4] المشاريع الجينية: فروق بين السلالة والعرقية والقومية

علي الشيخ أحمد

في هذا السياق، يُلاحظ أن هناك ظاهرة خلط بين مفهوم السلالة الجينية والعرق والقومية لدى بعض المهتمين بالفحوصات الجينية.

ويسعى هذا الجزء من المقال إلى توضيح هذه الفروقات، حيث إن السلالة الجينية تمثل مسارًا بيولوجيًا للتاريخ البشري ولا تعكس بالضرورة الانتماءات العرقية أو القومية. هذا التوضيح يسهم في تجنب سوء الفهم وتعزيز الوعي العلمي بالمفاهيم الجينية.

  1. السلالة الجينية (Genetic Lineage):

السلالة الجينية تشير إلى مجموعة من الأفراد الذين يشتركون في علامات جينية محددة تُورث عبر الأجيال. تعتمد دراسة السلالات الجينية على تحليل الحمض النووي (DNA) لتتبع الأصول البيولوجية والأنماط الوراثية للأفراد والمجموعات السكانية. وتقدر اعمار السلالات بعشرات الالف من السنين.

أمثلة على السلالات الجينية:

السلالات الجينية الأمومية (التي تنتقل عبر خط الأم) تُعرف بالحمض النووي للميتوكوندريا (mtDNA)، وهو ينتقل حصريًا من الأم إلى أبنائها وبناتها.. تبدأ السلالات الأمومية بالهبلوغروب L في أفريقيا، والذي يُعتبر السلف المشترك لجميع البشر الحاليين.

من الهبلوغروب L، تتفرع هبلوغروبات رئيسية مثل M و N، واللتين تتفرعان بدورهما إلى العديد من الهبلوغروبات الفرعية المنتشرة حول العالم، مثل H و J و T و U و K وغيرها

كل هبلوغروب يمثل خط نسب يعود إلى أنثى سلف مشتركة، ويساهم في فهم تاريخ الهجرة البشرية وتوزيع السكان عبر التاريخ. بالتالي، يُظهر المشاريع الجينية الجيني هذه التعقيدات والتنوع في السلالات الأمومية، مما يساعد على تعزيز الوعي العلمي بالمفاهيم الجينية.

من جهة أخرى ,عدد السلالات الأبوية الجينية، والمعروفة أيضًا باسم مجموعات هابلوغروب الكروموسوم Y، قريب من العشرين مجموعة رئيسية. يتم تصنيف هذه السلالات باستخدام أحرف من A إلى T، حيث تمثل كل حرف مجموعة رئيسية. كل مجموعة رئيسية تنقسم بدورها إلى مجموعات فرعية أكثر تحديدًا، تُعرَّف بأرقام وحروف إضافية (مثل E1b1a أو J1a).

هذه السلالات تساعد في فهم الهجرات البشرية القديمة والتاريخ الجيني للمجموعات السكانية الكبيرة.

  1. العرق (Race):

العرق هو مفهوم اجتماعي وتاريخي يُستخدم لتصنيف البشر بناءً على خصائص فيزيائية ظاهرية مثل لون البشرة، ملامح الوجه، وشكل الشعر. على الرغم من أن هذه التصنيفات لا تعتبر دقيقة من الناحية العلمية حاليا، إلا أنها استُخدمت تاريخيًا لتقسيم البشر إلى مجموعات.

أمثلة على التصنيفات العرقية التقليدية:

القوقازي (Caucasian): يشمل الشعوب ذات الأصول الأوروبية، وبعض مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

المغولي (Mongoloid): يشمل الشعوب في شرق آسيا، جنوب شرق آسيا، والأميركتين.

الافريقي (Negroid): يشمل الشعوب ذات الأصول الإفريقية.

هذه التصنيفات قديمة وغير دقيقة علميًا، ولا تعكس التنوع الجيني الحقيقي للبشر. يُفضل اليوم تجنب استخدام هذه المصطلحات بسبب ارتباطها بتاريخ من التمييز والاضطهاد.

  1. القومية أو الإثنية (Ethnicity):

القومية أو الإثنية تشير إلى هوية مجموعة من الأفراد الذين يشتركون في ثقافة، لغة، تاريخ، تقاليد، وممارسات اجتماعية مشتركة.

أمثلة على القوميات:

العرب: مجموعة إثنية تتحدث اللغة العربية وتنتشر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتشترك في تاريخ وثقافة مشتركة.

الكرد: مجموعة إثنية تعيش في مناطق تمتد عبر تركيا، إيران، العراق، وسوريا، ولها لغتها (الكردية) وتقاليدها الخاصة.

الأرمن: شعب له تاريخ عريق، يعيشون في أرمينيا والشتات، ويتحدثون اللغة الأرمينية.

الهان الصينيون (Han Chinese): أكبر مجموعة إثنية في الصين، ولها تقاليدها وثقافتها المميزة.

الروس: مجموعة إثنية تسكن في روسيا ومناطق أخرى، تتحدث اللغة الروسية وتشترك في ثقافة وتاريخ مشترك.

الفرق بين السلالة الجينية، العرق، والقومية/الإثنية يظهر في الأساس العلمي والاجتماعي لكل مفهوم. فالسلالة الجينية تعتمد على التحليل العلمي للحمض النووي لتقديم معلومات دقيقة عن الأصول البيولوجية وكما ذكر سابقا تمتد اعمارها الى 30 الف سنة او اكثر ، في حين أن العرق هو بناء اجتماعي قائم على تصنيفات تاريخية لخصائص شكلية خارجية وليس له أساس بيولوجي دقيق. وهو غير معتمد علميا.أما القومية/ الإثنية فتعتمد على الهوية الثقافية والاجتماعية واللغوية والتاريخية المشتركة بين الأفراد. و اعرق القوميات اللغوية لا تمتد اكثر من الفين وخمسمائة سنة.

وكخلاصة، تعد السلالة الجينية ثابتة عبر القرون، حيث تنتقل العلامات الجينية عبر الأجيال القديمة جدا. أما العرق، فهو مفهوم متغير ويختلف تعريفه من مجتمع لآخر ولا مصداقية علمية له. بينما القومية/الإثنية هي ديناميكية وتتغير مع مرور الزمن والتفاعلات الثقافية. واطاره الزمني قد لا يتجاوز المئة عام بدون تغير فيها.
أما من حيث الهدف والاستخدام، فإن السلالة الجينية تُستخدم في الأبحاث العلمية لفهم التاريخ البشري والتنوع الجيني القديم، بينما العرق غالبًا ما استُخدم لتبرير التمييز، وهو اليوم مفهوم غير علمي. في المقابل، تعبر القومية/الإثنية عن الهوية والانتماء الثقافي وتُستخدم في الدراسات الاجتماعية والإنسانية.

لماذا يحدث الخلط بينها؟

يحدث الخلط بين مفاهيم السلالة الجينية والعرق والقومية نتيجة لعدة عوامل، أبرزها التداخل التاريخي في استخدام هذه المصطلحات، حيث تم تداولها بشكل متبادل في السياقات الاجتماعية والسياسية دون فهم دقيق لمعانيها. كما يساهم نقص الوعي العلمي في تعزيز هذا الخلط، حيث يفتقر الكثيرون إلى المعرفة بالفروق الجوهرية بين المفاهيم العلمية والاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، تلعب التحيزات الاجتماعية والنفسية دورًا في هذا الالتباس، من خلال الربط غير الصحيح بين الأصل الجيني والهوية الثقافية أو العرقية، ما يؤدي إلى سوء الفهم بين هذه المفاهيم..

من المهم التفريق بينها لتعزيز فهمنا للهوية الإنسانية بأبعادها المختلفة، البيولوجية والاجتماعية والثقافية، وتجنب استخدام العلم لتبرير التمييز أو التفرقة.

اطلع على الحلقات السابقة عبر الوصلة التالية:

3] المشاريع الجينية: افهموا النتائج.. واحموا الخصوصية.. واحذروا النزاعات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×