أرجوكم.. لا تُغيّروا أسماء المساجد..!
حبيب محمود
ببراءة طفل؛ أمسكتُ قلم خط، وكتبت على “كبينة” توزيع خطوط الهاتف “مسجد الإمام الرضا”. كانت مجرد خربشة على “الكبينة” الواقعة إلى جانب باب مسجد إلى جوار بيتنا “الصنادق”.
ثم مرّت مدة طويلة قبل أن أشاهد ختماً في كتب المسجد ومصاحفه. كان الختم يُسمّي المسجد بـ “الإمام الرضا”، عليه السلام.
لا أعرف صاحب الختم، إلا أنني اكتشفتُ أنني أطلقت اسماً جديداً على مسجد له اسمٌ تاريخي.
الـ “فتية”؛ هي الجزء الشرقي من قلعة العوامية القديمة. وكانت سوق القرية اليومية، وحتى بعد إزالة الأسوار والأبراج؛ استمرت “الفتية” سوقاً إلى أوائل الثمانينيات. وأبناء جيلي ـ في العوامية ـ أدركوا ما كان يكتظ به المكان من دكاكين خشبية و “بسطات” باعة..!
لكن قلم الخط الذي حمله طفل في العاشرة؛ شطب التاريخ. ثم جاء شابٌّ آخر متحمّس؛ فصنع ختماً للمسجد..!
تذكرتُ هذه القصة أمس؛ بعد نشر “صُبرة” تقريراً للزميلة أمل سعيد عن مسجد ذي اسمٍ تاريخي في صفوى، هو مسجد “المغيصة”، وهو آخر ما بقي من قريةٍ قديمة مندثرة اسمها “باب شراع”. لكن لوحة المسجد تحمل “مسجد السيدة سكينة”..!
في أيام العيد نشر الكاتب والفوتوغرافيّ أثير السادة منشوراً عن “مسجد العيد” في سيهات الذي تغيّر اسمه إلى “مسجد عيد الغدير”.
وفي شهر رمضان المبارك نشرت “صُبرة” أيضاً تقريراً عن مسجد “أبو العصافير” في العوامية، للزميلة معصومة الزاهر. وقد تغيّر اسم هذا المسجد إلى “مسجد الإمام الرضا”. جاء الاسم القديم من اسم بستانٍ مجاور.
ثمة ظاهرة شهدتها القطيف في العقود الأخيرة، هي تغيير أسماء مساجد وحسينيات أيضاً. هذا التغيير آتٍ من حماسة الهوية الروحية لسكان المنطقة. وذلك من حسنات الأمور. إلا أن هوية سكان القطيف ليست محصورة في الدلالات الدينية وحدها.
من المهمّ ـ جداً ـ الاعتزاز بهويتنا الثقافية التي تشمل الديني والاجتماعي والتاريخي. وذلك يستدعي أن نكون أمناء على الموروثِ فلا نغيّره ـ فقط ـ على أساس جانب من جوانب الهوية..!
إذا كان المكان يحمل اسماً لائقاً، وذا دلالة تاريخية، أو جغرافية، أو اجتماعية؛ فإن الأولى ـ للهوية ـ أن يبقى الاسم كما هو، دون تغيير. الأسماء القديمة إرثٌ تاريخيٌّ جدير بالحفاظ عليه وتمريره إلى الأجيال اللاحقة. وأغلبها ذو دلالاتٍ لها صلة بزمانٍ ما، أو بمكانٍ ما، أو بالإنسانِ نفسه في زمان مهم ومكانٍ أصيل.
لنتخيّل لو غيّر بعضهم مسجد “الحريف” الواقع في طريق القطيف في اتجاه العوامية. الذي سيحدث هو شطب ما تبقّى من تاريخ المكان الذي كان قرية ذات شأنٍ في زمن لم يعد موجوداً.
ولنتخيل تغيير اسم مسجد “القصير” غرب التوبي. أو مسجد “علوي” في ميّاس. أو مسجد “المسألة” في القلعة. أو مسجد “الحَصَمية” في الجارودية.. وغيرها من المساجد التي حملت أسماؤها موروثاً مهمّاً من حياة أسلافنا، أو أشارت إلى جوانب من هويتنا الثقافية الجامعة لتعدد دلالي..!
الإبقاء على هذه الأسماء ليس فيه إعابة على هويتنا الروحية التي نعتزُّ بها. ولا يحتاج أئمتنا ـ عليهم السلام ـ إلى هذا النوع من المبالغة، فهم موجودون في وجداننا وثقافتنا ونمط حياتنا.