حمار القديح و “اصْخال” الكوريين.. في العوامية

حبيب محمود

لا تبدو واقعة بقايا الحمار المذبوح؛ أكثر من حالة نادرة جداً، وفردية، وذات طابع شخصي أيضاً. ربما يقف وراءها مقيمون أرادوا اللحم لطعامهم هم وحدهم، ليس إلا..!

هناك أمورٌ كثيرة تدعم هذا التفسير؛ أهمّها نُدرة الحمير “المستأنسة” في محافظة القطيف، وانقراض الحُمُر “البرية” تماماً. بمعنى؛ ليس في القطيف أعداد يمكن أن تؤمّن منتجاً يُستفاد منه تجارياً في سوق اللحوم، لا من الحمير ولا من الحُمُر. (1)

ومن أهمّها؛ أن لدى الناس يقظة صارمة في اختيار اللحوم. حتى أنك تكاد لا تدخل مطعماً في القطيف؛ إلا وتجد ملصقاً بارزاً يوضّح اسم مصدر اللحوم فيه، ورقم هاتفه أيضاً؛ إذا أردتَ مزيداً من اليقين.

والأهمُّ؛ هو أن أسواق اللحوم، في المملكة، تحت السيطرة التامة؛ ولكلّ ذبيحة إجراءٌ مرصودٌ عبر أجهزة شديدة المراقبة، عمادها أطباء بيطريون، وفنيون، ومراقبون.

وتذكّرني الواقعة الغريبة؛ بأمرٍ مشابه شهدناه أطفالاً في بلدة العوامية، أثناء تنفيذ مشروع للصرف الصحي عبر شركة كورية، آنذاك.

ذات ضحى؛ شاهدنا بعض العمّال يسلخون ويقطعون ويشوون لحم “ماعز” نافق في الطريق. كان مشهداً غريباً، سخرنا منه، فهؤلاء الكوريون يأكلون لحم الميْتة المحرّم عندنا.

لكنّ الأيام؛ قالت إن الكوريين هم الذين كانوا يسخرون منا..!

كان لدى أحد جيراننا في الحيّ المعروف بـ “الفتيّة” قطيع ماعز “صخال”، وضعه في بيت قديم له، وكانت تهيم في “الديرة” طيلة الوقت. وباصطلاح البلديات؛ كانت “حيوانات سائبة”، يعرف الناس صاحبها، ولا يطمع أحدٌ فيها، نزاهةً وذمة. وهكذا كان الناس، لا خوف من لصّ، ولا قلق على حلال..!

ويبدو أن العمّال الكوريين فطنوا إلى أن السكان المحليين ـ نحن ـ يحرّمون لحم الميتة. وهذه الفطنة؛ أملت عليهم “فكرة” تناول بعض اللحم المجاني دون أدنى مساءلة.

كانوا يخنقون “الصخلة” في الليل، فإذا شاهدها الناس نافقة في الطريق نهاراً؛ عرفوا أنها ميتة، فيتجاهلونها حتى تأتي البلدية لترفعها مع النفايات اليومية. وقبل أن يأتي عمّال البلدية؛ تكون الصورة واضحة للجميع. حيوان نافق، لم يعد مالكه في حالة حرص على ملكيته.

وقبل أن تأتي البلدية؛ يظهر العمال الكوريون وكأنهم يتصرفون في حيوان نافق، فيسلخونه ويقطعون لحمه ويشوونه ويأكلونه أمام كل الناس.

لم يفطن الناس ـ ولا مالك القطيع ـ إلى أن ما يجري كان يتمّ عبر مرحلتين: مرحلة خنق الحيوان في ظلام الليل، ومرحلة أكل لحمه في وضح النهار. لكنّ القصة تكررت مراراً، ولم ينتهِ مشروع الصرف الصحي إلا بفقد الكثير من قطيع ذلك الرجل.

———-

(1) الحمير: هي النوع المستأنس الذي يتعامل معه الإنسان، فيربيه ويُكثره، ويستخدمه في معيشته. أما الحُمُر: فهي النوع الفطري (البري) الذي لا يمكن للإنسان ترويضه. وهذا النوع منقرض في المملكة، وهناك مشروع استعادة له نفذته محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية، عبر استيرادها من الأردن ومساعدتها على التكاثر، ثم إطلاقها في الطبيعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×