إبداع زينب الدرازي في “الخلاصة في الشعر الشعبي”

يوسف آل ابريه

تضافرت جهود العلماء قديمًا وحديثًا في ميدان الشعر، فصالوا وجالوا، وكان كلّ عالمٍ من هؤلاء يتخذ له جانبًا من جوانب الشعر ويثريه حسب مقدرته وإمكاناته.

ولعلّ جانبًا واحدًا من جوانب الشعر ـ وهو الوزن ـ قد تناولوه وأكثروا من الكتابة فيه على مرّ العصور، بدءاً من الخليل بن أحمد وتليمذه الأخفش. وإلى يوم الناس هذا والكتابة ما تزال مستمرة حول الشعر وأوزانه وقوافيه، ولعلّ سياحةً فيما كُتب حول هذا الشعر وأوزانه تدخل القارىء في عالم كبير وبحر غزير من الآراء المتوافقة والأخرى المتباينة.

وما يقال في الشعر الفصيح؛ يقال كذلك في الشعر الشعبي، فهناك الكتب الكثيرة التي تناولته قديمًا وحديثًا، ولم يكن هذا التناول على وتيرة واحدة وصراط واضح، فالآراء أيضًا كانت بين توافق واختلاف في قضايا كثيرة تمسّ الشعر الشعبي.

يوسف آل ابريه

ولا يفوتني وأنا أدخل في هذا العالم من الوزن في الشعر الشعبي أن أشير إلى أن بعض الكتب التي تناولته لم تكن بالمستوى المطلوب واللائق، فبعضها كُتب بأسلوب مشوّش وضبابي، وبعضها مأخوذ من سابقيها، وبعضهم يفتقد الخبرة والدربة في خوض هذا المجال وتقديمه للناس.

الشعر الشعبي ليس كالفصيح، فالثاني ـ الفصيح ـ واحد في جميع بلدانه العربية بقواعده وضوابطه، والاختلاف فقط في بعض الأمور الفنية والجزئية.

أما الأول ـ الشعبي ـ فليس كذلك فهو يخضع لموروثات ولهجات كلّ بلد وخصوصياته.

ولذا فقد فطن بعض الكتّاب لمراد الناس، فراحوا يضعون لهم الخلاصات في العلوم، كالخلاصة في النحو، والخلاصة في المنطق، والخلاصة في الفلسفة؛ رغبة في تقبّل الناس لهذه الطريقة لاسيما إذا كانت سلسة ومقبولة، ففي الشعر الشعبي على امتداد خارطة الوطن العربي كان المؤلّفون يضعون كتبهم حول أوزان الشعر الشعبي بعشوائية، وإسهابات مملّة، وإطنابات تشتت القارىء ولا تشفي غليله.

وأظنّ أنّ ما قامت به الكاتبة والشاعرة زينب الدرازي بإصدارها “الخلاصة في الشعر الشعبي”؛ خطوة غير مسبوقة في هذا المجال، والعجيب في الأمر أنّ شاعرةً وليس شاعرًا من قام بهذه الخلاصة لأوزان الشعر الشعبي.

وللحقيقة أقول إن هذا العمل لو قام به أحد الكتّاب المنفوخين في عالمنا لقامت الدنيا ولم تقعد ولكن حمامة الحيّ مع الأسف لا تطرب.

هذا الجهد الذي عُنون بـ “الخلاصة” كما أراه لم يكن جهدًا عاديًا، أو عشوائيًا، وإنما جاء بعد جهود ومطالعات وبحثٍ وتقصٍ، فكاتبة هذه الخلاصة تملك من القدرة في منهجية التألبف والإعداد ما جعلها تخرجها بحلّة جميلة وعميقة.

إنّ هذه الخلاصة هي فعلاً خلاصة واعية كُتبت بنفَسٍ عقلاني، وحسٍّ رهيف، ولغة علمية رصينة، وأدبية رفيعة.

لست بصدد الحديث عمّا احتوته الخلاصة من ألفها إلى يائها، فحريّ بكلّ من يهتم بالشعر الشعبي أن يلقي نظرة عليها؛ ليتعرّف إلى عمق هذه الخلاصة وقيمتها، ولكنّي سأشير إلى بعض المحطّات التي تناولتها هذه الخلاصة بشيء من الإيجاز.

فهي قد بدأت بمفهوم الشعر الشعبي وأغراضه وموسيقاه، ثم عرّجت على القافية في الشعر الشعبي، مع إطلالة على هذه الأمور في الشعر الفصيح؛ لارتباط ذلك بهذا.

ومما يلفت في موضوع عيوب القافية ما أضافته الكاتبة من مسمّين جديدين حسب رأيها وهما “الازدواج والتنافر”.

م تحدثت عن الوزن في الشعر الشعبي، مفصلة في مفهوم الوزن وبنيته والأسباب والأوتاد والفواصل، ثم جاء الحديث عن مستويات الوزن من خلال التفعيلات التسع، وثم الحديث عن مستويات الوزن ومستويات البيت وأشهر أنواع القصبدة في الشعر الشعبي “المربّعة والمقاصير والمنصة والحر”.

ثم انتقلت إلى الأوزان الرئيسة في الشعر الشعبي ومشتقات كلّ وزن، ثم هناك استدراكها والتفاتتها إلى الأوزان الممدودة الصدر والمقاصير، ثم عقدها فصلاً أخيرًا حول بعض فنون الشعر الشعبي الأكثر تداولاً لدينا، وهي “الأبوذية والزهيري والميمر المجنس”.

ومما يستحسن التنويه به هو ما أودعته من شواهد كثيرة لكلّ وزن وفن، ولعلّ اللافت الأكثر هو أنّ جميع الشواهد الشعرية هي من تأليفها وتأليف والدها الشاعر علي الدرازي، مع دقّة الشاهد واختياره اختيارًا مناسبًا، كما لا يخفى على القارىء لهذه الخلاصة ما اعتمدته الكاتبة من مصادر في عرض بعض القضايا في الشعر الشعبي، ولذا فالخلاصة ـ كما أشرت سابقًا ـ قد جاءت بأسلوب علمي رصين.

إذا كان لدى البعض مصدر معيّن يرجع إليه في معرفة أوزان الشعر الفصيح، الذي يعدّه كخلاصة ومرشد، فإنّ هذه الخلاصة في الشعر الشعبي هي مصدر ومرجع لكلّ مهتّم بهذا الشعر، وأكاد أجزم بأن قارئها لن يخرج إلا بما يرجوه، فما أكثر رجوعي إلى هذه الخلاصة عندما أستوحش من وزن أو يلتبس علي أمر من أمور الشعر الشعبي.

تحية شكرٍ جزيلٍ لهذه الخلاصة التي أرجو أن تصل إلى المهتمين بالشأن الشعبي للشعر وأوزانه؛ لتنال مكانها الصحيح واللائق بها.

تعليق واحد

  1. شكرا استاذي الغالي على المقالة و التعريف الجميل للشاعرة وخلاصتها … نعم نحن نفتخر بكم وبالشاعرة وكل من أبدعوا وا عملوا وأثروا العقول بكل ما هوا مفيد فجزاكم الله الف خير حقا انتم فخرنا

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×