سيرة طالب 110] عندما يكلمك الله!

الشيخ علي الفرج
كنتُ في طريقي إلى صلاة الصبح في أحد مساجد بلدتي الحبيبة، وفي قلبي هموم تتماوج، وأنا أمشي، وقد هوّم على الناس السبات العميق، فلم أرَ أحدًا في طريقي، ففتحت مكالمة مع الله بكلمات مؤدبة، قائلًا: يا ربّ، ما السبب في أنّ رزقي مضيّق أو معلّق، وليس لي قدرة أن أفتح يدي لأبذل المال للقاصرين المحتاجين؟، مع أنني أحبّ قضاء حوائج الناس، وبالخصوص المؤمنين، بل أقرأ في بعض ملامحهم أنه اضطر أن يفتح لي وجهه المغطى، ولكن أتأسّف أن لا أعطيه إلّا القليل، وأنا على اطمئنان بأنك لو استفتحت القرآن ستكلّمني بآياته العظيمة تفتح لي آفاق الإجابة.
وكنت أتكلّم وأنا أمشي إلى أن وصلت المسجد فجلست وأخذت القرآن، وأنا أقرأ دعاء التفاؤل: (اللهم إنّي تفألت بكتابك وتوكلت عليك فأرني من كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك)، وبعدها مباشرة فتحت القرآن فكانت هذه الآية الشريفة تلمس أصابع الواقع، وتحرك أوتار القلب: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) (سورة الطلاق: 7).
فارتعشت جوارحي وجوانحي، وأنا متيقّن بأنّ هذه الآية ليست صدفة ولا اعتباطًا، فالله يكلّمني أولًا من بداية الآية إلى نهايتها، وثانيًا – وهو العجيب – أن يكلمني شخصيًا بالفرد لا بالجماعة. فكانت هذه المكالمة الإلهية من أروع أيام حياتي التي أغرقت فيها إغراق العشق.
دعابة
جاء أحد المتديّنين المعروفين بالدعابة إلى المسجد، وصلّى معنا، وبعدها قال لي- وملامحه تدلّ على جدّية كلامه -: أريد منك استخارة.
استخرت وقلت له: إنّ الرجل غير جاد، ويسخر منك.
فقال: ما هي الآية؟
قالت: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً) (سورة لقمان: 6).
فقال – وهو مبتسم – أردت أن أمازحكم: أن ألبس عمامتك، فالله وقف ضدّي بقوله (وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً).