هل نتمكن من استرجاع الذكريات من دماغ شخص مُتوفى؟
ترجمة عدنان أحمد الحاجي
تعرف علماء الأعصاب على مواضع تخزين الذكريات في الدماغ. ولكن هل سيمكننا ذلك من استعادة ذكريات شخص مُتوفى؟.
الذكريات البشرية يمكن أن تكون مركبة (معقدة)، خاصة الذكريات طويلة الأمد (1) التي قد تكون مقترنة بمواقع (جغرافية) أو علاقات اجتماعية أو مهارات شخصية، وفقًا لعيادة كليفلاند Cleveland Clinic.
ومما يزيد من تعقيد (صعوبة) عملية استرجاع ذكريات الشخص المتوفى أن الجوانب المتفرقة من الذاكرة والمتفرقة على جميع أنحاء الدماغ؛ على سبيل المثال، التفاصيل الحسية (التي تستخدم المعلومات الحسية من الحواس الخمس) التي يمكن أيضًا أن تُحفظ في الفص الجداري (2) والقشرة الحسية (3).
الخلايا العصبية داخل الـ إنغرام (4) الواحد مرتبطة ببعضها عن طريق مشابك عصبية، والمشابك العصبية هي المساحات بين الخلايا العصبية التي تنتقل عبرها الإشارات الكهروكيميائية، وفقًا للمكتبة الوطنية للطب (5. 6).
عندما تثار الذاكرة [بمثير أو منبه خارجي (7)]، فإنها تبدأ سلسلة من الاشارات الكهركبميائية عبر المشابك العصبية بين هذه المجموعات من الخلايا العصبية، والتي يمكن تخزينها (حفظها) في أنحاء مختلفة من الدماغ. في البداية، الخلايا العصبية التي كانت نشطة أثناء الحدث الأصلي تمثل إنغرامًا واحدًا (الـ إنغرام يعتبر وحدة معلومات إدراكية). ولكن بمرور الزمن، هناك أدلة على أن الذكريات تنتقل إلى مواضع مختلفة حيث توطد في الدماغ (8)، كما قال دان أرنولد DonnArnold لموقع Live Science في رسالة بالبريد الإلكتروني. وقال: “في النهاية نحصل على هذه السلسلة من الخلايا العصبية التي تشفر هذه الذكريات المختلفة، وكل واحدة منها مرتبطة بهذا الإنغرام”.
مجرد فصل الخلايا التي تشكل الـ إنغرام لن تكون طريقة جيدة لاسترجاع الذاكرة. فالـ إنغرام ليس في الحقيقة هو الذاكرة، بل هو موضع تخزين (حفظ) الذاكرة، كما يقول أرنولد، لذا، حتى لو وجدت إنغرامًا، سواء أكان عن طريق النمذجة أو عن طريق التجربة على شخص على قيد الحياة (وهو أمر غير محتمل)، سيكون من الصعب إعادة إحياء الحدث الأصلي كما عاشه الشخص المتوفى قبل أن يتوفى.
“الذاكرة عملية ترميمية جدًا، مما يعني أنك تتذكر شذرات وجوانب من الحدث، لكنك لا بمكن أن تتذكر كل شيء بالفعل،” كما قال تشاران رانغاناث Charan Ranganath، مدير برنامج الذاكرة واللدونة العصبية بجامعة كاليفورنيا في ديفيس، لموقع Live Science. وقال طريقة تكوين الذكريات طريقة اقتصادية، لأن الدماغ يمكنه استخدام الأشياء التي يعرفها بالفعل لملء فراغات [التجربة]، دون الحاجة إلى إنشاء “سجل” جديد لكل جزئية من التجربة (الذاكرة). على سبيل المثال، قد يتذكر أحد الأشخاص تناوله كعكة الشوكولاتة ولعبة لعبها في حفلة عيد ميلاده الخامس. لكنه لا يتذكر التفاصيل الأخرى، مثل الأصدقاء الذين حضروا أو ما إذا كانت السماء تمطر حينها. ومع ذلك، فإنه يحتفظ بالذاكرة الإجمالية لتلك التجربة (الحدث).
وقال رانغاناث إن أفضل نموذج للشبكة العصبية سيتطلب تصاوير لدماغ شخص يتذكر أحداثًا مرت عليه بشكل متكرر طوال حياته. ومن ثم، ربما يمكنك استخدام الشبكة العصبية لإعادة تشكيل أحداث ذاكرة معينة بعد وفاة أحد الأشخاص. ومع ذلك، هذا يفترض أن الذكريات هي شيء ثابت لا يتغير، وهي مثل ملف محفوظ على قرص كمبيوتري صلب يعيد سرد سلسلة أحداث مرت. وقال رانغاناث إن الذاكرة ديناميكية متغيرة لا ثابتة.
وقال: “إننا نضفي على ذكرياتنا كل أنواع المعاني ووجهات النظر بطريقة لا تعكس بالضرورة الحدث (أو ما حدث)”. “نحن لا نعيد سرد الماضي، نحن فقط نتخيل كيف جرى الحدث في الماضي.” وقال إن كل هذا هو محاولة لفهم تجاربنا (الأحداث) الماضية باعتبارها أكثر من مجرد سلسلة بسيطة من الأحداث مرت علينا. ولذلك، على الأقل، ذكريات الحياة سوف تموت مع الشخص المتوفى.
وقال أرنولد تُشفر الذكريات بواسطة مجموعات من الخلايا العصبية. تتشكل الذكريات القصيرة والطويلة الأمد في الحصين. وتخزن (وتحفظ) مناطق أخرى من الدماغ جوانب مختلفة من الذاكرة، مثل الإنفعالات والتفاصيل الحسية الأخرى، وفقا لعيادة كليفلاند (9). وقال أرنولد إن مجموعات الخلايا العصبية المرتبطة بذاكرة واحدة تترك أثرًا ماديًا (فيزيائيًا) في الدماغ يسمى الـ إنغرام.
لقد تعرف باحثو علم الأعصاب على إنغرامات في حصين أدمغة الفئران. على سبيل المثال، في دراسة (10) أجريت عام 2012 ونشرت في مجلة نيتشر، وجد الباحثون خلايا دماغية معينة مقترنة بذكرى تجربة تسببت في حدث مخيف للفئران حينئذ.
وقال أرنولد إنه إذا كان لدى الباحثين نموذج كامل للدماغ البشري (وهو ما لم يحصلوا عليه بعد)، فبإمكانهم، من الناحية النظرية، تحديد موضع الذاكرة التي يريدون استرجاعها.
عندما يموت أحد أفراد الأسرة يترك وراءه ممتلكاته الشخصية، ولكن ماذا سيحدث لكل تجارب حياته؟ هل يمكننا استعادة الذكريات من دماغ شخص مات؟
قال أرنولد، باحث علم الأعصاب في جامعة جنوب كاليفورنيا، لموقع Live Science، إن استرجاع بعض جوانب الذكريات قد يكون ممكنًا، لكن من المحتمل أن يكون ذلك عملًا صعبًا من الناحية الفنية.
في وجود التكنولوجيا المتوفرة اليوم، قد تسير عملية استرجاع الذكريات على هذا النحو. أولاً، التعرف على (تحديد) مجموعة خلايا الدماغ، أو الخلايا العصبية، التي تشفر ذاكرة معينة في الدماغ وفهم طريقة ارتباطها ببعضها. بعد ذلك، نحتاج أن ننشط تلك الخلايا العصبية لإنشاء شبكة عصبية تقريبية (11)، وهي خوارزمية تعلم آلي تحاكي الطريقة التي يعمل بها الدماغ.
ـــــــــــــــــــ
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/ذاكرة_طويلة_الأمد
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/فص_جداري
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/قشرة_حسية
4- “إنغرام engram هو وحدة من المعلومات الإدراكية داخل الدماغ، وهي من الناحية النظرية، الوسيلة التي تُخزن من خلالها الذكريات كتغييرات فيزيائية وكيمياء حيوية في الدماغ والأنسجة العصبية الـ ألأخرى أستجابةً للمنبهات الخارجية.” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
https://ar.wikipedia.org/wiki/إنغرام_(علم_النفس_العصبي)
5- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK526047/
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/المكتبة_الوطنية_للطب
7- https://www.psychologytoday.com/intl/blog/intense-emotions-and-strong-feelings/201711/being-triggered-how-emotional-memories-affect-us
8- https://ar.wikipedia.org/wiki/توطيد_الذاكرة
9- https://my.clevelandclinic.org/health/articles/memory
10- https://www.nature.com/articles/nature11028
11- https://www.livescience.com/technology/artificial-intelligence/what-is-artificial-intelligence-ai
المصدر الرئيس
https://www.livescience.com/health/memory/could-we-ever-retrieve-memories-from-a-dead-persons-brain