مقومات نجاح المملكة العربية السعودية

الشيخ عبد العظيم بن نصر مشيخص*

الفكر السياسي الذي ظهر في الحضارات القديمة، والامبراطوريات العظمى كالامبراطورية الرومانية والبيزنطية والفارسية، اهتم بشرح السمات الحسنة التي يجب أن يتصف بها الأمير أو الحاكم، والتي يجب أن يسترشد بها في إدارة شؤون الدولة، واهتم أيضاً بقضية أصبحت فيما بعد أحد مجالات اهتمام علم الاجتماع السياسي، ألا وهي الأسس التي يقوم عليها تماسك الأنظمة السياسية، والأسس التي يقوم عليها ولاء المواطنين، وسلوك الحاكم، وتنظيم إدارته في الدولة.

وقد اعتبر ابن خلدون في مقدمته أن النظام السياسي في الحكومة التي فوض الله أمرها  إلى الأمة، أن يكون للمجتمع نظام يصون وحدته ولحمته الداخلية ويحميه من هجمات العدو الأجنبي. ولا يتحقق ذلك إلا بمقومات تتحقق في الحاكم، ولو ألقينا نظرة فاحصة على مسيرة النهوض الحضاري في مملكتنا الغالية، نراها منذ تأسيسها منذ أكثر من ثلاثة قرون على يد المغفور له الإمام المؤسس محمد بن سعود (يرحمه الله) سعت سعياً حثيثًا لتوفير مقومات النهوض الحضاري، والذي بدوره أوصلها لما وصلت إليه اليوم، ولو ألقينا نظرة سريعة على أهم المقومات التي  تحقق بها هذا الكيان الوطني الكبير والراسخ الجذور، سنجد منها على سبيل الدلالة، لا الحصر:

 العقيدة كقيمة راسخة:

يمثل الإسلام ومبادئه العقدية منهج حياة لنا في مملكتنا الغالية، وهو مرجعنا في كل أنظمتنا وأعمالنا وقرارتنا وتوجيهاتنا، لقد اعزنا الله بالإسلام وبخدمة دينه وتأسياً بهدي نبيه الكريم -صلى الله عليه وآله وصحبه- وتعاليمه السمحاء، مما جعلها تتبوأ مكانةً مرموقةً في العالم، حيث أصبحت عنواناً لكل مكرمة، وقبلة لكل مسلم.

الاقتصاد القوي:

 يعتمد استقرار الدول في العالم على وضع الاقتصاد فيها؛ مما يساهم في رفع مستوى قيمة الدولة ورفع مستويات قيمة المجتمع، ويساهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والتطور في كافة مناحي الحياة، وتمتلك مملكتنا الغالية واحد من أكبر اقتصادات في العالم، مع الاعتماد الكبير على النفط والغاز، مما يساهم في دعم النمو والاستثمار، ويمنح اقتصادنا الوطني الفرص للجميع، رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، لكي يسهموا بأفضل ما لديهم من قدرات، إن من أهم العناصر الداعمة لاقتصادنا الوطني، هم المواطنين الشباب أصحاب الكفاءات من الجنسين، فالمرأة السعودية اليوم تعد عنصراً من عناصر قوتنا الاقتصادية إذ تشكل ما يزيد على (50%) من إجمالي عدد الخريجين الجامعيين، كما أن تسعى لتمكين أبناءنا من ذوي الاحتياجات الخاصة للحصول على فرص عمل مناسبة وتعليم يضمن استقرارهم واندماجهم بوصفهم عناصر فاعلة في المجتمع، ولكي تحقق مملكتنا نمواً اقتصادياً منشوداً اسرع سعت مملكتنا إلى إيجاد بيئة جاذبة للكفاءات المطلوبة وذلك من خلال تسهيل سبل العيش والعمل في مملكتنا الغالية.

الرؤية الطموحة:

إن الرؤية المباركة “السعودية ٢٠٣٠” رؤية جريئة وطموحة استراتيجيًا لكنها تتحقق على أرض الواقع، وتشهد بذلك الأرقام؛ فهذه الرؤية الاستراتيجية الطموحة تعبر عن أهدافنا وآمالنا على المديين المتوسط والبعيد، وتستند إلى مكامن القوة والقدرات الفريدة لوطننا، وصاحبت هذه الرؤية العديد من البرامج والمبادرات التي تحتاج إلى تخطيط استراتيجي لتنفيذها، كما انها اعتمدت على المخزون الوطني من الميّزات النسبية الطبيعية والتاريخية مع التركيز على تطوير قطاعات الأعمال غير النفطية مثل السياحة والتكنولوجيا، وتقليل الاعتماد على النفط، ولدينا الكثير من الفرص الكامنة والثروات المتنوعة، وتكمن ثروتنا الحقيقة في مجتمعنا وأفراده، وديننا الإسلامي، ووحدتنا الوطنية اللذان هما مصدر اعتزازنا وتميزنا.

الموقع الجغرافي:

 لقد حبانا الله  في مملكتنا بمقومات جغرافية وحضارية كبيرة، مكنتنا بفضل الله، ثم بحسن القيادة ورشادها، من تبوء مكانة رفيعة بين دول العالم، فالموقع الجغرافي للمملكة، جعلها الجسر الرابط بين مشرق الأرض ومغربها، فموقعها الاستراتيجي والذي يربط بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، وتنعمها بالاستقرار الأمني والسياسي، جعلها عنصراً فعالاً لانسياب الحركة التجارية بين دول العالم شقه وغربه.

البنية التحتية المتطورة:

 ومن مبدأ “وطنٌ طموح” استثمرت مملكتنا في تطوير البنية التحتية التي تشمل النقل، والاتصالات، والمرافق العامة، وقد شهدت مدننا تطوراً كبيراً حيث أنشأت بنية تحتية متقدمة، وعملت على استكمال المتطلبات والاحتياجات التي تهيئ للمواطنين بيئة متكاملة تشمل خدمات أساسية ذات جودة عالية من مياه وكهرباء ووسائل نقل عامة وطرقات، وتوفير المساحات المفتوحة والمسطحات الخضراء في المدن والقرى مع الحفاظ على خصوصية الأسرة والفرد، إلى أماكن النزهة والترفيه من أجل بيئة عامرة.

الاستقرار السياسي:

 تنعم مملكتنا بمستوى عالٍ من الأمان والتطور، فرغم الاضطرابات المحيطة بنا في المنطقة والعالم، واتساع مملكتنا  في رقعتها الجغرافية، تعتبر مملكتنا من أكثر دوال العالم أماناً، حيث لا يتجاوز مستوى الجريمة فيها نسبة(0.8) لكل (100,000) نسمة في السنة مقارنة بالمعدل العالمي، وتسعى مملكتنا إلى زيادة معدلات الأمان في كل مدينة وقرية عبر تعزيز الجهود الكبيرة في مكافحة الفساد، والمخدرات، وتقليص عدد الحوادث المرورية، وتعزيز ضمان السلامة والاستدامة، مما يعزز الثقة لدى المستثمرين في العالم لجلب استثماراتهم إلى المملكة.

الموارد البشرية:

ولأجل بناء القدرات والإمكانات اللازمة لتحقيق الأهداف الطموحة للرؤية، وضعت مملكتنا خطة شاملة للتحول الوطني تشارك في تنفيذها (24) جهة حكومية من القطاعات الاقتصادية والتنموية، وحُدِدَت بعض الأبعاد المهمة مثل: الارتقاء بالرعاية الصحية، وتحسين مستويات المعيشة والسلامة، وضمان استخدام الموارد الحيوية، وتعزيز التنمية المجتمعية وتطوير القطاع غير الربحي، وتحقيق التميز في الأداء الحكومي، وتمكين فئات المجتمع من دخول سوق العمل ورفع جاذبيته، وتمكين القطاع الخاص، وتطوير القطاع السياحي والتراث الوطني.

التراث الثقافي والتعليمي:

سعت مملكتنا منذ تأسيها على استثمار التعليم والتدريب وتزويد المواطنين بالمعارف والمهارات اللازمة لوظائف المستقبل، وكان الهدف أن يحصل كل طفل سعودي أينما كان على فرص التعليم الجيد وفق الخيارات المتنوعة والمتاحة، وركزت على مراحل التعليم المبكر، وعلى تأهيل المدرسين والقيادات التربوية وتدريبهم وتطوير المناهج الدراسية.

كما عززت المملكة في مواءمة مخرجات المنظومة التعليمية مع احتياجات سوق العمل، حيث تم اطلاق البوابة الوطنية للعمل “طاقات”، وتوسعت في تنمية معاهد التدريب المهني لدفع عجلة التنمية الاقتصادية، مع التركيز على فرص الابتعاث في كافة المجالات التي تخدم الوطن، كما عززت مملكتنا  مواردها الثقافية في ترسيخ الهوية الوطنية والتاريخية للمملكة، فقد رسخت القيم الثقافية السعودية النابعة من الثقافة العربية الأصلية والتي ترسخ القيم العربية والإسلامية وفق القرآن والسنة، كما سعت ومنذ سنوات للحفاظ على منابع التراث التاريخي للمملكة  فعملت على إحياء مواقع التراث الوطني والعربي والإسلامي القديم والحديث خصوصاً الأماكن المقدسة في المملكة العربية السعودية.

هذه بعض مقومات ومنجزات مملكتنا على مدار عقود من الزمن، وهي البلاد التي أكد سمو ولي العهد -حفظه الله- بأننا نملك كل العوامل التي تمكننا من تحقيق أهدافنا معاً، ولا عذر لأحد منا في أن نبقى في مكاننا، أو أن نتراجع فلدينا كل المقومات وركائز القوة مثل (العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية الهائلة، ومحور ربط القارات الثلاث، بالاعتماد على مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح). هذه هي المملكة العربية السعودية في يوم تأسيسها وما قدمته للوطن والمواطن والمقيم، وما قدمته للبشرية جمعاء على الصعيد العالمي.

فحق علينا كمواطنين اليوم أن نتحمل مسؤولية الحفاظ على مكتسباتنا الوطنية، والعمل على زيادتها ومراكمتها بأجيال ترث المجد لتفخر به وتضيف إليه، لأن الوطن الذي ننشده لا يكتمل إلا بتكامل أدائنا، فلدينا جميعاً أدوار نؤديها سواء كنا مواطنين أو مقيمين في هذا الوطن المعطاء.

حفظ الله بلادنا – قيادة وشعبًا – من كل سوء

ـــــــــــــــــــــــــــ

*قاضي الأوقاف والمواريث بالقطيف، رئيس هيئة التدقيق المكلف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×