[2 من 3] “التواصل الاجتماعي” في 2018: #كُمٌّ_قصير
جعفر عمران*
انفضّ السامر
في العام 2018 بلغ الفرد مرحلة النضج. ربما حطّ رحاله في شبكة معينة؛ وجد أنها المناسبة لشخصيته ولنشر أفكاره ولحظاته ويومياته، وربما ظلّ محتفظاً بصلته ببقية الشبكات أو شبكة واحدة أخرى فقط من باب التواصل مع أصدقاء معينين وحسابات محددة، يتردد عليها بين فترة وأخرى أو ربما يهملها أو يغلقها.
كان من الملاحظ أنه مع نهاية العام 2018 قلّ التدافع على بوابات قروبات الواتساب، وخف الاندفاع على متابعة كل جديد من خلال حساباته في بقية التطبيقات. انفض السامر ولم تعد الشبكات تحمل جديداً دائما. أو ربما هذا “الجديد” لا يعنيه من قريب. وربما ستدخل بعض الشبكات في الرتابة وتأخذ صفة النمطية، وقد يعود ذلك إلى رتابة ونمطية الإنسان نفسه، فالتواجد المستمر يجعل اللون باهتاً، ويُفرغ الشخصية من محتواها وينضب معينها بما يمتلكه الإنسان من معرفة وتجارب محدودة مهما عظُمت، فيضطر أن يلمّع وجهه وكلماته أو يهذر بأي شيء رغبة فقط في “التواجد” وملء كيسه من الإعجابات والتعليقات التي تمدّه بأفراح صغيرة يعلّقها على جدران روحه، ولكنها سرعان ما تجف، فيطمع في المزيد. طمعٌ لا يشبع وكيس لا يمتلئ.
لا تبني ثقافة جادة
كل ذلك يساعد الفرد أن يكون ناضجاً في تعامله مع شبكات التواصل الاجتماعي، فلم تعد براقة بما يكفي رغم طزاجة ما تنشر، لا سيما وأنّ من يتسيّد المشهد أشخاص جاؤوا من الهامش، وهؤلاء المهمشون الذين يتصدرون المشهد غير قادرين على صناعة خصوصية أو نخبوية، فتغريداتهم ورسائلهم ما هي إلا ردة فعل عاطفية لحدث طارئ او تسلية وترفيه و(طقطقة)، وهي حالة لا تصنع حدثأ أو تتخذ موقفا يمكن الانتماء إليه أو تبنّيه. أدرك المثقفون والجادون أن شبكات التواصل لا تبني ثقافة جادة، وليست مكاناً للحوار أو بث المعرفة أو اتخاذ موقف أو صناعة رأي. وإن كان ثمة رأي فهو رأي عابر لا يعول عليه ويمكن التخلي عنه برأي آخر طارئ. رأيٌ سريعُ التحول لا يحمل صفة الثبات أو التأثير في المتلقي، مثل هبوب الرياح تعبر وتؤثر وتسقط أشخاصا وتضع أشخاصا تدمر وتهدم وتمضي وتركد ثم تأتي رياح أخرى عابرة.
ما يفوت يمكن الإمساك به
ومع هذه الحال ليس أمام الفرد الجاد إلا (أن يمدّ رجليه) ويمكث في معمله وعمله، وليس أمام المثقف إلا أن يعود إلى كتبه، إلى التأمل والتفكير والعمل، وأن ما سيُنشر في شبكات التواصل يُمكن الرجوع إليه، وأن ما يفوت يمكن الإمساك به، وستكون شبكات التواصل بالنسبة إليه أيضا حالة ترفيه وتمضية وقت، يفتح نافذته عليها وقت استراحته كلما ضاقت عليه العزلة. وكلما رغب في التواصل مع الآخرين.
——
*مهتم بثقافة الصورة
يُتبع غداً في الـ 8 صباحاً