عزلةٌ في زحام الصناديق

نازك الخنيزي
نحنُ كصناديق البريدِ المُقفلة،
متجاورون في صفوفٍ طويلة،
متشابهون في الشكل، مختلفون في الحكايات،
لكن لا مفتاحَ لنا،
ولا رسالةٌ تنتظرُ أن تُفتَح.
تمرُّ الأيامُ فوقنا،
تطرقنا الريحُ بأصابعها الباردة،
يمرُّ العابرون، يُلقون نظراتٍ عابرة،
لكنَّ أحدًا لا يسألُ: ماذا يختبئُ خلف هذا القفل؟
أيُّ رسالةٍ لم تُقرَأ؟
وأيُّ نداءٍ لم يُسمَع؟
نحنُ حشودٌ من العزلة،
نلتقي في الطرقاتِ دون أن نلتقي،
نتحدثُ كثيرًا، لكن الكلماتِ لا تجدُ طريقها إلينا،
نبتسمُ بوجهٍ يحفظُ قواعدَ المجاملة،
لكنَّ داخلَنا…
داخلَنا غابةٌ من الصمتِ لا يجرؤ أحدٌ على عبورها.
كأننا نعيشُ في مدينةٍ من المرايا،
تعكسُ وجوهَنا لكنها لا تعكسُ أرواحَنا،
كلٌّ منا ظلٌّ يمرُّ بمحاذاة ظلٍّ آخر،
نصافحُ الفراغ، ونمضي.
هل نحن بشرٌ أم عناوينُ بلا رسائل؟
هل نعيشُ معًا أم أننا نُعيدُ اختراعَ الوحدةِ كلَّ يوم؟
أيُّ لعنةٍ جعلتنا أقربَ من أيِّ وقتٍ مضى،
وأبعدَ مما نتصوَّر؟
ربما لم نُخلق للصمت،
وربما الصناديقُ ليست مُقفلة،
لكننا فقدنا الجرأةَ على فتحها،
خشيةَ أن نجدَ أنفسنا فيها،
فنكتشف كم نحنُ غرباءُ عن ذواتنا.