبر لحمار؟

گلْبَه على حْمار الخلگ ظل يشتعل نار([5])

معذور ما ينلام لو ظل يضرب أفكار

خايف يحبسونه بْدار الحندسيه([6])

دَبّ العمامة([7]) وطلع مهدي كاشف الراس

ينادي برفيع الصوت دِرْكوني يَهَالناس

جت له الخلگ تهرع ومهدي يْصعِّد انفاس

يبكي على حْماره ويِوِنْ وَنَّة شجيَّه

شنهو الفكر، شنهو البُصُر، شنهي الحيله

ولحمار مال الناس! والله ذي فشيله!

ولو جا يسايل عنه السيد([8])الليله

چيف اعتذر له، يا خلگ، شوروا عليَّه

* * *

گالوا شْمالك؟ گال عندي حمار مطلوب

گاطع عليه من الصبُح وصَّل بلغروب([9])

لمن رفسته مات بالمگطع المخروب([10])

يا هي مصيبة ما جرت يا هي بَليَّه!

* * *

گالوا: يمهدي، هالخبر ما صار معلوم

يمكن حْمارك مِشتهي في المگقطع النوم

صدَّگ حچيهم ردّ يمشي يطيح ويگوم

يمشي على ارْبع مثل ما تمشي المطيَّه

لَـمِّن وصل مهدي حماره وگف دونه

وظل يِگْلِبَه مرَّة على اشماله ويمينه

وعنده عصا، وظلْ يِنْدِسَه ابْعينه وأذونه([11])

وداسه على بطنه وْطَگَعْ طگعة([12]) گوية

ولحمار يومْ انِّه طگع، مهدي استبشر

شال البديدة وعدَّته، أوگال له: «حر» ([13])

ظن فيه گُوَّة يِطَلْعَه من الطين للبر

ولا درى حْماره شرب كاس المنيَّه

فچ البديدة وعدة حماره وحملها

ومن دهشته  فرضة الگمرگ ما انْدَلْها([14])

وعمامته افتلَّت، ولا اتمكن عدلها

إلا على جصَّة انخيل الهوَسِيَّه([15])

إلبِس انعاله ودَفَّته ولفّ لِعمامة

وشلَّح طرف ثوبه، وشدَّه في احزامه([16])

مثل الشكر في مشيته يشبه كلامه

مهدي الشمَّاسي الشفي ابن الشفيَّة

ساعة تجي، وتگول ذا عالم مفضَّل

وساعات يحچي لك حچي مثل المخبَّل

مخصوص من مات الجحش فكره تبدل

كلِّش، وظل يحجي حجي ما له مزيَّة

يخلف عليك الله، يَمهدي، بجحش عيَّار

يعرج، ومبتور الذنب، وعيونه اصغار

وْلِگْراح([17]) في ظهره مثل لخيار لكابر

يمشي بك خطيوة، ويوگف بك شويَّة

* * *

احمارك، يمهدي، غمَضْ عينه اومات في الطين

مسكين، يا مهدي، خِسُر لحمار، مسكين

من وين إله يْسَلِّمْ ثَمَنْ لِحْمِار ستين([18])

حتى يفكه صاحبه من هالأذية

ما عنده إلا دَفَّتَه السودة اوحتيره([19])

وطُرَّاحَتَهْ، واْمْخَدَّتَه، وْنِتْفَةْ حَصِيْرُه

والبيت خالي يُصْفُر، اوْ تِسْمَعْ صَفِيْرُه

وكلها اغراضُه، وكلْ مواعينه خلية

ما فيه غير ادياج مال الناس تصفر

ديچ لزهيري بالحوي يزعگ ويطفر([20])

ومبروك وسط الدار كل ساعة وْيِخْمُر([21])

في الگلة اللي جابها من المانعية

افتلَّت الدعوى، گوم، يا سيد، اتمشَّى([22])

خليت دمعي فوگ خديني أرشَّه

وخليتني هالليلة ما أگدر اتعشَّى

جوع او حزن، من وين حلَّت هالرزية

تنويه: الصور من الزميل حبيب سليس، جمعها من مواقع مختلفة.

————

هوامش

(([1] الحركة الوطنية السعودية، السيد علي السيد باقر العوامي، رياض الريس للكتب والنشر والتوزيع، بيروت، ط2، جـ2 الهامش (1)، ص: 317 -18.

(([2] صاحب مكتبة، توفي مطلع يونيو 2024.

(([3]يجاور ساحل القطيف خوران عميقان، أحدهما يسمَّى: (خور الخنيزية)، ويسمى الآخر: (خور أبو مْغوِّي)، على الجرف الغربي لهذا الأخير يمر المقطع، وأي انحراف عن هذا المجاز يؤدِّي بالسائر فيه إلى عمق البحر فيغرق، إذا لم يكن يحسن السباحة.

[4]))تنفيه الخاطر وسلوة القاطن والمسافر، محمد علي الناصري، المطبعة الشرقية، البحرين، الطبعة الرابعة، 1412هـ 1991م، الحلقة الأولى، ص: 53 – 54.

[5])) كذا كنا نحفظه، ونصه في تنفيه الخاطر:

مهدي على احمار الخلق قلبه اشتعل نار

ويگول هذي مشكلة صابت هلحمار

(([6] المظلمة.

(([7]رماها عن رأسه.

[8])) مالك الحمار، وهو من بلدة الخويلدية. سيد علي العومي

[9])) اشمالك: اشمالك: ما ذا حصل لك؟ گاطع: قاطع؛ عابر. بلغروب: في الغروب؛ وقت المغرب .

[10])) يدعو عليه بالخراب.

[11])) يندسه: ينخسه؛ يطعنه في عينه وأذنه .

[12])) أخرج صوتًا من دُبُره .

[13])) البديدة، في اللغة؛ البديد، مذكَّر: الخرج، وفي اللهجة، جنيبتان من نسيج الليف تشكلان أحد أجزاء سرج الحمار، والعِدَّة كامل سرج الحمار، وتتألف الترتاگة: رفادة سميكة من القماش محشوة بالقطن تثبَّت على ظهر الحمار مباشرة، توضع فوقها البدبدة: وهي رفادة من الليف سميكة، ثم السگفة: قطعة من القماش توضع فوق البديدة، وأخيرًا الكتب (القتب)، ويُشدُّ الجميع بسير عريض يسمَّى: البطان. حرّ: نداء للحمار كي يتحرك، أو يركض .

[14]))  فچ: فتح، وما اندلها، تاه عنها، ولم يهتدِ إليها.

[15])) افتلَّت: انحلَّ طيُّها، والجصة، الساقية المبنية بالجص، والهَوَسِيَّة بستان نخيل معروف مجاور لحي البستان من الشمال.

[16])) شلَّح: رفع.

[17]))لگراح: القروح التي تخرج بظهر الحمار بسبب عض السرج.

[18])) الشكَر: السُّكَّر .

[19])) عُضوه .

[20])) ادياج: دَجاج، والديچ بالجيم الفارسية المثلثة، في عامية القطيف: الديك ، والزهيري: لعله الأستاذ عبد الجليل ابن الشيخ محمد الزهيري، أحد أعيان القطيف، كاتب العدل في عهد الملك عبد العزيز (رحمه الله)، ثم عمل في التجارة، ومستشارًا قانونيًّا في مكتب العمل والعمال، والحوي: ساحة وسط البيوت، ويزعگ: يزعق.

[21])) مبروك: اسم عبد، ويخمر: يكمن صامتًا، والگلة: القلة، وهي جلة التمر.

[22])) افتَلَّت، انتقضت، وگوم تمشى: قم وانصرف.

اقرأ أيضاً

قبل 67 سنة.. مات الحمار فواجه 3 شبّان الموت في “مقطع تاروت”

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×