من فوضى التسميات 2] مسمّيات المقرّرات المدرسيّة

حسين منصور الشيخ

التعليم النظامي اليوم هو امتداد للتعليم التقليدي الذي كان سائدًا في المجتمعات المحلية، حيث أنشئت مدارس التعليم العامّ التي أخذت في تنظيم التعليم المرحلي وفق برنامج محدّد يتعلّم الطالب فيه أهم العلوم والمعارف التي تؤهّله ليكون مشاركًا في التنمية المجتمعية.

ولأنّ التعليم التقليدي كان يركّز على إتقان مهارتي القراءة والكتابة ومعهما بعض مبادئ الحساب والمسائل الرياضيّة، لم تغب هذه المهارات الأساسيّة عن مكوّنات التعليم النظامي لاحقًا، إلى الحدّ الذي كانت المقرّرات الدراسيّة تتسمّى فيه بهذه المسمّيات التقليدية، حيث يدرس الطالب مادّة «القراءة والكتابة» وإلى جانبها مادّة «الحساب»، ومعهما مجموعة من الموادّ الرئيسة، كالعلوم والتاريخ والجغرافيا والرسم والرياضة.

ولكنّ هذه التسميات أخذت سبيلها نحو مزيد من التعديل، وذلك مراعاةً لتقدّم الطالب الدراسي، حيث إنّ طالب المرحلة الثانوية لا يظلّ يدرس مبادئ القراءة والكتابة أو مبادئ الحساب، ما يتطلّب تعديلًا يتلاءم وطبيعة ما يدرسه، فأخذت المقرّرات تتنوّع إلى: الفيزياء والكيمياء والأحياء وعلم الأرض، بدلًا عن حصرها في مادّة واحدة، هي: العلوم، وهكذا إلى: النحو والصرف والأدب العربي والإملاء والبلاغة والنقد والقراءة والتعبير/ الإنشاء والخطّ بدلًا عن حصرها في مادّة «القراءة والكتابة».

وهذا مبرّر من مبرّرات تغيير مسمّيات المقرّرات المدرسيّة، وإلى جانبه بعض المبرّرات العلمية وكذلك التربوية، فمسمّى الحساب لا يعبّر عمّا يدرسه الطالب من عناوين في هذا المقرّر، إذ يدرس إلى جانب العمليات الحسابية العديد من المفاهيم الرياضيّة، لذلك تغيّر مسمّاه إلى: الرياضيّات، وهكذا في مادّة «الرسم»، إذ لا يقتصر العمل الفني في الرسم، ذلك عُبِّرَ عنها بـ «التربية الفنّية»، وفي مثال ثالث: مادّة الحاسب الآلي، إذ لم يعد المقرّر مقتصرًا على دراسة النظم الحاسوبيّة للكمبيوتر الشخصي، وإنما أصبح تناول الأجهزة الذكية المبرمجة ضرورة ملحّة اليوم، ما يجعل مسمّى: «المهارات الرقميّة» أكثر ملاءمة.

وما ذكر أعلاه يعدّ تمثيلًا واقعيًّا وانعكاسًا صحيحًا لما يعيشه الميدان التربوي، ولكن ما دعا إلى كتابة مثل هذا المقال ما وقع من بعض الخلل في مسمّيات بعض المقرّرات الدراسية، وذلك من جوانب عدّة، يمكن عرض بعضها في عنوانين رئيسين، هما:

1) مراعاة الاتساق في طبيعة المسمّيات:

يدرس الطالب مجموعة جيّدة من الفروع المعرفيّة، يمكن سرد بعضها، وسيكون الاختيار عشوائيًّا على الصف الخامس الابتدائي، الذي يدرس فيه الطالب المواد التالية:

– اللغة العربية.

– الرياضيات.

– العلوم.

– الدراسات الاجتماعية.

– الدراسات الإسلامية.

– تلاوة القرآن وتجويده.

– التجويد.

– اللغة الإنجليزية.

– المهارات الرقمية.

– المهارات الحياتية والأسرية.

– التربية الفنية.

– التربية البدنية.

إن ما كان معمولًا به سابقًا هو أن يدوّن مسمّى المادّة الدراسيّة على الكتاب المدرسي، فمادة الرياضيات سيدرس الطالب مقرّرًا دراسيًّا مدوّن على غلافه الخارجي اسم: «الرياضيات»، موضّح تحته الصفّ الدراسي والفصل الأول أو الثاني. وهكذا في مادّة العلوم، مثلًا. ويبقى الاسم ثابتًا في جميع المراحل الدراسيّة، مع تغيير بسيط يتلاءم وطبيعة المحتوى العلمي للكتاب.

وهو أمر لا يزال قائمًا ومنطبقًا على معظم المواد الدراسية، باستثناء: مادتي اللغة العربية واللغة الإنجليزية، إذ سمّي مقرّر الأولى منهما: «لغتي» في الصفوف الابتدائية الأولى، و«لغتي الجميلة» في الصفوف الابتدائية العليا، و«لغتي الخالدة» في المرحلة المتوسّطة، و«الكفايات اللغوية» في المرحلة الثانوية.

أما اللغة الإنجليزية، فيظهر أنّ المسمّى سابق على اختياره مقرّرًا دراسيًّا في المملكة، إذ تنتجه «مؤسسة ماكجرو هيل التعليمية: McGraw-Hill Education (MHE)، [شركة تعليمية أمريكية]»، حيث تتنوّع مسمّيات هذه المقرّرات اللغوية بين (We Can) و(Top Goal) و(Super Goal) و(Mega Goal) وغيرها. وربما لا يكون سابقًا، وكان اختياره مقصودًا من قبل مشرفي المناهج من المنسّقين مع الشركة الأمريكية.

ولا يبعد أن تغيير مسمّيات المقرّرات اللغوية إلى مثل هذه التسميات قد يكون مبرّره تربويًّا وذلك بهدف تقريب المسمى إلى نفس الطالب، وهو توجّه تربوي محمود، ولكن من المهم مراعاة نسق عامّ يحكم جميع المقرّرات المدرسية، وبخاصّة مع مقرّرات ربما تكون أكثر حاجة إلى تقريب النفوس إليها، كما هي الحال مع مادة الرياضيات مثلًا، بحيث تختار هذه اللجان مسمّيات ترويجية لمحتوى المادة الدراسية تتلاءم والمرحلة العمرية التي يخاطبها المقرّر الدرسي، فهذا توجّه مهمّ ويسهم في تحبيب المادة للطالب.

وحينها يمكن اعتماد مجموعة من التسميات المبسّطة والمحبّبة للأطفال في حال كان المقرّر للصفوف الأولية بالمرحلة الابتدائية، على أن يشار إلى التصنيف العلمي في أحد جواب الغلاف: العلوي أو الأسفل أو الجانبين الأيمن أو الأيسر. ويمكن الاقتصار في ذلك على الصفوف الأولية من المرحلة الابتدائية دون التزامه في جميع المراحل الدراسية، وفي الصفوف اللاحقة يُلتَزَم المسمّى العلمي للجميع. أو أن يراعى الاتساق لجميع عناوين هذه المقرّرات دونما فرق في جميع الصفوف الدراسيّة.

مقرّر «الكفايات اللغويَّة»:

وبخصوص مسّمى «الكفايات اللغويَّة» في المرحلة الثانوية لمادّة اللغة العربية، من المهمّ الإشارة إلى أنّه يعكس توجّهًا تربويًّا يفرّق فيه بين منهجين تربويين، الأول منهما يسمّى: «الأهداف»، حيث يراد به: تحقيق الغايات الأساسية المنشودة من قبل الطلبة عند مرورهم بالخبرات التعليمية التعلمية في المقررات، ويقابله توجه يطلق عليه منحى «الكفايات»، ويُراد به: القدرات المكتسبة التي تضم جملة من المعارف والمهارات والقدرات والاتجاهات المتداخلة التي تسمح للمتعلم بتوظيف أطرها في سياقات مختلفة شبيهة بما تعلمه.

وهما منهجان متقابلان أُسِّسَ الأول على «المدرسة السلوكية» التي تؤسس منهجها بناء على تحديد مجموعة من الأهداف حول المعارف والمهارات التي ينبغي تعليمها من قبل المعلم وحفظها واكتسابها من قبل الطالب، ومن ثم تقويمها، فيما أُسِّسَ منحى الكفايات على ثلاث مدارس، هي: «المدرسة المعرفية والمدرسة البنائية والمدرسة البنائية الاجتماعية».

وهذه مسائل تخصّصية بحتة، ليس من المناسب التطرّق إلى تفاصيلها. ولكن ما دعا لاستحضارها هنا أنّ مسمّى هذا المقرّر يستحضر توجّهًا تربويًّا في مقابل توجّه تربوي مغاير، وهو أمر غير معمول به في مسمّيات المقرّرات الأخرى، كما أنّ هذا المنحى التربوي ليس حكرًا على الجانب اللغوي، حتّى يكتفى بذكره في هذا المقرّر دون سواه. ولذلك فإنّ انفراد هذه المادة وفي المرحلة الثانوية دون بقية المراحل يعدّ أمرًا مستغربًا وغير مفهوم.

2) مراعاة انطباق العنوان على محتوى المادّة:

لقد كان مهمًّا تغيير مسمّى مادة «الحاسب الآلي» إلى: «المهارات الرقمية» أمرًا ملحًّا وضروريًّا؛ نظرًا للتطوّر التقني الهائل الذي حدث مع ظهور الهواتف الذكية وبعدها الأجهزة اللوحية، حيث أصبحت هذه الأخيرة أكثر حضورًا وتماسًّا مع حياة الفرد، وبالخصوص الفئة العمرية التي تخاطبها المقرّرات المدرسيّة.

ولكن تتبّع عناوين المقرّرات المدرسيّة التي غُيِّرَت مسمّياتها لا يفضي إلى الحكم بدقّة بعض مسمياتها الجديدة، وبخاصّة مع مادتي: «الدراسات الاجتماعية» و«الدراسات الإسلامية»، حيث دُمِجَ في الأولى منهما مواد: الوطنية والتاريخ والجغرافيا، حيث يجمعها العنوان الاجتماعي، ولكنّ المحتوى الذي يدرسه الطالب في هذه المراحل لا يمكن إطلاق مسمّى «الدراسات» عليه، حيث إنّ جل ما يدرسه فيها إنما هي مبادئ ميسّرة في هذه الموادّ الثلاث، ولا يصل إلى مستوى الدراسات المعمّقة.

وهكذا الأمر مع مادة «الدراسات الإسلامية» التي يدرس فيها الطالب مبادئ ميسّرة في العقيدة والفقه والحديث النبوي، وليس من المناسب إطلاق مسمّى «الدراسات» على ما يدرسه الطالب من محتوى تمهيدي ومبسّط فيها. لذلك قد يكون مسمّى: «مبادئ في الاجتماعيّات» أو «اجتماعيّات» أقرب لطبيعة المحتوى.

وعند التدقيق في مسمّى أحد فروع هذه المادة «الدراسات الإسلامية»، وهو: «الحديث والسيرة»، قد ترد الملاحظة ذاتها في مستوى انطباق مسمّاها على ما تحتويه من مادّة، ذلك أن المفهوم العامّ للسيرة قوامه اشتمالها على سلسلة أحداث متتابعة زمنيًّا، منذ حدث الولادة وما قد يسبقه من أحداث ذات صلة وصولًا إلى مرحلة الرحيل وما قد يتلوها من أحدث ذات علاقة.

وهو ما لا ينطبق على محتوى هذه المادة التي تقتصر على عناوين موضوعية ذات صلة بالسيرة النبوية الشريفة، مثل: علاقة النبي (ص) بأهله، وتعامله معهم، وبعض مظاهر السلوك الشخصي للنبي (ص)، من قبيل: النظافة الشخصية أو تنظيم الوقت، التي يُراد من ذكرها أن تكون موضع الاقتداء والتأسّي بنبينا الكريم (ص)، وهو هدف تربوي وديني مهمّ، ولكنها لا تُعْرَض بصورة متسلسلة زمنيًّا وضمن سياقاتها التاريخية وتتابعها المرحلي في سيرته (ص)، ما يجعل مسمّى «السيرة» صحيحًا ومنطبقًا عليها، وإنما هي خلاف ذلك.

نعم، يرد معنى «السيرة» بمعنى الحديث النبوي الذي يُراد منه – إلى جانب ما ورد عنه أقوال – ما ورد عن النبي (ص) من أفعال، ولكن لا يظهر أنه المعنى المقصود هنا؛ لأنّ التعبير بـ «الحديث والسيرة» يشير إلى نوعٍ من التغاير بين المفردتين، وفي حال أريد بالسيرة ما ورد عن النبي (ص) من أفعال، لا ضرورة لذكر مفردة «الحديث»، ولذلك يمكن الاكتفاء بإحدى المفردتين، ليكون العنوان منطبقًا على محتوى المادّة المقرّرة».

بمثابة التوصية:

من خلال استعراض مسمّيات المقرّرات المدرسية وما تشكّله من انعكاس لتطور العملية التعليمية، يمكن القول: إن هذه المسمّيات ليست مجرّد عناوين، بل هي معبّرات عن فلسفة تربوية تهدف إلى تقريب المقرّر إلى نفس الطالب وتوفير أرضية علمية تربط المحتوى بالمسمّى؛ حيث الحاجة ملحّة إلى تحقيق مزيد من الدقة والاتساق في اختيار هذه المسمّيات، بحيث تعكس طبيعة المادة ومستواها، وتحقق وضوحًا يخدم أهداف العملية التعليمية.

إنّ الاهتمام بهذه الجوانب يسهم في تعزيز جودة التعليم، ويُرسّخ أسسًا تربوية تخدم الطالب وتؤهّله ليكون قادرًا على التفاعل مع متطلبات العصر ومستجداته.

وما يمكن اقتراحه بهذا الخصوص أن يحتوي المقرّر الدراسي على مقدّمة ثابتة في كل صفّ تبيّن المقصود من مسمّى المقرّر الدراسي وأن يكون الشرح مناسبًا في كل صفّ دراسي مع المرحلة العمرية التي يخاطبها، وأن يكون المعنى متطابقًا مع المحتوى الذي يدرسه، وأن ينتهي المقرّر بخاتمة تبيّن ما يمكن أن يجنيه الطالب في حياته العملية من العناوين التي درسها في هذا المقرّر والسبل التي يمكنه أن يطور من خلالها ما اكتسبه من مهارات جديدة، وأن يكون، كذلك، بلغة خطابية تتلاءم ومرحلته العمرية.

وهو أمر لم يغب عن هذه المقرّرات، ولكن ما قد يلاحظ عليه أنه كُتِبَ بلغة لا تتناسب والمرحلة العمرية. ومثالًا على ذلك أنقل ما كُتِبَ من تعريف لمفهوم «الدراسات الاجتماعية» في هذا المقرّر للصفّ الرابع الابتدائي (عمر الطالب 9 – 10 سنوات) انطلاقًا من الإجابة عن سؤالين افتُتِحَ بهما المقرّر، هما: «ما الدراسات الاجتماعية؟، وماذا أتعلم من معرفة فروع الدراسات الاجتماعية؟» [مقرر الدراسات الاجتماعية للصف الرابع، ص 12]، حيث أجيب عنهما بالتالي:

«الدراسات الاجتماعية هي: الدراسات التي ترتبط بالإنسان وسلوكه واحتياجاته وقِيَمه، وعلاقته بالبيئة الطبيعية المحيطة به، وعلاقته بالمجتمع والوطن.

تفيدني الدراسات الاجتماعية في: معرفة تاريخ وطني، وتراثِه الحضاري، وجغرافيتِه، ومكانته العالمية، والمشاركة الإيجابية في بناء وطني.

نماذج من فروع الدراسات الاجتماعية:

الحكومة (سياسي)، التاريخ (مؤرّخ)، الاقتصاد (اقتصادي)، الجغرافيا (جغرافي)».

وعند التدقيق في هذه الإجابة، نقف مع مجموعة من المفاهيم لا يدركها طالب في هذه السنّة، لعلّ أولها مفردة «الدراسات»، ومنها: «التراث الحضاري»، و«المكانة العالمية» و«المشاركة الإيجابية» وغيرها من التعبيرات التي هي بحاجة إلى حصيلة لغوية وعلمية لم يصل إليها طالب هذه المرحلة.

كما أن ما سيق من إجابة قد لا يكون دقيقًا، ذلك أنّ العلوم الاجتماعية تتعدّد إلى جوانب عدّة لا يتطرّق إليها المقرّر، ولذلك قد يكون من المناسب أن يُشار إلى أنّ مفردة «الاجتماعية» في المقرّر تشير حصرًا إلى: مسائل المواطنة، والتاريخ الخاصّ بالمملكة، وجغرافيّتها. أو ما يؤدّي هذا المعنى.

اقرأ أيضاً

الموسوعة.. استعمال في غير محله

تعليق واحد

  1. صحيح ولكن على الاقل هناك مبادارات للتطوير والتغيير ؛
    ولكن لو دققة في بعض الاشياء مثل اسماء الشوارع والمدن وعناوينها وبعض اسماء المقيمين تجد الأخطاء !
    مثلا لوحة : الصناعية الثانية …
    تكتب بالعربي : الصناعية الثانية
    أما بالانجليزي تكتب الصناعية الثانية ولكن بحروووف انجليزية !!!
    وهذه لازلت موجودة حتى الان ولكن قل عددها الآن ؛ إذا نحن نحتاج مدقق لغة عربية وترجمة في قسم الترجمة والتخطيط والعناوين وللاسماء !
    وكذالك في قسم تسجيل واصدار الاقامااات حتى (كمثال) لا يكتب اسم محمد غازي ؛ محمد قازي (بالعربي) !
    او محمد سيبون (بالانجليزي) لا يكتب صيبون او صيفون (بالعربي) !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×