ليلى الزاهر في “بيت الهمزة”
يوسف آل بريه
لعلّ أبرز ما يلفت الانتباه عند مطالعتنا لمواقع التواصل اليوم، وكذلك بعض المؤلفات ، هو تلك الأخطاء النحوية، والإملائية، واللغوية. وذلك ناتجٌ بسبب ابتعادنا عن لغتنا ، وعدم اهتمامنا بشأنها وبأسرارها ودقائقها ، ولذا أصبحنا كغرباء في تحدثنا بها ، حتى غدونا نعجب لبعض التراكيب أو المفردات إذا مرّت بنا ، ونخالها من لغة أخرى غير لغتنا ، ناهيك عن أخطائنا الفادحة في النطق والكتابة، علمًا أنّ ديننا الحنيف حثّنا على القراءة والتعلّم ، فبالقراءة الصحيحة تتكشّف لنا المغاليق، وتتّضح المبهمات.
لذا لم يأل علماء وكتّاب العربية قديمًا وحديثًا في وضع المؤلفات التي تعين على فهم العربية وأسرارها ، سواء في النحو ، أو البلاغة ، أو الإملاء ، وغيرها ، لا سيما في العصر العباسي (زمن التدوين) وما تلاه من عصور ، وحتى يوم الناس هذا .
ولو جئنا إلى باب (الإملاء) لوجدنا المؤلفات الكثيرة التي تناولت قواعده ، وخاصة خلال هذا القرن ، بحيث يحاول كلّ مُؤلّف عَرض هذا الباب برؤيته ، فكان من توسّع ، وكان من أوجز .
كثيرة هي الكتب الإملائية التي وقعت في يدي وقرأتها بحكم تخصصي العربي أولاً ، وحبّي للغتي ثانيًا، وكانت في أعلبها ناجعة ومفيدة .
ومما طالعته مؤخرًا في باب الإملاء كتاب الأستاذة (ليلى الزاهر) بعنوان ( بيت الهمزة ) الصادر عن دار الرائدية للنشر والتوزيع لعام 1444 للهجرة ، بحجمه المتوسط ، وصفحاته الثمانين ، كما توشّح الكتاب بكلمات قيلت فيه ، أحدها للشاعر جاسم الصحيح ، وقد وضعت في خلفية الكتاب.
شدّني عنوان الكتاب (بيت الهمزة) ؛ لما فيه من إثارة وتشويق لدخول هذا البيت، وقد وُشِّي الكتاب بحروف اللغة العربية في واجهة غلافه ، وقد كُتب أسفل العنوان الرئيس هذه العبارة( أنت صاحب البيت وضابط الكلمة) وهي عبارة منتقاة ومطمئنة للقارئ ، فبيتُ الهمزة هو بيته ، وهو من سيضبط كلمته.
لا أخفي القارئ بأنّي كنت على اطّلاع بأكثر ما بذلته الأستاذة في هذا البيت منذ بدايات بنائه ، وكنت محفّزًا لها بتدوينه ونشره، وبما أنّي من أوّل الداخلين إلى هذا البيت ، فسوف أضع رؤيتي وانطباعي، جاعلاً ذلك في نقاط :
١) أتقنت الكاتبة ترتيب أجزاء الكتاب ترتيباً رائعًا وجميلاً ، وبأسلوب مبسّط وسهل وجذّاب وشائق.
٢) الإتيان بالشواهد لكلّ جزئية إملائية ؛ لترسيخ القاعدة، مما أعطى الكتاب صبغة علمية رصينة ، ولعلّ نظرة سريعة للكتاب يكتشف فيها القارئ هذا الأمر من خلال مشاهدة الجداول المتقنة لكلّ عنوان و جزئية .
٣) مما يحسب للكاتبة تلك الملاحظات التي تذيلها بعد الانتهاء من كلّ عنوان في قضايا الهمزة ، وتطلب فيها من القارئ أن يقوم بإجراءات حول الفكرة المذكورة؛ ليتأكّد من استيعابه بنفسه لها ، وهذا ما رمزت له في عنوان كتابها بقولها : ( أنت صاحب البيت وضابط الكلمة ).
٤) أجادت في وضع الإضاءات في نهايات فقراتها، واضعة تلك الإضاءات في مستطيلات، لتشدّ القارئ بأهميتها.
٥) كانت في بعض القضايا المختلف عليها ، تغلّب الرأي المشهور ، كذكرها مثلاً للأسماء السماعية لهمزة الوصل ، فهي ذكرت ثمانية أسماء وهي (امرؤ ، امرأة ، ابن ، ابنه ، اثنان اثنتان ، اسم ، ايم الله ) وأغفلت اثنين ؛ لكون الأوّل مهجور وهو ( ابنم ) ، والثاني معيب ، كما أعتقد.
٦) براعتها في ربط كتابة الهمزة المتوسطة كتابة صحيحة بمواقعها الإعرابية التي قد تفوت على كثير من الناس ، فيقعون في خطأ الكتابة لهذا الجهل بخصوص الموقع الإعرابي.
٧) استعرضت كملحق في نهاية الكتاب بعض القضايا اللغوية ، كالفرق بين ( نَفِد ونَفَذ )، و( البيت والمنزل )، و(الضلال والظلال ) ، وبعض القضايا النحوية ككتابة (إذن و إذاً)، وبعض الأخطاء الشائعة في حواراتنا المعاصرة.
كلّ ذلك بأسلوب محبّب وشائق، ومن خلال المطالعة في كتابها (بيت الهمزة) ستعرف مدى شغفها وحبّها إلى لغتها ، وتتلمّس ذوبانها في تقديم الأفضل ، سواء إلى طالباتها بصفتها معلمة للغة العربية ، أو إلى كلّ مهتمّ بهذه اللغة .
حريّ بكلّ مهتمّ بلغته أن يطالع أمثال هذه الكتب ، فهي تصلح لجميع الفئات ، ولكلّ المهتمين. وإن كانت للبيوت خصوصية ، فبيت الهمزة وإن كانت له خصوصية هو الآخر في حرصه على لغته العربية، ولكنّه بيتٌ رحبٌ يسع الجميع كما أراه ، ولا يبخل على داخليه من الفائدة والجمال.
وأخيرًا أقول:
إن كان للشعر بيتٌ يستقرُ به
فبيتُ إملائنا يزدان بالهمزةِ