ليلة مرعبة في طريق الرين

حبيب محمود

ومن الرعب؛ فضّلت أن نبات في غرفة “زبالة” على أن أستمرّ في القيادة برفقة عائلتي، في طريق يتكاثر فيه نخبة “مجانين السائقين”..!

إنه طريق الرين، وما أدراك ما طريق الرين. ليس لأنه ذو مسار مزدوج، وطويل، وكثير الالتواء، ومظلم فحسب. بل لأن “المجانين” لن يمنحوك الطمأنينة في طريق يمكن القيادة فيه بأمان، لو فهموا معنى الأمان.

كانت رحلة سياحة داخلية، في أغسطس 2021. خرجنا فيها من القطيف إلى الرياض، ومنها إلى أبها، ثم الطائف، ثم جدة، ثم المدينة المنورة، ثم عدنا إلى القطيف. وطيلة 14 يوماً؛ لم أشعر بخوف على عائلتي ونفسي إلا في الجزء الثاني من الرحلة، من الرياض إلى عسير عبر “الرين”..!

أدركنا الظلام في الطريق الطويل، وهنا بدأت المواجهة مع “المجانين”. وهم أنواعٌ. أقلّهم خطراً ذلك الذي تسمعُ صوت سيارته عن يسارك متجاوزاً. تسمع صوت سيارته قبل أن تراه خلفك. تشعر بأنه جاء من لا مكان، ذاهبٌ إلى لا مكان. سرعته صاروخية ومفاجئة. وبما أنك لم تره قبل أن يتجاوزك؛ فإنك لن تراه بعد تجاوزك.. سيختفي في الظلام..!

قد تشاهد ومضة “ساهر”، فتظنّ أنها اصطادته. لكن لا تشمت ولا تفرح، فلوحة سيارته “مطموسة”..!

هذا الجنون يأتيك من الخلف.

وهناك جنون يأتيك من الأمام أيضاً. وأولُ ما يؤذيك؛ أضواء عالية “تطزّك”؛ فتكاد لا ترى شيئاً، ولا يُجديك “التكبيس” المتكرر لسائق لا يبالي ولا يريد أن يبالي.

هناك المزيد من الجنون، إنه جنون المتجاوزين.. شاهدتُ مراراً، وتكراراً، سيارات تتجاوز متجاورة بلا مبالاة بالمسار المعاكس. ولأن الطريق كثير المنحنيات؛ تغيم عليك الرؤية؛ فتظنّ أن السيارتين متتاليتان في المنحنى، فإذا هما متجاورتان في مسارين.. أحدهما مسارك..!

عليك، بين “مجنون” و “مجنون” أن تميل إلى يمين الخط الأصفار، تحاشياً وحذراً.

بقينا على هذا الحال لسويعات في الظلام، إلى أن وصلني إنذار لا مزاح معه، ولا شجاعة، ولا هم يحزنون. لمحتُ متنافسين في المسارين أمامي، كأنّ الآتي من مساري لا يرى أحداً. ولشدّة الأضواء وتداخلها؛ ارتجلتُ تصرفاً كاد ينتهي إلى كارثة.

قدّرتُ أن النجاة منهما هو أن أسلك يسار المسار الأيسر، في “حارة” المواقف للقادمين..!

ثم استيقظ انتباهي إلى “غباء” هذا الارتجال، فعدتُ سريعاً إلى “حارة” مساري، ثم إلى يمين الخطّ الأصفر الخاص بمساري، فمرّ “المجنونان” كأنهما صاروخان لا يريان أحداً.

لا يمكن أن أستمرّ مغامراً بسلامة عائلتي وسلامتي في الطريق المجنون. وعند أقرب محطة وقود، استأجرنا غرفة لا يمكن حتى وضع أجسادنا عليها، لاتساخها وقرفها. إلا أنها كانت “أرحم” من خطر الطريق المظلم. أهدرنا 6 ساعات في انتظار ضوء النهار حتى نستأنف الرحلة إلى أبها.

حين انتشرت أخبار حادث اليوم الذي حصد 4 أرواح، وأصاب 19 نفساً، في حادث اشتركت فيه 14 سيارة، وقرأت بيان مستشفى الرين.. عندها تذكرتُ التجربة التي لا أظنني سوف أكررها في هذا الطريق المجنون.

اقرأ أيضاً

طريق الرين يحصد 4 أرواح ويصيب 19 في حادث 14 سيارة

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×