ومرَّ عامٌ على رحيل الجنَبي
عبدالله بن علي الرستم
مرَّ عامٌ على رحيل الصديق الأستاذ عبدالخالق الجنبي (رحمه الله)، وخلال تلك الأيام التي فقدنا فيها أبا طاهر لا أعلم كيف أصفها، فقد تخللتها أحداثٌ كثيرة على المستوى الشخصي، فأولى تلك المسائل أني كلّما مررتُ بجوار مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض، أستشعر المرارة حيث هذا الطريق هو الذي كنتُ أسلكه حال زيارتي له حينما كان على أحد أسرّتها، وشاءت الأقدار بعد رحيله بشهر أو شهرين تقريباً أن تكون إحدى أخواتي مع ابنتها على أحد تلك الأسرّة، وحيث أسير في ممرّات المستشفى لا أعلم كيف أشعر وكأني ذاهبٌ لأبي طاهر الجنبي وليس لشخص آخر، هكذا ينتابني شعورٌ مربكٌ غير متّزن بين من كنتُ أزورهُ ومن سأزوره الآن!!
والحديث عن المشاعر لا يمكن وصفه أو يُترجم إلا عبر محاولات من تركيب بعض الحروف ببعضها البعض لنكوّن بها جُملاً وعبارات نظنُّ أننا نستطيع وصف ما نشعر به وما تختلجه نفوسنا، وأظنُّ أني لا زلتُ أشعر بذلك الشعور كلّما مررتُ بجنب المستشفى.
وبعد رحيل الأستاذ الجنببي، تابعتُ ما كُتب بحقه وما سمعته أكثر مما قرأته في ترحم الباحثين عليه، وما كتبته الصحف من مقالات عن شخصيته (رحمه الله) من مقالات انطباعية وغيرها، وأرى أن المقالات الانطباعية بما تشكله من أهمية، إلا أن العناية والنقاش بما كتبه هو الأهم، فقد كنتُ خلال الفترة المنصرمة أراجع بعض كتاباته، وبعض أحاديثي معه على وسيلة التواصل (الواتساب) التي تجعلني أقرأ ما تركه من أثرٍ جميلٍ في كتاباته وحواراته ومحاضراته من زوايا أخرى، ناهيك عمّا كتبه من بحوثٍ لم تأخذ نصيبها من النشر حتى الآن، والتي أرجو أن لا يطول وقت مكوثها، فمن الوفاء له أن تكون تلك الكتب بين أيدي الباحثين ومحبيه؛ ليجددوا العهد به عبر قراءة ما خلّفه من بحوثٍ ومقالات رصينة، بذل فيها الجهد والعناية، بالإضافة إلى ما سطرته أقلام محبيه من مرثيات نثرية وشعرية وأن تكون بين دفتي كتابٍ للتعرّف على الزوايا المتعددة في قراءة سيرته العلمية والاجتماعية.
وتمر الأيام وأنا أسمع وأقرأ بين الفينة والأخرى حديثاً عنه أو نقاشاً عن كتبه التي لا زال بعض الباحثين يحرص على اقتنائها؛ ومن لطيف ما قرأته ما نشره مركز الشيخ حمد الجاسر من كتابٍ تحت عنوان (مختارات من مراسلات الشيخ حمد الجاسر العلمية) وقد تضمّن الكتاب رسالتين من الشيخ الجاسر إلى الأستاذ الجنبي، وهو طبعاً ما تم اختياره وإلا فتصوّري أنها أكثر من رسالتين، تعود إحداها إلى عام 1415هـ، والأخرى إلى عام 1419هـ، وهذه الرسائل تنبئ بأن الجنبيَّ له مراسلاتٌ كثيرة تكشف عن مدى حرصه في التواصل مع الباحثين كلٌ وتخصصه، ناهيك عن مشاركاته في المحافل العلمية التي يلتقي فيها كثيراً من الباحثين في مجال التاريخ والآثار.
وبعد عامٍ، لا زال رحيل الجنبي يشكّل لوعةً في قلوب محبيه، ولا زلتُ أذكره بما هو أهلٌ له.