سيرة طالب 104] لذّة لا يعرفها إلّا من ذاقها!

الشيخ علي الفرج

في أيام دراستي في النجف في سنة ١٤١٠ هجرية كنت أدرس بنشاط متوقد، وكنت أشرب قهوة العلم وأحسّ بلذائذ لا يعرفها إلّا من ذاق حلاوتها، وفي ليالي المذاكرة بعد التحضير ولملمة المطالب العلمية كنت أقرأ كتابًا نفيسًا لبساطته وعمقه، وهو في القواعد الفقهية، ومن المؤسف أنني لم أعد أتذكر اسم مؤلّفه، حتى صارت عادتي قبل النوم قراءة قاعدة أو اثنتين، ثم أغفو على تحريك ذهني فيها.

نمت هادئ البال ذات ليلة ساكنًا لبرودة الجو، فرأيت طيفًا وحلمًا ناعمًا كأني أمشي في شاطئ بحر هادئ.

خضت في الشاطئ، فرأيت الشيخ الطوسي ساكتًا لا يتكلم.. يقترب منّي وأنا أقترب منه، ونحن نمشي بهدوء تدريجيًا في عمق البحر، حتى وصل عمق الماء إلى صدرينا..

وقف الشيخ الطوسي، فوقفت، أخرج بيده جرة وبدأ يشرب الماء منها، وأنا أنظر إليه.
ثم أعطاني الجرة وشربت من مائها فأحسست بحلاوتها جدًا. وكان في تفكيري ـ وأنا في الحلم ـ أعلم أنّ ماء الجرة هو العلم.
أقول: هذه الرؤيا كان حدوثها قبل أكثر من ٣٠ سنة ولكني الآن تحديدًا أحس بلذائذها الواقعية.

التاجر العراقي

حلّقت بنا الطائرة، وهبطت في مطار دبي، مشينا وركبنا الحافلة واقفين فيها، والجميع في سكوت. بدأت الحافلة تسير، شخص سلّم علينا بلهجة عراقية، فكان ردّ السلام عليه وإظهار الاحترام.

سارت الحافلة دقائق معدودة.. أنظر إليه بابتسامة، فيرد الابتسامة بأخرى، قلت له بكلام عابر: كلّ الناس يضجون ضجيجاً ويتقربون إلى المال والمنافع الدنيوية، ولكنّ القليل النادر من يتقربون إلى الله تقربًا خالصًا، فيلمسون حلاوة وجه الله.

فسكتنا، وبعد دقيقة تكلم بكلام خافت:
كلامك لم يؤثر فيّ فقط، وإنّما قلب حياتي.. بعد ذلك لا بُدّ أن أعيد النظر في أموري الأساسية، أنت طالب علم كما يبدو من هيئتك؟.
قلت: نعم.
فأعطاني بطاقة فيها جميع أرقام جوالاته، وهو أحد تجار الذهب، حتى وصلت الحافلة إلى المطار فودعته على أمل أن نلتقي قريبًا..

لا تعليق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×