عادل.. الصديق.. الصادق

القطيف: ليلى العوامي

على حين غفلة من القلب غادر أحبته وزملاءه ورفقته، وترك ذكريات امتدت لعقود عند بعضهم، وتكثفت عند آخرين في أشهر كانت كفيلة لتوطد بينهم صداقة صادقة وعلاقة حميمة.

عادل الصادق أحد فرسان الحرف في المنطقة الشرقية، وواحد من رجال العمل الصحافي، امتدت تجربته لتطاول 40 عاما، ظل راكضاً خلالها بين التحقيقات والتقارير، ومن محرر مبتدئ إلى مستشار للتحرير، تقلب اسمه في صفحات قافلة أرامكو، فأخلص لها وأخلصت له حتى اقترن اسمه بها، وفي خضم انشغالاته التي لا تفتر عرف كيف يمتلك قلوب المحيطين به بدماثة خلق ولين عريكة.

كان مقبلا على الناس بابتسامة لا تخبو من محياه رغم الألم الذي اعتصره بعد رحيل ابنه، ومن ثم آلام المرض والوهن.

وقد فَجع محبوه برحيله عنهم تاركاً غصة في قلوبهم.

وفيما يلي تسرد “صبرة” كلمات سطرها الأحباب والأصحاب حزناً ووجعاً وفقداً.

أيقونة النشر في أرامكو

فؤاد الذرمان*

أتذكر يوم الأربعاء 31 يوليو 2019، حين كنت بصحبة كوكبة من زملاء العمل والأصدقاء نودع عادل الصادق عند بوابة المنطقة المركزية لمقر أرامكو الرئيس في الظهران. في تلك اللحظة، كان يختتم مسيرة مهنية مظفرة استمرت 38 عامًا في خدمة أرامكو والوطن، بدأها بخمس سنوات قضاها مبتعثًا في الولايات المتحدة الأمريكية لإتمام دراسته الجامعية، والتي أنهاها بتفوق وتميز.

لم يكن عادل الصادق شخصًا عاديًا، بل كان أيقونة في مجال النشر العربي داخل أرامكو. على مدار 32 عامًا، كانت المطبوعات العربية، سواء مجلة القافلة أو نشرة القافلة الأسبوعية أو غيرها من الإصدارات، مسرحًا لإبداعاته ومواهبه التحريرية. ولا أظن أن كاتبًا سعوديًا أو غير سعودي ارتبط اسمه بـ “القافلة الأسبوعية” أكثر من ارتباط الأستاذ عادل بها؛ فقد بدأ كاتبًا، ثم محررًا، ثم مسؤولًا للتحرير، ثم رئيسًا للتحرير، وأخيرًا مستشارًا للتحرير، تُعرض عليه النشرة الغرّاء كما تُعرض عليه إصدارات أخرى لإبداء الرأي وتقديم المشورة.

ومن المفارقات المدهشة أن “القافلة الأسبوعية” صدرت لأول مرة في 23 نوفمبر 1959، وذلك قبل شهر واحد فقط من ميلاد عادل الصادق، دون أن يدري أن هذه النشرة ستصبح سفينته ووجهته ومسؤولية قيادتها بعد 45 عامًا.

ويوم أمس، فُجعتُ – كما فُجع أهله وأصدقاؤه ومحبيه – برحيله عن دنيانا الفانية بعد معاناة مع القلب. أسأل الله العظيم أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته، ويسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.

عظَّم الله أجركم، وأحسن عزاءكم.

إنا لله وإنا إليه راجعون

صورة تمثل آخر يوم دوام لعادل الصادق رحمه الله في أرامكو 31 يوليو 2019 وقد خرج رفاقه لتوديعه إلى البوابة. يظهر في الصورة من اليمين إلى اليسار:
1- الشاعر عبدالوهاب أبو زيد الذي خلف عادل الصادق في رئاسة تحرير نشرة القافلة الأسبوعية
2- بندر الحربي رئيس التحرير الأسبق لمجلة القافلة (منفصلة عن النشرة الأسبوعية)
3- فؤاد الذرمان، مدير عام شئون مكتب الرئيس
4- عادل الصادق، الشخص المحتفى بخدمته
5- فهد الضبيب، مدير عام الشئون العامة الأسبق في أرامكو
6- متعب القحطاني، الرئيس الأسبق لقسم النشر في أوامكو

ــــــــــــــــــــــ

*مدير عام مكتب رئيس أرامكو السعودية حالياً

 

عمرٌ من الود والألفة

محمد الدميني*

يا عادل الصادق..

كسرني غيابك الفاجع، كما كسرني غياب الأصدقاء الراحلين قبل سنة وسنتين وأكثر أو أقل.

بيني وبينك عمرٌ من الود والألفة والعمل المشترك، وأيضاً العذابات والمشاقّ المشتركة.

لأسباب لا نعلمها كان مكتب عملي في أرامكو السعودية، طيلة عقدين ونصف، ملاصقاً لمكتبك، نصبح بالخير ونمسّي بالخير على بعضنا في آخر النهار، وربما في منتصف الليل. إذ لا نعرف في زحام العمل والمتطلبات المتراكمة متى يبدأ النهار ومتى يبدأ الليل.

هذا القرب جعلنا نعرف تفاصيل حياتنا. كل هموم العائلة ومسارات الأصدقاء والكتب والأسفار القليلة والكتابات بما فيها الاستطلاعات الشيقة التي نشرت في مجلة القافلة والقافلة الأسبوعية.

نقرأها ونحررها، ونشطب ونعيد الكتابة إن طلب منا ذلك.

بيننا أيام فرحة نشتعل فيها حتى الثمالة، وبيننا أيام صعبة وسوداء تقطر أسىً ، كان من بينها رحيل خالد ابنك المتفوق ذكاء وعذوبة لكنه غادر الحياة مبكراً، وبينها رحيل أخي علي الدميني وأصدقاء مشتركين كلهم ذهبوا الى خالقهم وتركوا لنا آلاماً لن ننجو منها.

وها أنت يا صديق عمري، تلتحق بهم دون وداع

دون أن ندون ضحكاتنا الأخيرة

أو بكاؤنا الأخير.

الرحمة لروحك النقية يا صاحبي

والعزاء الحار لأم خالد، سلمى العزيزة، والابنة الغالية نوف، ولابنيك العزيزين هاشم وآدم. ولإخوتك الكرام وخاصة منير الذي عرفته معك، وللصديق ورفيق عمرك مهدي العصفور ولزوجته ضويه الناصر.

والعزاء أيضاً للأصدقاء والمحبين.

إلى جنة الخلد أبا خالد.

ــــــــــــ

*كاتب وشاعر وصديق الراحل

 

قفشات عادل والجرعات المؤنسة

وليد بن يوسف الهلال*

ألف رحمة عليك يا أبا خالد. والتعازي موصولة لأم خالد سليمة وأبناء المغفور له بحول الله نوف وآدم وهاشم…

كم هو مؤلم ومحزن ومدمع أن أحرر كلمات الرثاء في شخص كان أستاذاً في التحرير والعمل الإعلامي!

لقد جمعتني به رحمة الله عليه سنوات طويلة في العمل الإعلامي المؤسساتي الثري منذ العام ٢٠٠٧ حتى أواخر عام ٢٠١٢م من خلال إصدار نشرة “القافلة الأسبوعية” وأنشطة العلاقات الإعلامية في إدارة العلاقات العامة في أرامكو السعودية حيث كنا نعمل سويا في كتابة وتحرير وإخراج والحصول على موافقات النشر واختيار الصور، وذلك عبر مدى ساعات طوال إما في في إنجاز تلك المهمات أو انتظارا لموافقات النشر أو وصول تغطيات المؤتمرات ومناسبات الشركة الكبرى.

في خضم تلك الساعات وخاصة في الليلة التي تسبق النشر تبرز مهارات أبو خالد التنظيمية والتنسيقية الاحترافية مضافا إليها كالعادة بخط مواز مشاركته لآراء فكرية وفلسفية استفزازية شاطة!! أو سكب جرعات من التعليقات أو القفشات الفكاهية والتهكمية التي كان يوزعها على الجميع بهدوء أحيانا وبضحكات مرتفعة أحيانا أخرى!! مما كان يفتح عليه الباب واسعا للرد من جانب كافة أفراد فريق التحرير تقريبا، وهو حامل الوجه الأول والوجه الثاني من نشرة القافلة، مواجها سيل الردود تلك بجملة انسحابية “ممكن نركز شويه حتى نخلص ونرجع لبيوتنا بدري؟” ليعود في الأسبوع الذي يليه ويعيد الكرة نفسها وكان دورة القافلة الأسبوعية التحريرية لا تكتمل إلا بتلك الجرعات المؤنسة التي كانت تقلل من ضغوط دورة العمل وتضفي عليها جو من التخفف من الرسميات المقيدة.

لقد رافقت أبا خالد في تغطيات إعلامية كثيرة ودورات تدريبية، كما عملت معه في إصدار ملاحق عدة منها ملحق إعلامي عن أعمال أرامكو السعودية في آسيا وبخاصة عندما قمنا بزيارتنا للصين، حيث حرص كثيرا على الالتزام بالمهنية الإعلامية وعدم التهاون فيها ارضاء لشريحة معينة من دون أخرى مكررا دوما هذه الشركة كبيرة وعملاقة ولابد أن يكون لها ذراع إعلامي يتناسق مع حجمها….رحمك الله أبا خالد

ـــــــــــــــــ

*مستشار إعلامي أعلى أرامكو السعودية

 

كيف أكافئ هذا الصنيع الجميل

ميثم الموسوي*

كان أول عهدي بالأستاذ عادل الصادق، حين اقترح عليَّ صديقٌ أن أتواصل معه حين كنت أبحث عن فرصة للانتقال إلى قسم النشر في أرامكو السعودية.

لست أذكر إن كنت قد هاتفت أبا خالد بعد ذلك مباشرة، أم بعثت إليه أولًا بريدًا إلكترونيًا. لكنني أذكر بوضوح أن مشاعري بعد ذلك كانت مزيجًا من الخوف والأمل في ترقب الجواب؛ فقد كنت أضع كلَّ أملي على جوابه بـ “نعم”، كما كنت أتخيَّل أي نفق مظلم سأدخل إليه في حال أوصِد أمامي ذلك الباب الحُلم.

بعد أن جاءني الجواب منه كما أُحب، ظللت ألِّح عليه بتواصلي فترة من الزمن للمتابعة على مستجدات الأمر، وكانت الإجراءات الإدارية تتقدَّم ثم تتأخّر، ومعها يتأرجح قلبي بين تفاؤل مفرط وإحباط شديد. كنت مرة أتصل به، وأخرى أرسل إليه، وفي أغلب الأوقات كان يجد مساحة من وقته الثمين ليرد عليّ، ويطلعني على ما استجد برحابة صدر وبنبرة هادئة تبعث على الاطمئنان.

وافى يومي الأول في قسم النشر بعد مماطلة وطول انتظار، التقيت أبا خالد أوّل مرة. أستذكر بجلاء حين عرَّفني بزملائي في الفريق، فكان ينتقي من الكلمات أجملها وأرقّها كي يُقدِّم كل شخص بأحسن ما فيه. وأتذكر بعدها أيامي الأولى حين كنت أتلمس طريقي بمساعدته مثل أعمى استرد بصره للتو. كما أذكر حين أضاف اسمي إلى قائمة فريق التحرير في القافلة الأسبوعية بعد أسبوع واحد من عملي، ودون أن أطلب منه ذلك أو أشير إليه. بل أذكر أن ذلك تسبَّب له في موقف مُحرج مع أحد الزملاء الذي عاتبه على إضافة هذا الوافد الجديد إلى الفريق دون استحقاق!

كنتُ أتطفل عليه كثيرًا وهو في زحمة أشغاله كي أسأله سؤالًا ما طرأ على ذهني، مثلما يقطع طفل على أبيه حبل أفكاره كي يتعلم كلمة جديدة. وكنت أجد الحِيل كي أمضي مزيدًا من الوقت بجانبه أتلصص على عمله، كي أتعلَّم منه دروسي الأولى. وكان يجيبني بإقبال وصبر، ويترك لي المجال كي أتعلَّم حتى إن تسبب له ذلك ببعض الإزعاج. وذات مرة طلبت منه أن أجلس بجانبه وهو يحرِّر إحدى المواد، كي أتعلم منه دون أي حواجز طريقة التحرير.

يا للأيام التي تنطوي مسرعة! أتذكر المهمة الميدانية الأولى التي كلَّفني بها، وحين كنت أسأله أسئلة تفصيلية تشي بجهلي الكبير، وأتذكر حين سلمته المادة للنشر وما أبداه حولها من تعليقات، وأتذكر حين تقبّل بصدر رحب مناقشتي معه في الاختصارات التي أجراها على المادة. وأتذكر حين طلبت منه أن يقدِّم لي ملاحظاته وتوجيهاته بعد فترة عمل وجيزة معه. وأتذكر كثيرًا من أيام إصدار الأعداد حين كان يجد كلّ مرة وهو في وسط المعمعة متسعًا من الوقت كي يكلفني بشيء يُشعرني أنني شخصٌ مرحب به ضمن الفريق.

ويا لخيبتي وشدة حزني حين أخبرنا أنه اتخذ قراره بالتقاعد، ولم تكن حينها فترة عملي تجاوزت أربعة أشهر. وكم أتذكر لطفه ورقّة طبعه معي في أيامه الأخيرة في العمل، ومنها أنه أوصى بي صديقه الأستاذ محمد أمين أبو المكارم، كما يوصي أبٌ بأبنائه الذين يغادرهم مسافرًا. ويا لسعادتي وفرحتي حين هنأني تهنئته الأبوية بتعييني رئيسًا للتحرير في مجلة القافلة، وهي فرحة تعكَّرت بعد ذلك بمدة قصيرة حين رأيته يتوكأ عكّازه وقد أنهكه المرض!

وكم مرة قلتُ لنفسي وأنا أذكره في طريقي إلى العمل: كيف أكافئ هذا الصنيع الجميل يا أبا خالد! لقد كان “أبًا” لي في الصحافة. وليس بوسع ابن أن يفي بحقّ أب.

إن كنت رحلت يا أبا خالد، فابتساماتك ومزحاتك وخلقك الرقيق وروحك الوثابة للعمل ستبقى بعدك طويلًا في ذاكرتنا. كما هو حال ما تركته وراءك من إرث وفير ومسيرة مهنية عامرة، كنت فيها الكاتب المُخلص للكتابة والصحفي النشيط والمحرِّر البارع والقائد المُلهم، وأخًا كبيرًا وإنسانًا طيب القلب لكل من عرفك عن قُرب.

ـــــــــــــ

*رئيس تحرير مجلة القافلة

 

كل ذكرياتنا جميلة

عادل الصادق، إلى اليسار، ومعه محمد الدميني ومحمد أبو المكارم في إحدى مناسبات الشركة

محمد أمين أبو المكارم*

ما زلت في صدمة رحيله، الكلمات لا تجد سبيلها، والقلم لا يهتدي طريقه.

أكثر من عشرين عامًا مضت كأنها لمحات

عشناها رباعيًا متناقضًا متآلفًا على نحو غريب فوارقنا أكثر من جوامعنا، غير أن النقاء والصفاء يجمع بيننا والتفاهم والتآلف والتسامح يضخم مساحة التلاقي لتتلاشى أمامها تلك الفوارق.

كان ذلك الرباعي يتمثل في الإعلامي المتألق الأستاذ محمد العصيمي والأستاذ الشاعر محمد الدميني والمرحوم عادل الصادق ومحدثكم محمد أمين أبوالمكارم.

وهناك أصدقاء وزملاء آخرون لهم كل الاحترام، غير أن هذا الرباعي يتحرك في العمل وخارجه ككتلة واحدة.

كان وقت الغداء عادة هو المساحة الخضراء التي نحاول أن نهرب إليها من العمل فنجد مفاعيله إلى جانب مجريات أحداث الساعة قد نصبت فخاخها لحواراتنا ومناقشاتنا، ونجد الأصوات قد ارتفعت فكانت تلفت أنظار الجالسين إلى الطاولات المجاورة إلى درجةٍ لو سئل أحدهم ما الذي يتوقع حدوثه بعد قليل لما تردد في القول أن الصحون ستتطاير وأن الحرب أولها كلام.

لكن العاصفة تهدأ ببساطة تفاجئنا قبل المجاورين

فلا نكاد نستقل السيارة عائدين إلى مكاتبنا إلا وقد عاد الصفاء والهدوء إلى نفوسنا.

ولا غرابة لو تخاصمنا أيامًا، لنعود مرغمين إلى سابق عهدنا من التصافي، ترغمنا المودة والمحبة والصفاء والنقاء.

كان لقائي الأول بأبي خالد في ٢٠٠٢ في زيارة للأستاذ محمد الدميني في القافلة الأسبوعية وكان يوم الإثنين الذي كان فريقها يطلق عليه يوم الهرير (يوم اصدارها) حيث يقف الفريق على إصبع واحدة، فما كان لنا من فرصة للقاء إلا وقت الغداء.

لم يكن في ظواهرنا ما يمكن أن يجمع بيننا، بل إن غيمة كانت تحول بيننا بقيت تراوح مكانها حتى كتب الله لي الانتقال من العمل في مركز الكمبيوتر في مركز التنقيب وهندسة البترول إلى العمل في إدارة العلاقات العامة للعمل في الأسبوعية ومجلة القافلة في عام ٢٠٠٣ وليكتب فصل جديد من علاقة أخوية عميقة رغم ما يكتنفها من مناكفات تعلو وتهبط كأمواج البحر الهائج أحيانًا.

ذكريات هذا الرباعي الجميلة لا تحصى، بل كل ذكرياتنا جميلة، بحلوها ومرها، وأيامها الجميلة والصعبة، بآلامها وآمالها، أفراحها وأتراحها، وجميع تفاصيلها.

كان يعرف نقاط ضعفي فيستغلها، وما كنت لأفوّت عليه النشوة بإغضابي، مستغلًا من جهتي تسامحه وقلبه الكبير، الذي يتحملني إذا انفجرت في وجهه غضبًا، أو ألقيت بحقيبته في الهواء سائلًا إياه أن يتبعها، ليرين الصمت على المشهد لثوان كأنها الدهر، ثم لينفجر هو بدوره ضحكًا.

فيلتقط حقيبته ويمضي كل إلى منزله وكأن شيئًا لم يكن.

لقد توقف هذا القلب عن النبض والحركة، ولم يعد أمامي فرصة للغضب الضاحك والضحك الغاضب، ولم يعد أمامي إلا صورته الباسمة دائمًا حتى في أحلك الظروف وصدى ضحكاته المجلجلة يتردد في سمعي على إيقاع المواجهات قبل الطرف والنكات.

رحمك الله يا أبا خالد، كنت من القلائل الذي يزرعون الابتسامة والمحبة والطمأنينة أينما حللت، وستبقى هذه الابتسامة معك مجللة باللطف والرحمة.

والعزاء والصبر والسلوان لأخوتك وأخواتك الذين طالما شهدت حنوك عليهم، حيث كنت الأب لهم ولهن الكبير كما الصغير، ولأم خالد ونوف وهاشم وآدم وأبي علي وأم علي، ولنا أصدقاؤك ومحبوك الذين فارقتهم وتركت جرحًا غائرًا في نفوسهم لاسيما الرباعي الذي سقط من عمود برحيلك.

ــــــــــــــــــــ

*نائب رئيس تحرير مجلة القافلة ورئيس وحدة المراجعات والموافقات في أرامكو السعودية (سابقًا-متقاعد).

عرفته قليلاً، ولكن عميقاً

عبود عطية*

جرياً على العادة في أرامكو السعودية، عندما حان وقت تقاعد عادل الصادق، أقام له زملاؤه المقربين حفل عشاء وداعي، فكنت أنا الوحيد من غير العاملين في أرامكو الذين تلقوا الدعوة إلى ذاك العشاء. وعندما راح الزملاء يتحدثون عن عادل وما عرفوه عنه، ووصل الدور إليّ، ارتسمت ابتسامة على وجوه البعض، ظناً منهم أن الأمر سيحرجني، لاعتقادهم أن معرفتي به قصيرة العمر ولن يكون عندي ما أقوله.

نعم، كان عمر معرفتي بعادل نحو سنة واحدة. بدأت عندما أسند إليّ تحرير بعض مواد القافلة الأسبوعية، ولكنها تطورت بسرعة، لتصبح صداقة شخصية، خاصة بعد تقاعده وانتفاء علاقات العمل.

في بداية علاقتي به، التقيته مرة في فندق الهوليداي إن، لبحث أمر يتطلب عشر دقائق، فاستمرت الجلسة لثلاث ساعات تقريباً، كانت كلها حول أمور شخصية وخاصة. وتكررت اللقاءات، وكان آخرها ما أردنا ترسيخه تقليداً شهرياً، وهو أن نجتمع أنا وإياه والصديقين العزيزين محمد الدميني ومحمد أبو المكارم في فندق الراشد على فطور صباحي. وبالفعل، اجتمعنا أكثر من مرة، ولكن كما هو حال كل الأمور الممتعة في هذا العالم، لا تستمر طويلاً، غادرتُ المملكة إلى لبنان.

في لبنان، كثيراً ما أجد نفسي أتحدث عن صداقاتي مع سعوديين أعتز بمعرفتي بهم، ودائماً أرى وجه عادل الصادق يرتسم في ذهني، بصفاته الحميدة الكثيرة التي يعرفها الجميع. ولا أنسى أبداً الابتسامة الخاصة على وجهه، هذه الابتسامة الغامضة التي تقول إن في هذه الدنيا أشياء جميلة وأخرى مؤلمة جداً، ابتسامة صاغها توازنه الجبّار بين محبته للناس من حوله، وانكساره المأساوي على فقدان ابنه خالد. رحمهما الله، وجمعهما في جنان الخلد.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

*صحافي لبناني، عمل في مشروع تطوير مجلة القافلة عام 2003 واستمر في العمل فيها عبر شركة المحترف السعودي.

“الجنتلمان”

عبدالوهاب أبو زيد*

تعود معرفتي بأبي خالد، رحمه الله، إلى عام ٢٠١١ حين التحقت للعمل في أرامكو السعودية في قسم النشر، وامتدت تلك العلاقة حتى الأيام الأخيرة من حياته حين كان طريح الفراش في مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض. إن كان لي أن أوجز عادل الصادق في كلمة فهو “الجنتلمان”. كان أنيقًا في لباسه دائمًا، لطيفًا في معشره أبدًا. لا تفارق الابتسامة محياه، ولا يبخل بلطفه على كل من يلقاه. تعلمت منه الكثير في مجال الكتابة الصحفية وقد شجعني كثيرًا وآمن بقدراتي ولم يبخل عليّ بالنصح والتوجيه دون  “أستذة” وتعالم. سيبقى منه معي صورته الأنيقة في ذهني وروحه المرحة وابتسامته التي لا تغادر محياه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

*شاعر ومترجم وزميل سابق في إدارة النشر  العربي بأرامكو السعودية

لحظات جميلة ومواقف عصيبة

ناجي عوض*

عملت مع الأستاذ عادل الصادق رحمة الله عليه لمدة ٦ سنوات في أرامكو السعودية بقسم النشر، كان الراحل مشرفًا على التحرير وكنت أنا مسؤول التحرير. جمعتنا صداقة قوية وليس مجرد علاقة عمل فقط، تشاركنا لحظات جميلة ومواقف عصيبة وكان الراحل مثالا يحتذى للتفاني في العمل والأخلاق الكريمة والجانب الإنساني الذي لا يمكن أن انساه. عديد من الذكريات جمعتنا بالراحل في السعودية وفي رحلات العمل خارج المملكة وكان كعادته قادرًا على تذليل صعاب العمل بابتسامته وهدوءه.

ــــــــــــ

*مشرف تحرير نشرة القافلة الأسبوعية سابقًا

 

شقاوة البدايات ونضج التجربة

أثير السادة*

الصديق عادل الصادق..عرفته في مطلع الألفية الجديدة، يبخر يومياته برائحة القهوة، وهو يجمع الليل بالنهار من أجل اكمال صفحات جريدة محملة بالكثير من ذكرياته، تلونت صفحاتها، وتعددت صورها، وتقلبت أحوالها، وهو معها كان يقلب أمنياته وخواطره، مثاليا يبدو في ما تخطه يده من سطور، مثالية لا تشبه الأخبار التي يرويها الرفاق، لعلها سنة الصحيفة واتجاهاتها، أو لعلها سيرة الوعي ما بعد شقاوة البدايات التي جعلته في مرمى المناشير في بلدته، شاءت الصدف أن أعيد اكتشافه لاحقا، وأنا أفتش في أرشيف الثمانينات، وأقع على ذروة حماسته للكتابة ، لغة مختلفة تنتمي لزمانها، وحماسة الراكضين في مطلع الكتابة الثقافية، نضجت أكثر في التسعينيات، واتسعت دائرة احتمالاتها، ما بين مقالة وخاطرة وقصة، أخذت منه الوظيفة لاحقا ولم تعطيه الكثير في الكتابة، أصبح أكثر انشغالا بواجباته الإدارية، التي دفعت به ليمسك مسئولية التحرير لنشرة القافلة الأسبوعية، تلك النشرة المصقولة ببريق العلاقات العامة في شركة الزيت الوطنية.

خلال الأشهر الماضية كنت أجمع له ما تساقط من ذلك الإرشيف، أجرب تحريضه للتفكير في ترميم ذاكرته الثقافية، وجمعها في كتاب يرصد تجربته في الكتابة، وكان المنى أن يمهله القدر ليعانق ما تبقى من أمنياته المؤجلة، وأن يستعيد حضوره في مشهد الكتابة، إلا أن المرض شدد حصاره عليه، وكان قاسيا هذه المرة، ليمضي إلى محطته الأخيرة، فلروحه الرحمة، ولذويه ومحبيه الصبر والسلوان

ــــــــــــــــ

* كاتب ومؤلف، وأحد أسماء الكتابة سابقاً في نشرة القافلة الأسبوعية

 

هادئ في الأوقات الصعبة

محمد العداربة*

عملت مع الصادق ست سنوات في صحيفة القافلة الأسبوعية الصادرة عن قسم النشر في أرامكو السعودية، وكان رئيس تحريرها! كان يميزه الهدوء العميق خصوصًا في الأوقات الصعبة.

كثيرة هي المواقف والضحكات والأحاديث ولكنني أذكر شيئًا لن أنساه ما حييت. عندما سمعت خير وفاة والدتي عبر الهاتف، احتضني عادل حضنًا قويًا وكنت وقتها أبكي بحرقة! فلم يقل كلمة لكنه كان طوال الوقت يشد على صدري لا يودّ الابتعاد! وعندما سحبت جسدي، وجدته غارقًا بالدموع حتى بللت خدّيه!

عادل وصادق وودود وشفيف الروح، وفقده أربكني وأوجعني ولا أجد من يحتضنني في مصيبتي فيه! مرحوم يا صاحبي.

ــــــــــــــــــــــــ

*كاتب وزميل سابق في إدارة النشر

تعليق واحد

  1. إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

    رحمك الله يا ابا خالد، عادل الصادق.
    كان زميلي في المرحلة المتوسطة بمدرسة صفوى المتوسطة النموذجية عام 1978

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×