من يحمي الأثر النبوي الوحيد في محافظة القطيف….؟ هيئة الآثار تكلف فريقاً لنظر موقع "عين الزارة".. والتأكد من "عدم تضرر المعلم التاريخي"

شارع شمال الناصرة يهدّد العين التي زارها النبي وتحدث عنها

رئيس بلدي القطيف: الحل الهندسي ممكن لإبعاد شارع شمال الناصرة عن “عين الزارة”

القطيف: صُبرة

أكد قطاع التراث الوطني بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني على اهتمامه بحماية كافة المواقع والمعالم الأثرية والتراثية في المملكة انسجاما مع أنظمة الدولة في هذا الشأن وفي مقدمتها نظام الآثار والمتاحف الذي يشدد على حماية المواقع التراثية والأثرية بالتعاون مع الجهات المعنية في الدولة.

وأوضح نائب الرئيس لقطاع التراث الوطني بالهيئة الأستاذ رستم بن مقبول الكبيسي في رد على استفسار لصحيفة “صبرة” أن إدارة الحماية والتسجيل في القطاع تلقت ملاحظات من مواطنين بشأن وقوع “عين الزارة” في مسار مشروع طريق بمحافظة القطيف، وتم تكليف فريق بالنظر في الموضوع والاطلاع على الموقع والعمل على التعاون مع الجهات الحكومية لعدم تضرر هذا المعلم التاريخي.

بلاغ من صُبرة

وجاء تصريح الكبيسي تعليقاً على بلاغ أرسلته “صُبرة” لنائب هيئة الآثار الكبيسي، ولمدير إدارة التوثيق والحماية الدكتور نايف القنّور، حول تهديد متوقّع للموقع الذي يُعتبر الموقع الأثري الوحيد في محافظة القطيف الذي له صلة بالسيرة النبوية.

ويواجه الموقع تهديداً جرّاء تنفيذ مشروع شارع شمال الناصرة، الذي تقع عين الزارة من جهته الجنوبية، وحسب المشاهدة؛ فإن جزءاً كبيراً من العين المسوّرة سوف يُزال لصالح المشروع.

وفي اتجاه آخر؛ زار رئيس المجلس البلدي بمحافظة القطيف ومجموعة من مهندسي البلدية، ظهر اليوم، الموقع التاريخي، لبحث سُبل تفادي الإضرار بالموقع، وإيجاد حلّ للتعديل على مسار مشروع “شارع شمال الناصرة”، الذي بدأت البلدية تنفيذه بإنهاء عمليات التمهيد له.

ما هي القصة..؟

ما إن بدأت آليات البلدية في تمهيد مشروعها التنموي المهم المعروف بـ “شارع شمال الناصرة”، حتى ظهرت مشكلة لم تكن واضحة قبل بدء المشروع. الذي ظهر؛ هو أن مسار الطريق يعترضه موقع أثريّ مهمّ، هو “عين الزارة” التاريخية التي ورد ذكرها في الحديث النبوي الشريف.

مسار الطريق يعترض أيضاً عين جوفية أخرى هي “عين الحسين”، في سَيحة القديح الزراعية.

لكن الأهمّ في نقطتي اعتراض الطريق هو “عين الزارة”، ليس بوصفها عيناً جوفية أثرية فحسب؛ بل لكونها الأثر النبوي الوحيد في محافظة القطيف. استناداً إلى ما رواه الإمام أحمد بن حنبل في “المسند” وفي “فضائل الصحابة”، وكذلك شهاب الدين البوصيري في “إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة”، والفسوي في “المعرفة والتاريخ”..

وما رواه هؤلاء الثلاثة، ـ رحمهم الله ـيتناول قصة زيارة عبدالقيس للنبي (ص) للمدينة في السنة السابعة للهجرة..

وفي الحديث ما يدل على وقوف الرسول على هذه العين ورؤيته لها، ومن ضمن هذه الرواية ذلك الحوار الذي دار بين الرسول الأكرم – صلى الله عليه وآله وسلم – وبين الوفد حول أشهر قلاعهم وحصونهم في البحرين، فكان أن سألهم قائلاً:

“أَيُّ هَجَرٍ أَعَزُّ؟؛ قُلْنَا: الْمُشَقَّرُ؛ قَالَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ دَخَلْتُهَا وَأخَذتُ إقْلِيْدَهَا؛  أَيُّ الخَطِّ أَعَزُّ؟؛ فَقُلْنَا: الزَّاْرَةُ؛ فَقَالَ: فَوَاللهِ لَقَدْ دَخَلْتُهَا وَأخَذْتُ إقْلِيْدَهَا، وَقُمْتُ عَلَى عَيْنِ الزَّارَةِ؛ عَلَى الحَجَرِ مِنْ حَيْثُ يَخْرُجُ المَاْءْ”.

وعلى هذا؛ فإن المأمول من هيئة السياحة والآثار ـ قطاع الآثار تحديداً ـ هو موقفٌ من مواقف الهيئة المسؤولة، المعروفة عنها. وذلك عبر التدخل لدى وزارة الشؤون البلدية والقروية، ووممثلتها ـ بلدية محافظة القطيف ـ لإدخال تعديلات تضمن حماية هذا الأثر التاريخي المهم من التهديد.

ولدى الباحث عبدالخالق الجنبي بحث مطوّل حول الأثر التاريخي، انتهى فيه إلى أن العين التي يعرفها الناس ـ محلياً ـ بـ “عين الحريف” هي ـ نفسها ـ عين الزارة التاريخية التي زارها النبي (ص) وتحدث عنها مع وفد عبدالقيس. وحتى أواخر خمسينيات القرن الماضي كان إلى جانب العين جُبيل صغير، وتمّ دكه وأخذ حجارته لصالح مشروع جسر تاروت.

عين الزارة

عبدالخالق عبدالجليل الجنبي

كان مجرى هذه العين الذي يدخل إلى مدينة الزارة المحصّنة يأتيها عبر قناة مائية مسقوفة ومدفونة تحت الأرض، ولم يكن ظاهراً فوق سطحها، ولهذا فإنّ الصحابي العلاء بن الحضرمي عندما حاصر الزارة لم يتمكن من فتحها لمدة طويلة لأنه عندما كان يدور حول سور الزارة لم يكن يرى أي مجرى نهر سطحي يدخل إليها وإلا لكان هذا القائد المحنك قد قطعه عنهم؛ إلى أنْ دَلَّهُ رجلٌ كان مع المحاصرين في المدينة؛ استأمن إلى العلاء متقرّباً له بأنْ دلّه على هذا المجرى الخبيء، وفوراً سارع العلاء إلى قطعه عن المحاصرين داخل المدينة، فتحقق له بذلك الظفر عليهم، وهو ما نصَّ عليه البلاذري في كتابه فتوح البلدان حيث قال:[1]

غزا العلاء بعبد القيس قرى من السابون في خلافة عمر بن الخطاب ففتحها، ثم غزا مدينة الغابة[2] فقتل من بها من العجم، ثم أتى الزارة وبها المكعبر فحصره .. ثم خرج رجل من الزارة مستأمنا على أن يدل على شرب القوم، فدله على العين الخارجة من الزارة، فسدها العلاء“.

وقد كان لهذه العين شرف وقوف رسول الله محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – عليها، وأغلب الظن أنه شرب من مائها أو لعله اغتسل فيها لتنال بذلك هذه العين شرفاً لا يضاهى على باقي عيون القطيف القديمة المشهورة.

رواية نادرة

ويعود الفضل في تحديد هذه العين إلى رواية نادرة عن وفد عبد القيس ذكرها كلٌّ من الإمام أحمد بن حنبل والفسوي والبوصيري تكمل رواية أحدهم رواية الآخرين، وهي عبارة عن حديث جرى بين الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – وبين وفد عبد القيس وقت وفادتهم عليه في المدينة المنوّرة، وفيه ما يدل على وقوف الرسول على هذه العين ورؤيته لها، ومن ضمن هذه الرواية هو ذلك الحوار الذي دار بين الرسول الأكرم – صلى الله عليه وآله وسلم – وبين الوفد حول أشهر قلاعهم وحصونهم في البحرين، فكان أن سألهم قائلاً:

أَيُّ هَجَرٍ أَعَزُّ؟؛ قُلْنَا: الْمُشَقَّرُ؛ قَالَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ دَخَلْتُهَا وَأخَذتُ إقْلِيْدَهَا؛[3] أَيُّ الخَطِّ أَعَزُّ؟؛ فَقُلْنَا: الزَّاْرَةُ؛ فَقَالَ: فَوَاللهِ لَقَدْ دَخَلْتُهَا وَأخَذْتُ إقْلِيْدَهَا، وَقُمْتُ عَلَى عَيْنِ الزَّارَةِ؛ عَلَى الحَجَرِ مِنْ حَيْثُ يَخْرُجُ المَاْءْ“.[4]

وفي رواية البوصيري: “وقمتُ على عين الزارة؛ يخرج الماء من الحجر“.

إنّ وصف عين الزارة بأنها كانت تخرج من حجر هو أشبه بما يُعرف الآن بمصطلح العلامة الفارقة المعمول به في بطاقة الأحوال الشخصية، والتي بها يتميز صاحب بطاقة ما عن غيره من الحاملين لذات اسمه واسم أبيه وجده لأنّ موضع الزارة – كما سبق وقلت – تحيط به عدة عيون قوية كلها تصلح لأن تكون عين الزارة إلا أنَّ ما ورد في هذه الرواية النادرة من أن هذه العين تخرج من حجر قد ضَيَّقَ لنا دائرة البحث ليحصرها في عين واحدة فقط، وذلك لأن كل العيون التي تحيط بأرض الزارة الآن هي عيونٌ محفورة في أرض رملية أو طينية باستثناء عينٍ واحدة كانت تنبع من حجر بالفعل والمراد بهذا الحجر تلٌّ أو هضبة صخرية كانت هذه العين تخرج منها، وهذا التلّ هو المسمى بـ(جبل الحُرَيْف) الذي كان عبارة عن دكة صخرية مسطحة، ومرتفعة قليلاً عما حولها، وهي مستطيلة الشكل يبلغ طولها من الشمال إلى الجنوب 170 متراً تقريباً، وأقصى عرض لها من الشرق إلى الغرب 98 متراً أما ارتفاعها فلم يكن يتجاوز 5 أمتار عما حولها، وكان الأهالي يطلقون على هذه الدكة ودكة مشابهة لها تقع جنوبها بقليل مسمى (جبل الحُرَيْف) تجاوزاً، وقد كُسحت هاتان الدكتان قبل عقدين ونيّف من الزمان، ثم أقيم فوق ما تبقى من الدكة الشمالية مركز فقر الدم المنجلي بالقطيف الواقع على شارع العوامية.

عين الحريف

وكانت تخرج من الركن الشمالي الغربي لهذه الدكة عينٌ تُعرف مؤخراً باسم (عين الحريف) وكانت هذه العين هي العين الوحيدة من العُيون المحيطة بموضع الزارة التي ينطبق عليها قول الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – إنّ مائها يخرج من الحجر أي الدكة المسماة بـ(جبل الحُريف)، ولهذا فإنني أرى بيقين أنها هي العين التي كانت تُعرف قديماً باسم (عين الزارة).

وهنا يتضح لنا المقصود من الرواية التي نَصَّتْ على أن الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – وقف على الحجر من حيث يخرج ماء عين الزارة، وهو أنه – صلى الله عليه وآله وسلم – إنما وقف على دكة (جبل الحُريف)، فشاهد هذه العين العظيمة، وهي تخرج من ركنه الشمالي الغربي.

عَيْنُ الزَّارَةِ وَمَسْئوْلَيّةُ المُحَافَظَةِ عَلَيْهَا

أخيراً وكما أوضحت قبل قليل فإن هذه العين لا زالت موجودة حتى اليوم ولكن انخفض منسوب مياهها فلم تعد تجري، ويستخرج أصحاب البساتين المحيطة بها مياهها بواسطة المضخات الآلية لري بساتينهم، وتقع هذه العين الآن في الركن الشمالي الغربي مباشرة لمركز فقر الدم المنجلي لا يفصل بينهما سوى شارع بعرض خمسة أمتار فقط، وقد تم حفظها ولله الحمد بسور مبني من الطوب والإسمنت عليه باب يمكن قفله على العين، وصُبَّت الأرض المحيطة بها بالأسمنت، ولكن هل يكفي ذلك لإحياء هذه العين العظيمة؟! في اعتقادي إنه لا يكفي؛ فقد أدى إهمالها كغيرها من عيون القطيف الكثيرة إلى رمي بعض أصحاب البساتين المحيطة بها لمخلفاتهم فيها، وكذلك يفعل الكثير من الصبية الذين يقصدون العين، وكان الأولى بفرع مشروع الري والصرف بالقطيف لو أنه قام بتنظيف هذه العين وغيرها من العيون القديمة في القطيف وهيأ لها بركاً للاستحمام أسوة بعيون شقيقتها واحة الأحساء، ولا سيما هذه العين التي تشرفت بوقوف النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – عليها، فهي تستحق أن تلقى مزيداً من العناية والتنظيف والتعميق إن لزم الأمر، وكذلك بناء بركة لها للاستحمام لأن موقعها من المواقع الجميلة بالفعل في واحة القطيف، فإن لم يفعل فرع مشروع الري والصرف بالمنطقة ذلك، فيجب على أمانة محافظة القطيف القيام به، وإن لم تفعل الأمانة ذلك، فلا أقل من أن يهتم بالأمر بعض الغيورين من أهالي القطيف الذين أنعم الله عليهم بنعمه الكثيرة لإحياء هذه العين والمحافظة عليها وجعلها معلماً سياحياً لبلدهم، وأنعم بها من معلم تشرف بوقوف سيد الخلق عنده.

————————

[1]  أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري: فتوح البلدان؛ تحقيق صلاح الدين المنجد (القاهرة: مكتبة النهضة المصرية 1956م) ج1: 95.

[2]  سبق الترجيح أنها ما يُعرف موضعها الآن باسم الغُبَيْبة تصغير غابة، وهي تقع شمال غرب صفواء، وشمال شرق أم الساهك، وهي موضع مرتفع به عيون وآثار واضحة، ويمر بها الطريق السريع الذي يربط بين الظهران والجبيل، وبسبب ارتفاعه عن سطح البحر، فقد كان مفضلاً للسكن من قبل العجم كما هو واضح من هذا النص.

[3] الأقليد هو المفتاح هنا، وقد يكون للكلام دلالات رمزية لأننا لا نعرف الوجه في أخذ الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم – لمفتاح مدينة المشقر أو قلعتها.

[4] انظر عن هذا الحديث:

  • الإمام أحمد بن حنبل: مسند الإمام أحمد بن حنبل؛ تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرين (بيروت: مؤسسة الرسالة 2001م) ج29: 362؛ الحديث رقم 17829.
  • الإمام أحمد بن حنبل: فضائل الصحابة (بيروت: مؤسسة الرسالة) ج2: 829؛ الحديث الرقم (1514).
  • يعقوب بن سفيان الفسوي: المعرفة والتاريخ؛ تحقيق خليل منصور (بيروت: دار الكتب العلمية بيروت دت) ج1: 129.
  • شهاب الدين البوصيري: إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانيد العشرة؛ تحقيق: سيد كسروي حسن (بيروت: دار الكتب العلمية 1998هـ)؛ ج3: 302.

 

العين كما بدت عصر أمس (تصوير: فتحي عاشور)

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×