عقد سُخرة “العبودية الحديثة”

علي الخنيزي
إذا كنت موظفاً في أي المنشآت المحلية وخصوصاً المؤسسات والشركات الأهلية، فعلى الأغلب أنت أحد الواقعين تحت وطأة العبودية الحديثة، وكلما صغرت المؤسسة وكلما كانت أهلية ومملوكة لأفراد أو عوائل، كل ما انخفضت فيها الاحترافية والعدالة وزاد فيها الاستغلال لاحتياجات الناس للقمة العيش، ودعم أسرهم، وتأمين أقل احتياجاتهم الأساسية للحياة.
وعلى الأغلب كونك تعمل في أحد هذه المنشآت فأنت تتقاضى أجراً لا يكفي أو بالكاد يكفي لتغطية احتياجاتك الشهرية والتزاماتك المالية وتأمين ضروريات أسرتك من رعاية صحية، أو ملبس، أو تعليم، أو مسكن ومواصلات فضلاً عن أحلام امتلاك سيارة أو منزل، كما أنك لا ولم ولن تمتلك الوقت لتتواجد اجتماعياً بشكل كاف مع عائلتك أو في الصورة الاجتماعية في محيطك، ولذلك ليس لك أي أحلام حياة تقع في إطار وجودك في هذه المنشأة.
ولتتأكد أنك أحد هؤلاء الذين جرى تشغيلهم بأحد عقود السُخرة العصرية (عقود العبيد الحديثة) أو أصحاب العمل الممارسين لهذا النوع من الاستعباد، دعنا نراجع قائمة التحقق التالية:
– الموظف لا يملك وظيفة محددة واضحة المهام والتكاليف، أو لا تتطابق مع عقد العمل بشكل صريح.
– الموظف يعمل عن عدد لا يقل عن اثنين من الموظفين أو اثنتين من الوظائف المختلفتين وقد تصل إلى جميع المهام والوظائف في المنشأة مهما كان عددها.
– الموظف يتقاضى أجر نصف واحدة من الوظائف الموكلة له.
– الموظف ليس لديه قدرة على أخذ إجازات سنوية أو الاستئذان بشكل مرن، أو أخذ الإجازات الطارئة للقيام باحتياجات أسرته أو شخصه من مراجعات طبية وغيرها.
– الموظف لا يستطيع أخذ إجازات كاملة أو بسهولة، أو حتى بتفرغ تام للإجازة.
– الموظف يعمل خارج ساعات العمل: 24 ساعة في اليوم و7 أيام في الأسبوع، فهو حتى إن لم يكن متواجداً بشكل شخصي في المنشأة فإن هاتفه وجهاز الحاسب المحمول معه يؤدي من خلاله المهام حتى أثناء اجازاته وليس فقط خارج ساعات عمله.
– الموظف لا يملك نظام زيادات راتب واضحة.
– الموظف لا يملك سلم ترقيات أصلاً أو على الأقل ليس هناك سلم ترقية واضح ومعلن.
– لا يوجد نظام مكافآت واضح.
– ليس له خيار في التكاليف الإضافية ولا تعويضات مادية عنها مهما زاد عددها.
– صاحب العمل يعتقد أن الموظف لا يمكنه إيجاد فرصة أخرى أو أفضل خارج منشأته.
– صاحب العمل يعتقد أنه متفضل على الموظف بشكل أو بآخر.
– صاحب العمل يقدم الوعود للموظف الواعي الذي يدرك حقوقه والانتهاكات التي تحدث بحقه فقط، ويخبره بأنها فترة وتمر.
هذه بعض ملامح عقود عمل العبودية الحالية والتي يعاقب عليها قانون العمل السعودي وكل الدول المتحضرة في العالم، ولكن وقوع الملايين من أبناء هذا الوطن في فخ هذه العبودية هو نتيجة مؤسفة لعدة عوامل من بينها وأهمها للأسف الشديد هو حاجتهم الماسة لهذه المهن والوظائف والعمل في منشآت تفتقر لأدنى معايير المهارة الإدارية فضلاً عن الاحترافية والمهنية العالية أو حتى العدالة.
إن يد وزارة العمل السعودية ممتدة بكفيها لكل المظلومين اللذين يعانون من الوقوع في فخ منشآت تقصر في التزاماتها النظامية والحقوقية، كالمخالفات التي تعاقب عليها الوزارة بشدة، مثل أن لا يوجد لك عقد عمل واضح، او لا تتلقى الأجر الموعود والمتفق عليه والمطابق للعقد والمسجل في نظام التأمينات الاجتماعية، ولكن للأسف أغلب الموظفين لا يملكون القدرة على رؤية أي خارطة طريق تنتهي بسيناريو يجدون أنفسهم فيه ينعمون بحقوقهم المغصوبة او يعيشون حياة وظيفية مستقرة وعادلة، وهذا إما لأن المنشآت التي يعملون فيها ضعيفة إلى قدر لا يرجى منه أفضل مما هو عليه الحال، أو لأن أصحاب هذا العمل يظهرون تسلطاً ونفوذاً يرهب موظفيهم من المحاولة، أو أن مدير المنشأة يحترف التمسكن والاستضعاف والاستعطاف كي يشفق عليه الموظف بقبول هذه العبودية إلى أجل غير مسمى.
من الحلول التي يمكن أن يتبعها هؤلاء الموظفون المغلوبون على أمرهم هي:
– عقد اجتماع عمل رسمي مع صاحب العمل وطلب مكاتبة رسمية توضح كل من:
– عدد الوظائف والمهام الموكلة له.
– والأجر المتفق عليه لقاء كل وظيفة وكل مهمة إضافية.
– والمدة الزمنية لهذه التكاليف.
هذا من شأنه توثيق العلاقة العملية بشكل رسمي وصريح ويمكن استخدامه كمرجع في حال عدم التزام أحد الأطراف فيه أو الاستشارات العملية في المستقبل.
أي صاحب عمل لا يثق بعدالته الشخصية سيرفض هذا لأنه لا يريد إثبات أي شيء على نفسه، أو سيفشل في القيام بمثل هذا الأمر الرسمي والاحترافي وهذا طبيعي لأنه يدرك أنه مخالف لعدد لا بأس به من الأنظمة أو لأنه يفتقر للمعرفة أو أدني المهارات البسيطة للتفكير في الأمر (لذا من الضروري توثيق هذا التواصل كتابيا من خلال البريد الإلكتروني أو حتى وسائل التواصل أو المكالمات المسجلة.)
• العمل على أخذ شهادات خبرة تثبت التكاليف الحالية.
• التدرب وتطوير المهارات لما يناسب تطلعاتك كموظف.
• العمل على تحديث السيرة الذاتية بشكل مستمر في صورتها الورقية وكذلك على منصات التوظيف مثل بيت ولينكد إن.
• البحث بشكل مستمر عن جهات توظيف أخرى تتمتع بأهلية واحترافية أعلى من الحالية.
• في أي حال، التواصل مع وزارة العمل وطلب استشارة عمالية وسيقوم مسؤولون الاستشارة العمالية بتوجيهه بكل خياراته وأيضاً طرق المطالبة بحقوقه وفرضها على صاحب العمل وبكل سرية، من خلال الرقم (19911) وكذلك وسائل التواصل الأخرى المتاحة على موقع وزارة الموارد البشرية.
• معرفة أنه رغم أن سكوتك عن حقوقك حالياً يكسبك وقتاً إضافياً تمشي فيه أمورك اليومية واحتياجات عائلتك، ولكنه أيضاً مهلة تشجع صاحب العمل على ظلمك والتصعيد فيه وظلم زملاءك الحاليين واللاحقين في المستقبل.
هذه ليست الحالة العامة في المؤسسات والشركات المحلية، رغم كونها حالة شائعة في عدد كبير يقع من بينها المنشآت الأهلية، وهذا لا يعني أن كل المنشآت الأهلية كذلك، فلدينا الكثير من أسماء الشركات المملوكة والمدارة من قبل عوائل محلية حيث ينعم موظفيهم بأفضل البيئات العملية الاحترافية التي يتطلع للعمل فيها أبناء هذا الوطن لكونها تهتم بكل أركان الأمان والنمو الوظيفي من بيئة عمل صحية واجور عادلة وتعويضات مجزية ومميزات خدمة ونهاية خدمة تؤمن الحاضرة والمستقبل.
ورغم أن هذه رفاهية ليست في متناول الجميع أن يختاروا المكان الذي يصلح لهم العمل فيه فالكثيرون مغلوبون على أمرهم وهذا ما يستغله أصحاب الأعمال المخالفون للعدالة الإنسانية قبل العملية، إنما لو كان لدينا نصيحة واحدة نقدمها لمن يسعون للتحرر من عقود العبودية هذه وتحسين ظروفهم العملية والمادية، إضافة إلى ما سبق هي أن يجتهدوا في قراءة المنشأة التي يتقدمون للعمل فيها و من ثم الاجتهاد في قراءة العقد وتوثيق كل شيء رسمي وأن لا يخجلوا من رسم الحدود والمطالبة بحقوقهم والبحث الدائم عن الأفضل، فهذا لحفظ حقوقهم أولاً، ثم لمكافحة العبودية الوظيفية ومنعها من التفشي والاستمرار في استغلال أرزاق ملايين المحتاجين للقمة العيش الشريفة.
أما أصحاب هذه الأعمال فأعتقد أنك لتصل بك الحال لفعل شيء لا يختلف كثيراً عن أكل مال اليتيم وظلم المستضعفين فهو إما جهل أو طمع، فأنت فعلياً لا تستفيد، ليس على المدى البعيد، فعملياً إن موظفك في ادنى مستويات الأداء نظراً لإجهاده والأعمال التي تفوق طاقته وبالتالي أنت تخسر يومياً المال والوقت والسمعة التي تحتاجها لتستمر وتتطور وتكسب عوائد تناسب إمكانات مشروعك فعلياً، لذا ربما عليك تجربة الاتفاق على عقد عمل عادل مناسب لساعات العمل اليومية وطاقة الموظف الواحد وظروفه، ومن ثم أجر عادل يناسب هذه الوظيفة، الأمر الذي سينعكس على أداء الموظف من انتاج بجودة أعلى، ثم للعمل بنفسية أفضل تنعكس على رضا عملائك والبيئة العامة في منشآتك، وإذا كانت منشآتك صغيرة، كن صادقاً منذ البداية بالتزامك بالحدود المفروضة للأجور من وزارة العمل والموارد البشرية، وقدم تعويضات مادية ومكافآت لقاء كل تكليف إضافي توكله لموظفك، هذا سينعكس على أداؤه وولاؤه وجودة بيئة العمل في منشأتك ونظرة العملاء الذين يرون ويقرأون هذا في كل تفصيل قد لا تكون لاحظته.
علاقات العمل كأي علاقة في العالم، لتنجح، يجب أن تكون مفيدة للطرفين (ربح/ربح).