طبيعة الدموع الانفعالية
ترجمة عدنان أحمد الحاجي
قدم لها الدكتور رضي حسن المبيوق، برفسور علم النفس التربوي سابقًا، جامعة شمال أيوا
مقدمة البرفسور رضي حسن المبيوق
ذرف الدموع هو تعبير لحالة انفعالية قد تكون سارة وسعيدة حينًا وقد تكون حزينة أو صعبة أحيانًا.
سواءً أكانت الدموع صامتة أو يصاحبها بكاء أو تعبيرات صوتية، أيًا كانت الحالة الانفعالية، فهي في معظم هذه الحالات تجسد صدق وعمق وعفوية تلك الانفعالات، إن لم تكن دموع تماسيح.
المقالة القيمة التي بين يديك تتناول هذه الحالة الإنسانية وهي ذرف الدموع للتعبير عن مشاعر وانفعالات معينة وتكشف بعض مسبباتها. النقطة المركزية في المقالة هي دور الدموع في تخفيف وطأة الضغوط النفسية واستعادة حالة التوازن النفسي.
في المجال العرفاني، البكاء وما ينتج عنه من دموع هو وسيلة من الوسائل الروحانية تعيد للنفس صفاءها ونقاءها سيما في حالة التضرع إلى الله عز وجل وأوقات طلب التوبة والمغفرة والرحمة منه سبحانه وتعالى.
أما بالنسبة للجانب النفسي، يحضرني موقف، لم أنسه وربما لن أنساه أبدًا. في خريف عام 1977 تعرف زميلي في الشقة على عائلة أمريكية مكونة من زوج وزوجة وطفلين يبلغان خمس وثلاث سنوات، على التوالي. لبت العائلة دعوة زميلي على وجبة عشاء شرقي استساغوها كثيرًا. وبعد تناول وجبة العشاء قدمنا الشاي والفواكه وأطباق من الحلوى وتجاذبنا أطراف الحديث ناقشنا فيها مواضيع عن البلدة التي كنا نعيش فيها والجامعة التي كنا ندرس فيها، وأثناء الحديث بدأت ملامح وجه الزوج مايكل تتغير وغطى وجهه بيديه وبدأ يبكي بكاءً شديدًا وبصوت عال والدموع تجري بغزارة على وجنتيه.
شعرت أنا وزميلي بالحرج من تصرف الضيف وخشينا أن يكون ذلك بسبب تصرف بدر منا ساهم من غير قصد في حالته هذه.
أدركت زوجته أمارات الحرج على وجوهنا، ولذلك سارعت إلى طمأنتنا بأن بكاء زوجها ليس له علاقة بأي تصرف بدر منا، ولكن اقترحت أن ندعه يستمر حتى ينتهي من نوبة بكائه، وبعد نوبة البكاء تلك مسح الرجل دموعه.
اعتذر لنا وقال بأنه تذكر حدثًا مريعًا عاد به إلى يوم لا زال محفورًا في وجدانه. ذلك اليوم كان يتعلق بتجربته الشخصية في حرب فيتنام حين تحرك هو ومجموعته تجاه قرية. أتت الأوامر حينها بإطلاق النار على أي شي يتحرك فيها. وعند دخولهم القرية هجموا على أول كوخ ووجدوا فيه امرأة عجوزًا مرعوبة جدًا. تأمل الرجل في تعابير وجه المرأة ولاحظ حركة من تحت ثيابها؛ تبين لاحقًا أنها كانت تخبيء تحته ثلاثة أطفال. تردد في إطلاق النار عليهم للحظة، ولكن صدرت الأوامر له بقتلهم جميعًا وإلّا ستُطلق عليه النار لو رفض.
“لقد كنت جبانًا حينها، قال لنا مايكل، واخترت لنفسي البقاء. ومن ذلك الحين لا زلت أتحمل تبعات تلك الجريمة؛ ولذلك، أشعر من الداخل أني بالفعل ميت مع أنني ما زلت أتنفس وأتحرك. وكل ما تنتابني مشاعر الكرب التالي للصدمة أنفجرُ بكاءً وأذرفُ دموعًا، وهو ما اعتبره علاجًا ناجعًا لأزمتي النفسية يضفي عليّ هدوءً وراحة نفسية ولو بشكل عابر”.
تبين لنا من هذه السردية بأن الذاكرة الترابطية لعبت دورًا هنا في استحضار الرجل حدثًا قديمًا ساعد في إثارة نفسه اللوامة وسيطرت على مشاعره حينها وأسلمته لنوبة البكاء تلك. ومن هنا تتبين القيمة العلاجية للبكاء وذرف الدموع ودورها في استعادة التوازن النفسي.
والآن أتركك أيها القارئ الكريم مع المقالة الثرية بمحتواها.
الدراسة المترجمة
شف برفسور جامعة ميامي، بالتعاون مع اثنين من زملائها، الأسباب التي قد تجعل البكاء إشارة غير لفظية.
كلنا.. الناس يبكون.
أحد أهداف ذرف الدموع ترطيب العيون والمحافظة على صحتها، وبعضها الآخر يتمثل في تنظيفها من الغبار وحبوب اللقاح والملوثات الأخرى.
تلعب الدموع الانفعالية دورًا آخر. وبالرغم من أن الدموع قد تثيرها انفعالات قوية، كالغضب، أو الألم، أو الخوف، أو خيبة الأمل، إلا أن هناك جوانب لهذه الدموع لم تخضع للدراسة بشكل كامل.
في ورقة بحثية بعنوان “الدموع الانفعالية: ما طبيعتها وكيف تنفع” نشرتها ديبورا ليبرمان Debra Lieberman، برفسور في قسم علم النفس في كلية الفنون والعلوم، والمؤلفان المشاركان دانييل سنيسر Daniel Sznycer من قسم علم النفس في جامعة ولاية أوكلاهوما والدكتور أسمير جراكانين Asmir Gračanin من قسم علم النفس بجامعة رييكا في رييكا Rijeka بكرواتيا، استكشفوا منطقة في الدماغ لم تُستكشف في عالم الدموع الانفعالية من قبل. وستنشر الدراسة في مجلة التطور والسلوك البشري هذا العام.
وخلصت الدراسة إلى أن الدموع هي إشارات غير لفظية تنقل القيمة التي يضعها الشخص على الأفعال والأفكار والأحداث، على حد قول ليبرمان. الدموع هي – إلى حد ما – إشارات صادقة لمدى إدراك الشخص لحالة من الحالات تدور حوله – تتراوح من أكثرها بهجة إلى أكثرها قتامة.
الدموع قد تكون مصاحبة لإنجازات عظيمة أو خسارات فادحة. تُذرف الدموع في حالة من حالات الحب، أو حين نعبر عن امتنانا، أو حين نعبر عن غضبنا. قد يبدو أن طبيعة عالمية الدموع تقاوم المبرر الوظيفي الآني لها. بيد أن ليبرمان وزملاؤها قالت إن الدموع، مثل رفع الصوت في الحالات العادية أو رفع الصوت في حالات الغضب أو الصراخ، تنقل مدى حدة الحالة التي يشعر بها الناس.
ذكر الباحثون “إن الدموع تشير إلى تقييم داخلي للأهداف كوسيلة لتحقيق غاية من الغايات – كمحاولة لإجراء تعديل لتقييم هدف صاحب الدموع (الباكي) وسلوكياته بطرق من شأنها أن توظف لخدمته وتحقيق أهدافه.” “على سبيل المثال، قد يؤدي البكاء إلى توقف الزوج (الزوجة أو الزوج) عن تصرف لا يعجب أحدهما.”
ولكن من يبكي؟
تزعم ليبرمان وزملاؤها أن الناس يبكون أكثر عندما تكون هيبتهم العدوانية أو قدرتهم على الحصول على فوائد أو منافع قدرة منخفضة؛ وهذا يحدث عندما يكون مستوى نفوذهم منخفضًا في حالة اجتماعية معينة.
وأضافت أن هذا يفسر إلى حد ما سبب ميل النساء إلى البكاء أكثر من الرجال، وميل الأطفال إلى البكاء أكثر من الكبار. وأضافت أنه في مجتمعنا لا يزال أغلب الرجال يتمتعون بمكانة أعلى من النساء، سواء من الناحية البدنية أو من حيث القوة. وهكذا، فإن المرأة في موقف ينطوي على خلاف مع الرجل تميل إلى البكاء، ولكن لو كانت في نفس الموقف مع امرأة أخرى، فقد لا تجدها باكيةً.
وذكر الباحثون: “إن القدرة على الغضب وفرض التكاليف المادية لم تكن غريبة على النساء في عصر الأسلاف، اللائي كن ينخرطن في صراعات أو خلافات بدنية (شباك بدني) بين الإناث، وكن يتعاملن أيضًا مع أطفال وشباب أقل هيبة”. “بيد أن الخلافات بين الرجال والنساء شكلت تهديدات كبيرة للنساء، وبالتالي فإن قدرة النساء على التحول من العدوان المباشر إلى البكاء يُعد تحولًا تكيفيًا (مكتسبًا). وعلى النقيض من ذلك، فإن الدموع والإشارات الأخرى التي توحي بهيبة ضعيفة قد يكون لها تأثيرات أكثر سلبية على قوة الذكور.
وبطبيعة الحال، قد تذرف الدموع أيضًا حتى عند الذين يتمتعون بنفوذ كبير في حالة معينة، على سبيل المثال، عند التعبير عن شدة ما يشعرون به من الفخر تجاه إنجازاتهم الخاصة. في حالات ذروة الإنفعال قد يذرف أي أحد دموعه.
وتتضمن النتائج الأخرى التي توصلت إليها الدراسة ما يلي:
1- يبكي الناس بدموع انفعالية بقرب من يتفاعل ويتعاطف مع محنتهم ويواسيهم. وهذا يفسر لماذا قد يسقط الطفل على الأرض لكن لا يبدأ بالبكاء إلا عندما يصل إلى أحد والديه أو مقدم الرعاية له. شدة البكاء المطلوبة لتحصيل الاهتمام المطلوب يمكن أن توفر معلومات ضمنية عن من يظهر اهتمامه ومدى هذا الاهتمام. في بعض الحالات قد يبكي الإنسان أمام من يهتمون به، وإذا لم ينفع ذرف بعض الدموع فقد يبدأ بالبكاء. من ناحية استراتيجية، يقرر العقل مقدار البكاء الذي يحتاج اليه لاستدرار تعاطف الناس.
2- يُنظر إلى الباكين على أنهم أقل هيبة من الناحية البدنية. البكاء، في السياقات السلبية، يشير إلى أن الباكي قيٌم الوضع على أنه قد يفرض تكاليف غير مبررة عليه. بالرغم من أن النساء، اللواتي يستخدمن الدموع بشكل أكثر تواترًا في حل الخلافات الاجتماعية، قد يفهمن أن الدموع مقترنة بتكاليف متصورة، إلّا أن الرجال قد يفسرون مثل هذه الإشارات على أنها علامة على ضعف الباكي وتوحي بأنه غير قادر بدنيًا وربما ذهنيًا على التعامل مع الحالة. وقد يترجم هذا إلى تصورات بعدم جدارته.
3- النساء الحوامل تبكي أكثر من النساء غير الحوامل وذلك لأنهن أكثر حاجة وأكثر هشاشة.
ورغم أن الورقة البحثية لا تتطرق إلا بشكل موجز إلى الدموع والاضطرابات النفسية المختلفة، تذكر ليبرمان أن حساسية الناس لدموع الآخرين تختلف من شخص لآخر. بالرغم من أن معظم الناس تفهم أن الدموع تعني أن الباكي يشير بأنه “مجروح عاطفيًا” أو “بحاجة إلى مساعدة” أو بشكل عام يشعر بأنه “يتحمل تكلفة ما،” فإن مرضى الاضطرابات النفسية والنرجسيين، الذين يفتقرون إلى التعاطف الوجداني، لا يفسرون الدموع بهذه الطريقة. يبدو الأمر كما لو أنهم محصنون ضد تأثير الدموع التلاعبي (استخدام الدموع للتلاعب بالمشاعر أو لاستدرار التعاطف) ولكنهم لا يواجهون أي مشكلة في استخدامهم لدموعهم التلاعبية لتحقيق أهدافهم والوصول إلى رغباتهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر الرئيس
https://news.miami.edu/stories/2025/01/what-are-emotional-tears.htm
البكاء او الدموع هو سلاح قوي جدا جدا بيد الضعفاء وهو دليل على رقة القلب (والعفوية وهي عدم قصد الايذاء او الاعتداء) ومن قلوبهم قاسية تجد عيونهم لا تدمع وقلوبهم لا تخشع وكيف ترق او تخشع وهي قاسية !
يقول الأمام الحسين (ع) في يوم العاشر من المحرم مخاطبا القووم (ان قسوة القلوب من ملىء البطون من الحرام ) ؛ وهناك من وفقه الله وهداه بعد عشرين سنة من قيادة الجيش لدى اعداء أمير المؤمنين (ع) وهو الحر ابن يزيد الرياحي وهذا اعجوبة عجائب الله ورضاه في خلقه لمن تجنبوا اكل الحرام ؛ وصدقة نياتهم !
والخلاصة ان النساء والاطفال وكبار السن هم أكثر رقة خصوصا إذا تجنبوا اكل المال الحرام سواء طعام محرم او مال مغصوب من قبل من يعيلهم !
ولهذا دعاءهم مستجاب بحق من يساعدهم او ضد من يظلمهم !
( أنما يخشى الله من عباده العلماء)
يعني ان من يخاف الله هم من يعرفونه وليس العكس ؛ وكما في دعاء الصباح لامير المؤمنين (ع) :
من يعرفك (بارب) فكيف لا يخافك !