سيرة طالب 103] محمد العلي قال لي: انزع العمامة
الشيخ علي الفرج
شاعر كبير، أفتخر بأن تكون العلاقة بيننا ودودة وصداقتنا حميمة، هو المفكر السعودي محمد العلي (أبو عادل).
أحد رواد كتّاب الحداثة وشعرائها، بل من أبرز شعراء المملكة العربية السعودية ومفكريها في العصر الحديث.
شخصية أدبية تركت بصمة كبيرة على المشهد الثقافي السعودي.
عُرف بكتاباته الجريئة التي تعكس رؤى حداثية عميقة.
ولد في مدينة (العمران) في الأحساء عام 1932م، يكتب زاوية ثقافية اسمها (وقوفًا بها) في مجلة اليمامة منذ سنوات طويلة إلى يومنا هذا.
صدرت له العديد من المؤلفات، من أبرزها:
ديوان (لا ماء في الماء)، وكتاب (حلقات أولمبيّة: مقالات في قضايا التنوير والحداثة).
حصل على جائزة الأمير عبدالله الفيصل العالمية عام 2022م.
قصيدتان
كتبت قصيدتين من روحي إلى روحه، حبًا وتقديرًا واحترامًا: الأولى، أهديتها له ولأبي قطيف، عبدالرسول الجشي، ومطلعها:
عَلى وَتَرَيْكُمَا الْمَعْسُولِ لَحْنُهُمَا نَمَا قَلَمِي
وَفِي عَيْنَيكُمَا النَّـبَّاعَتَيْنِ غَسَلْتُمَا حُلُمِي
وَمِنْ لَوْنِ الْهَوَى بِدِمَاكُمَا لَوْنُ الْهَوَى بِدَمِي
هُنَا اشْتَعَلَتْ فَتِيلَاتُ الْقَصَائِدِ فَانْطَفَا أَلَمِي …
والثانية قصيدة خاصة بشاعرنا (العلي) امتزاجًا للحداثة، بعنوان (قَامَةٌ لاكْتِشَافِ الْهَوَاء)، وإليك بعضها:
قَبْلَ أَنْ يَنْضُجَ الطَّقْسُ
وَحْدَك َ.. فَاجَأَكَ الصَّيْفُ
فَاسْتَسْلَمَ النَّبْعُ
وَحْدَك َ.. تُلْقِي عَلَيْكَ الْجِهَاتُ أُنُوثَتَهَا
وَتَنْقُبُ بَيْنَ طَوَابِيرِ هَذِي الْبِحَارِ
لِتَكْتَشِفَ الْمَاءَ فِي الْمَاء
وَحْدَكَ .. أَعْطَيْتَ جِلْدَكَ لِلنَّخْلِ
وَاسْتَغْفَرَتْ رِئَتَاك
وَصِرْتَ تُفَهْرِسُ أَسْطُرَ وَجْهِكَ
فِي مَهْرَجَانِ التَّنَفُّس …
انزع عمامتك!
مما أتذكره جيّدًا في مناسبة تأبين الحاج الوجيه علي بن حسن المصطفى، وهو والد نزار الصديق الحبيب، بتاريخ 1418هـ في القطيف، شاركت بقصيدة مهداة إلى نزار، وقد استعرت لسانه لأناغي به المرحوم والده، وكان عنوانها (حروف تتآكل)، وإليك بعضها:
أَدْخِلْ كَفَّيكَ بِذَاكِرَتِي
واَغْرِسْ أَلْوَانَكَ بَيْنَ شُقُوقِ عُيُونِي
أَنْتَ ..
وَأنتَ ..
وَأَنْتَ..
لِنَافِذَتِي أَبْعَادٌ تَفْتَحُ صَمْتَ الْأَشْيَاءْ
اضْحَكْ ..
مِنْ خَلْفِ زُجَاجَةِ هَذَا الْقَدَرِ الْجَاثِمِ فَوْقَ رُمُوشِي
سَتُصَارِحُنِي رِئَتَاكَ عَنِ الضَّوْءِ الْمَحْمُولِ
عَلَى كَتِفَيْكَ
وَأُصَارِحُ كُلَّ كُرَيَّاتِ دِمَاكَ الْمَزْرُوعَةِ
فِي رَائِحَةِ النَّخْلِ الأَخْضَرِ ….
فألقيت القصيدة، وكان من بين الحاضرين الشاعر الكبير محمد العلي، الذي تفاعل معي تفاعلًا يناغيني، وبعد أن انتهى الاحتفال ذهبت إليه لأصافحه، فقال لي – وهو يضحك بالقهقهة -: (انزع عمامتك فإنّها سوف تقيّدك يا شاعر).
شهادة أعتزّ بها
كان الشاعر يكتب يوميًا مقالات في جريدة (اليوم)، ومن ضمن المقالات مقال عن كتابي (تكوين البلاغة)، فمدح الكتاب، واقترح أن يكون منهجًا يدرّس في الجامعات.
وفي أحد الاحتفالات قال – تأثرًا بكتاب تكوين البلاغة -:
“أعطى (علي الفرج) لمن حوله كيف ينظرون إلى اللغة، وكيف ينظرون عن العالم”.
وأضاف:
“سميتُ هذا خروجًا عن السياق، فكما أنّ السياب خرج عن السياق وغيّر مجرى النهر، كذلك بالنسبة لوضعنا؛ الشيخ علي كسر السياق وخرج عن نمط المديح الغث، والأفكار المهترئة، وغيّر في اللغة، غيّر في النظرة، في الرؤية.. هذا يُذكر للشيخ”.