سيرة طالب 105] امتحانات شتّى!

الشيخ علي الفرج

 

لا أقدر أن أحك رأسي
في سنة ١٤١١ هجرية كنت أمشي في واحد من أزقة بلدتي (القديح)، وإذا بشاب يقود دراجته، معروف من بين أبناء بلدتنا في ذلك الوقت أنه شبه مختل عقليًا.

وقف ليصافحني، وعليه ثياب غير مناسبة للرجال العقلاء.
احترمني لأنّي طالب علم معمّم أولًا، وثانيًا أعرفه ويعرفني منذ نعومة أظفارنا، فقال لي: أريد أن أزورك في بيتك.
قلت: ليس عندي وقت، ولا أقدر أن أحكّ رأسي.
فقال: آه … أنا أقدر أن أحكّ رأسك، فمتى أزورك؟
فضحكنا كثيرًا، وفهمت أنّ هذا الشاب لم يكن مختلًا عقليًا، بل فيه ذكاء متميز.

امتحان
ذهبت إلى المسجد لصلاة الصبح بهدوء وسكينة.
دخلت المسجد، وإذا بشاب مختل عقليًا، بل فيه ما يتعارف عليه مجتمعنا أنه (مجنون)، والمجنون من يفتقر إلى التمييز العقلي، والقدرة على إقامة علاقات ذات مغزى في حياته الشخصية.

وعلى كلّ حال، فهذا الشاب دخل المسجد قبلي، وهو متكئ على الجدار وينظر بوحشية مرعبة، وهو يتكلم بكلام مفكّك وغير مفهوم، وفي الوقت نفسه لم يسكت أبدًا في أوقات وجوده في المسجد.

بدأنا في صلاة الجماعة وانتهينا، ولا يوجد في قلبي خشوع وخضوع، والسبب تشويش هذا الشاب بصوته الرفيع.
وبعد أن انتهينا وخرجنا عن المسجد فكّرت:
لماذا يدبّر الله لنا هذا البلاء في وقت الخشوع؟
تفكرت وتأملت وكان جوابي القاصر:
1. أدخل الله لنا هذا الشاب ليوقظ قلوبنا الغافلة، ففي كلّ يوم نصلي صلاة الصبح بالراحة الكبيرة والمنّة والهبة الواسعة من الله، فلا بُدّ من الشكر العظيم متواليًا وفي كلّ يوم.
2. الشاب المختل عقليًا بلا شك ولا ريب ستفتح له جنات عدن، ولكنّ العاقل المسلم وغير المسلم لا يدري أتبسط رجله في النعيم أم في الجحيم.
3. لا تزعج نفسك بمجيء الشاب، فربما أدخله الله عليك ليمتحنك، أتصبر أم تيأس.

شبيه الفيلسوف
نقل لي أحد الطلبة المتميزين في الدراسة والصداقة أنه لما كان في النجف سمع عن وجود شخص اسمه (الشيخ معين)، وهو معروف عند العلماء أنه فيلسوف، إلّا أنه لم يكن يرتدي الزيَّ المخصص لطلبة العلوم الدينية، بل كان ملتزمًا بارتداء الثوب والطاقية المنحدرة.

كان صاحبنا يرغب في لقائه، ليطرح بعض المسائل عليه، في الوقت نفسه يوجد شخص معروف في النجف يشبه الشيخ، ولكنه مختل عقليًا، التقى به صاحبنا معتقدًا أنه الشيخ الفيلسوف، طرح عليه مسألته الأولى، قال له: شيخنا، لو الإنسان كذا وكذا، وذكر له مسألة فلسفية، فكيف كان الجواب؟

التفت وهو يضحك بأسلوب مختل عقليًا، فعرف صاحبنا حينها أنه ليس الشخص المقصود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×