قلب مفتوح 3] هل تقتل 3 شرايين مريض قلب..؟

حبيب محمود
حين تكون مريض قلبٍ؛ فإنّ كلّ شيءٍ في حواسك يتفاعل مع أي نظيرٍ آخر. ومن الطبيعي أن تضع نفسك في موضع المقارنة، مع كلّ حالةٍ تمرُّ بها، أو تُحكى لك.
سعيدة، حزينة، شفاء، وفاة، مخاطرة، نجاة.. كلّ مرضى القلب يُصبحون أصدقاءك وأبناء قبيلةٍ أنت عضوٌ فيها، فتسأل عن هذا، وتتفقد ذاك، وتستطلع حالةً هنا، وأخرى هناك..!
وصباح اليوم؛ صُدمتُ بوفاة ابن بلدتي الشيخ محمد عيسى البناي، رحمه الله. كنتُ أعرف الرجل عن كثب في أواخر الثمانينيات الميلادية، حين تزاملنا عند الشيخ صادق المقيلي، عافاه الله، في دروس “مقدمات”، قُرئت علينا في مجلس والد الشيخ؛ الملا حسن، رحمه الله.
دروس في فقه “المسائل المنتخبة” للسيد الخوئي، و “خلاصة المنطق” للدكتور عبدالهادي الفضلي، و “قطر الندى” لابن هشام. وكان “محمد البناي” واحداً من الجادّين في الدرس الذي كان يُعقد عصر كل يوم. وكانت فيه علامات “طالب العلم” المخلص، ولذلك استمرَّ على حاله، في حين تفرّق الآخرون إلى شؤون حياةٍ بعيدة عن هذا الجو الروحانيّ.
وأذكر له أنه كان شاباً نظيفاً ورعاً على سجيةٍ، لا تصنعٍ. وبعدما فرّقتنا سُبل الحياة؛ لم أجد له أثراً في حِراك حياة الناس. فقد شحطتُ أنا بعيداً عن تفاصيل وسط الطلبة، ويبدو أنه انغمس كلّياً في بناء صراطٍ واضحٍ من الدرس والمراجعة والبحث، في أوساط المشايخ والطلبة، وحلقاتهم المغلقة.
يمكنني القول إنني لم ألتقِ إياه منذ ما يربو على ثلاثين سنة.. ربما أكثر. التقيتُ، مراراً وتكراراً، زملاءَ لنا في درس الشيخ المقيلي، أمثال الشيخ حسن الجنبي، الملا سعيد عبيدان، وآخرين لم يُكملوا الدرس؛ بيد أن الشيخ البنّاي لم أرَ له أثراً، كلّ هذه السنوات الطويلة، على أنني أعيش في البلدة ذاتها..!
صباح اليوم؛ صُدمتُ بنبأ رحيله.. وبقي أثر الصدمة باقياً إلى أن صدمني تفصيلٌ آخر في وفاته. أخبرني صديق مشترك ـ من المشايخ ـ بأن الشيخ البناي توفي بعد عملية قلب مفتوح لحلّ مشكلة ثلاثة شرايين..!
هل يمكن أن تقتل شرايين ثلاثة إنساناً..؟!
طبياً؛ يمكن لشريان واحد أن يقتل.. بل يمكن أن يموت الإنسان وقلبه سليمٌ تماماً.
يموت الإنسان بأجله..!
لكنّ وفاة أيّ مريض قلبٍ تستفزّ أي مريض قلبٍ آخر، حتى وهو يتعافى. مثلما أن شفاء مريض القلب يستفزّ نظيره.
قبلَ أيام؛ حضرتُ تشييع قريبةٍ لنا في العوامية. عند خروجي من المقبرة؛ سايرني شاب لا يظهر في هيئته أنه نطح الأربعين.. ثم سألني عن حالي بعد العملية؛ فأجبته بأنني بخير ولله الحمد..!
هنا؛ أخبرني بأنه أجرى عملية قلب مفتوح قبلي بشهر.. كانت أربعة شرايين مسدودة، وأثناء العملية اكتشف الفريق الجراحي وجود شريان خامس مسدود..!
هكذا قال الشاب.
يموت الإنسان بأجله.. لا بعدد ما تلف من أعضائه..
رحم الله الشيخ البناي، ورحم موتانا وموتى المسلمين.

الله يرحمه ويغفر له ويحشره الله مع محمد وال محمد